تحليل
الرسالة العربية

بررت إسرائيل ضرباتها ضد إيران في سياق عملية “الأسد الصاعد” بكونها تهدف إلى تدمير قدرات طهران النووية. فما الذي نعرفه عن البرنامج النووي الإيراني؟ وهل إسرائيل فعلا قادرة على شل وتدمير هذه القدرات التي تعتبرها تهديدا لوجودها؟ تقول تل أبيب إن إيران شارفت نقطة “اللاعودة” بشأن مشروعها النووي، فيما تشدد طهران دائما على سلمية برنامجها.

Le site nucléaire de Natanz, à 200 km au sud-est de Téhéran, visé par l'opération israélienne du 13 juin 2025. Photographie satellite réalisée par Maxar Technologies le 24 janvier 2024.
موقع نطنز النووي، على بعد 200 كيلومتر جنوب شرق طهران، الذي استهدفته العملية العسكرية الإسرائيلية. صورة بالأقمار الاصطناعية التقطتها شركة “ماكسار تكنولوجي” في 24 يناير/كانون الثاني 2024. © أسوشيتد برس

أثناء استقباله وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو في فبراير/ شباط الماضي، توجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بنوع من التصميم لرئيس الدبلوماسية الأمريكية بالقول: “بفضل دعمكم الثابت، ليس لدي أدنى شك في أننا سوف نُنهي المهمة” ضد إيران.

وانطلق الجيش الإسرائيلي فجر الجمعة في هذه “المهمة” بتنفيذ ما أسماه “ضربة وقائية” داخل الأراضي الإيرانية استهدفت منشآت نووية ومواقع عسكرية. والأحد، أعلن تنفيذ “سلسلة واسعة من الضربات تستند إلى معلومات استخباراتية على عدد من الأهداف في طهران تتعلق بمشروع الأسلحة النووية للنظام الإيراني”. وواصل الطرفان تبادل الهجمات لليوم الثالث تواليا.

وأجرت إيران والولايات المتحدة خمس جولات من المباحثات بشأن برنامج طهران النووي قبل الضربات الإسرائيلية فجر الجمعة. وألغت إيران مشاركتها في جولة جديدة كان مقررا أن تعقد الأحد في سلطنة عمان. وأتى ذلك بعدما اعتبرت وزارة الخارجية الإيرانية أن “لا معنى” لهذه المحادثات في ظل الضربات الإسرائيلية.

أمريكي من الاتفاق وتسريع إيراني لوتيرة الأنشطة النووية

تراجعت إيران تدريجيا عن التزاماتها بموجب الاتفاق النووي المبرم عام 2015 مع القوى الكبرى، بعدما سحب ترامب بلاده منه في 2018 خلال ولايته الأولى وفرض عقوبات مشددة على طهران.

وكرد فعل منها، قامت طهران بتسريع وتيرة أنشطتها النووية ونطاقها بشكل كبير. وكان يُفترض أن هذا الاتفاق يقيد برنامجها ويضمن سلميته، مقابل رفع العقوبات الدولية عنها. ونفت إيران على الدوام سعيها لامتلاك سلاح نووي، وشددت على سلمية برنامجها.

وتؤكد طهران أن برنامجها مدني بالكامل بما يتماشى مع التزاماتها بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي، وأنها لا تسعى إلى امتلاك قنبلة ذرية، لكن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أعلنت أن طهران لا تمتثل لالتزاماتها بموجب المعاهدة.

وترى إسرائيل أن البرنامج النووي الإيراني يشكل تهديدا لوجودها، وقالت إن الضربات تهدف إلى منع طهران من اتخاذ الخطوات المتبقية نحو صنع سلاح نووي، شارف نقطة “اللاعودة”. وفيما لا تؤكد أو تنفي حيازتها للسلاح النووي، يؤكد معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام أن إسرائيل تحوز على 90 رأسا نوويا.

قائمة بالمواقع الرئيسية المعروفة التي تخضع لتفتيش منتظم من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية

  • منشآت تخصيب اليورانيوم

– نطنز: كشف عن وجودها في 2002، وهي من الأبرز بين منشآت البرنامج النووي الإيراني. وأكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة أن الموقع تعرض لاستهداف إسرائيلي الجمعة.

وتقسم المنشأة، واسمها الرسمي “موقع الشهيد أحمد روشان”، إلى قسمين أحدهما فوق الأرض والثاني تحتها، ويضم نحو 70 سلسلة من أجهزة الطرد المركزي، أي أكثر من 10 آلاف من هذه الأجهزة المستخدمة لتخصيب اليورانيوم. تعرض الموقع لعملية تخريب في أبريل/ نيسان، نسبتها إيران إلى أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية.

– فوردو: كشفت إيران في سبتمبر/ أيلول 2009 عن منشأة فوردو المحصنة داخل الجبال بين طهران وقم (وسط)، في انتهاك لقرارات الأمم المتحدة، ما أثار أزمة مع القوى الكبرى في مجلس الأمن الدولي. وبعدما وصفتها بأنها “موقع إنقاذ” في منطقة جبلية بالقرب من قاعدة عسكرية لحمايته من هجوم جوي، أعلنت طهران أنه منشأة تخصيب بقدرات عالية، يمكنها استيعاب نحو ثلاثة آلاف جهاز للطرد المركزي.

وفي هذا الموقع تم اكتشاف جزيئات من اليورانيوم المخصب بنسبة 83,7% في بداية 2023، وبررت إيران ذلك بأنه “تقلبات غير مقصودة” خلال التخصيب.

صورة لمجمع نطنز النووي الإيراني على بعد 300 كيلومتر من طهران
صورة لمجمع نطنز النووي الإيراني على بعد 300 كيلومتر من طهران © رويترز

مصانع التحويل والبحث

أصفهان: يتيح مصنع تحويل اليورانيوم في أصفهان (وسط)، والذي تم اختباره صناعيا في عام 2004، تحويل “الكعكة الصفراء” (مسحوق خام اليورانيوم المركز المستخرج من المناجم الصحراوية الإيرانية) إلى رباعي الفلوريد وثم إلى سداسي فلوريد اليورانيوم (UF4 وUF6). بعد ذلك يجب إدخال هذه الغازات في أجهزة الطرد المركزي لإنتاج اليورانيوم المخصب.

كما تضم أصفهان مختبرا تم تدشينه في نيسان/أبريل 2009 ينتج وقودا منخفض التخصيب مخصصا للمفاعلات المحتملة. وفي مطلع 2024، أعلنت إيران بدء أعمال بناء مفاعل بحثي جديد في الموقع.

– أراك: بدأت أعمال بناء مفاعل الماء الثقيل في أراك (وسط)، المخصص رسميا لإنتاج البلوتونيوم لأغراض البحث الطبي، في العقد الأول من الألفية الثالثة. لكن المشروع تم تجميده بموجب الاتفاق الذي أبرمته إيران والقوى الكبرى عام 2015، والذي نص على إعادة تصميمه. وبالتالي، تمت إزالة نواة المفاعل وصب الخرسانة فيه لجعله غير قابل للتشغيل.

ويتوقع أن يتم تشغيل الموقع الذي بات يعرف باسم خنداب، في العام 2026، وفقا للمعلومات التي قدمتها إيران إلى الوكالة الذرية. يضم المجمع كذلك مصنعا لإنتاج الماء الثقيل.

– طهران: يضم مركز الأبحاث النووية في طهران مفاعلا لإنتاج النظائر الطبية تم تسليمه من قبل الأمريكيين في العام 1967، قبل انتصار الثورة الإسلامية.

  • محطة نووية

– بوشهر: بدأت محطة بوشهر النووية (جنوب) التي شيدتها روسيا وتزودها بالوقود النووي، العمل في أيلول/سبتمبر 2011 بقدرة منخفضة قبل أن تُربط بالشبكة الكهربائية في العام الذي تلاه. بدأت ألمانيا العمل على بنائها قبل انتصار الثورة الإسلامية، واستكملت موسكو عام 1994 بناء هذه المحطة بقدرة 1000 ميغاواط.

وتبني إيران محطتين نوويتين أخريين بمساعدة روسيا، هما دارخوين (جنوب غرب) التي بدأ العمل عليها أواخر عام 2022 بقدرة 300 ميغاواط، ومجمع سيريك (المطل على مضيق هرمز) الذي بدأ إنشاؤه مطلع عام 2024، ويضم أربع محطات بطاقة إنتاجية إجمالية تبلغ خمسة آلاف ميغاواط.

هل بإمكان إسرائيل تدمير القدرات النووية الإيرانية؟

وإذا كانت إسرائيل تقول إن هدفها من عملية “الأسد الصاعد” تدمير القدرات النووية لإيران، فالباحث علي واعظ المتخصص في ملف إيران في مجموعة الأزمات الدولية، وهي مؤسسة بحثية أمريكية، يرى في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية أنه “بإمكان إسرائيل إلحاق الضرر بالبرنامج النووي الإيراني، لكن من غير المرجح أن تتمكن من تدميره”. وأكد أن إسرائيل لا تملك القنابل الثقيلة اللازمة “لتدمير منشآت نطنز وفوردو المحصنة” في عمق الجبال.

بدورها، لفتت كيلسي دافنبورت، الخبيرة في “آرمز كونترول أسوسييشن” إلى أنه للقيام بذلك، ستحتاج إسرائيل إلى “مساعدة عسكرية أمريكية”. وأضافت أنه لا يمكن القضاء على المعرفة التي اكتسبتها طهران، على الرغم من مقتل تسعة علماء نوويين في الضربات.

ويعي الإسرائيليون جيدا هذا الأمر وفق ما يُفهم من تصريح مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي، الذي قال الجمعة إنه “من المستحيل تدمير البرنامج النووي بالقوة وحدها. الهدف هو جعل الإيرانيين يدركون أن عليهم وقف البرنامج النووي”.

وفي نفس الاتجاه يذهب الباحث الإسرائيلي بمعهد الدراسات الأمنية والقومية يوحنان صوريف: “أعتقد أن إسرائيل لوحدها غير قادرة على القضاء نهائيا على قدرات إيران النووية. والمطلوب تدخل أمريكي بقدراته الجوية”.

لكن إسرائيل “لا تعول على ذلك لأنها تعلم أن التدخل الأمريكي لا يتم إلا في حال مهاجمة طهران قواعد واشنطن العسكرية بالمنطقة” بحسب الصحافي والباحث الإسرائيلي الحنان ميلر. إلا أن العملية قد “تؤدي على الأقل لإضعاف إيران وتأجيل المشروع النووي الإيراني والباليستي الذي شكل تهديدا لإسرائيل منذ سنوات كثيرة، وربما انهيار هذه القدرات”.

ما هي الأضرار التي ألحقت بالمنشآت النووية الإيرانية؟

وفق ما أوردته الوكالة الدولية للطاقة الذرية السبت نقلا عن السلطات الإيرانية، فقد “دُمِّرَ” قسم رئيسي فوق الأرض من منشأة تخصيب اليورانيوم في نطنز في وسط البلاد.

واعتبر معهد العلوم والأمن الدولي، وهو مركز أبحاث مقره في واشنطن ومتخصص في الأسلحة النووية، أن الدمار الذي أكدته صور الأقمار الاصطناعية، “جسيم”.

وفي تقرير له، أشار المعهد إلى أن الهجمات التي تستهدف إمدادات الطاقة في المنشأة يمكن أن تُلحق أضرارا بالغة بآلاف أجهزة الطرد المركزي الموجودة، وهي الأجهزة المستخدمة لتخصيب اليورانيوم، “في حال نفدت (طاقة) البطاريات الاحتياطية”.

وأكد المعهد أن موقع نطنز “لن يتمكن من العمل لفترة من الوقت، على أقل تقدير”. كما استهدف الهجوم الإسرائيلي منشأة فوردو لتخصيب اليورانيوم، وأعلنت إيران أن أضرارا محدودة لحقت به.

واستهدف الهجوم الإسرائيلي أيضا مصنعا لتحويل اليورانيوم في أصفهان (وسط). ويُعتقد أن هذا المجمع يحتوي على احتياطيات كبيرة من اليورانيوم عالي التخصيب. وفي هذه المرحلة، لا يمكن معرفة ماذا حدث لهذا المخزون.

وقال واعظ “إذا نجحت إيران في نقل بعض (مخزوناتها) إلى منشآت سرية، فستكون إسرائيل قد خسرت اللعبة”.