بقلم / إيمي الحسن
ما رأيتُ في اللين إلا أثرَ قوّةٍ كامنة، ولا أبصرتُ في القسوة إلا ظِلّ ضعفٍ خائف، يتشبه صاحبها بالطغاة ليداري خواءه..
والناس يظنون أن اللين ضعف، لأنهم لم يذوقوا مرارة الترفّع عن ردّ الإساءة، ولم يعرفوا كِلفة التماس الأعذار، ولا مشقّة الإمساك عن الغضب حين يضيق الصدر وتختنق الأنفاس..
إنما اللينُ جهادُ، لا يقوى عليه إلا من ذاق بأس التهذيب، وارتقى سلّم الحِلم درجة درجة..
أما القساة، فلو علمت ما في صدورهم من وجعٍ مكلوم، ورغبةٍ مذعورة في إثبات شيءٍ لا يملكونه، ربما لعذرتهم، لأن القسوة قناع، يضعه الضعيف ليستر وجعَه، ويقسو ليُرى قويًا، وليدرأ عن نفسه رعبَ الانكشاف، وليواري ارتعاشة روحه…
فإذا وجدتَ أحدهم ليّن القول، رقيق الجانب، سمح الخاطر، فاقرأ في وجهه سيرة الأقوياء، أولئك الذين غلبوا أنفسهم، وعرفوا الرحمة والتجلّد، فلم تزدهم الدنيا إلا هدوءًا، ولا كثرة الجراح إلا حنانًا..
وإذا رأيتَ الآخر، قاسيًا، فظًّا، غليظ القلب، فاعلم أنك لا ترى شدته، بل ترى خوفه من أن يُبصره الناس على هيئته الحقيقية، يتدرع بالقسوة، ليستر بها رعبه من السقوط، وضعفه عن الحب، ووحشته من تقبل حقيقة ذاته