بقلم دكتورة / هبه عبد العزيز
وسط تلاطم أمواج البحر الأبيض المتوسط ، تتجه سفينة صغيرة تدعى “مادلين” نحو وجهة كبيرة بحجم المأساة ” قطاع غزة” هذه السفينة التي انطلقت في مهمة إنسانية جريئة، تحمل على متنها ليس فقط مساعدات غذائية وطبية، بل أيضًا رسالة سياسية وانسانية موجهة إلى العالم: “ارفعوا الحصار عن غزة”
“مادلين” ليست مجرّد قطعة حديد تطفو على الماء، بل صارت أيقونة نضال سلمي، تُبحر بالإصرار والإرادة لتمزيق عزلٍ خانق ، و أصبحت رمزًا للمقاومة السلمية والإصرار الدولي على كسر جدار الصمت المفروض حول معاناة أكثر من مليوني فلسطيني يعيشون في ظروف غير إنسانية بفعل الحصار المستمر. انطلقت السفينة من أحد الموانئ الأوروبية، حاملة ناشطين من عدة دول، يمثلون طيفًا واسعًا من منظمات حقوق الإنسان، إضافة إلى أطباء ومتطوعين وأفراد طاقم . رغم أنها ليست السفينة الأولى التي تحاول اختراق الحصار البحري المفروض على القطاع، إلا أن رحلتها تأتي في توقيت حرج، في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر وتصاعد الكارثة الإنسانية في غزة، خاصة بعد انهيار المنظومة الصحية ونفاد الإمدادات الأساسية ، وتسعى إلى إيصال مساعدات طبية وأدوية ومستلزمات للأطفال والمصابين، وهي تحمل رسالة واضحة: “غزة ليست وحدها”. ورغم التهديدات الإسرائيلية المستمرة باعتراض السفينة ومنعها من الوصول إلى الشواطئ الغزية، يصر منظمو الرحلة على المضي قدمًا، مؤكدين أن كسر الحصار واجب أخلاقي، وليس فقط تضامنًا إنسانيًا
يقول أحد منظمي الحملة، وهو ناشط سويدي في مجال حقوق الإنسان:
نحن نعلم أن الطريق محفوف بالمخاطر، لكن العالم لا يستطيع أن يواصل تجاهله لما يحدث في غزة. هذه السفينة لا تنقل فقط دواءً وغذاءً، بل تنقل ضميرًا إنسانيًا حيًا
وتأتي هذه الرحلة في ظل تدهور الأوضاع الإنسانية في غزة، حيث ارتفعت معدلات الفقر إلى مستويات غير مسبوقة، وتوقفت أغلب المستشفيات عن العمل بسبب نقص الوقود والمستلزمات، في حين تعاني شبكات المياه والكهرباء من انهيار شبه كامل
ورغم أن التجارب السابقة لسفن كسر الحصار لم تنجح في الوصول إلى غزة بسبب التدخل الإسرائيلي، كما حدث مع سفينة “مرمرة” عام 2010، إلا أن “مادلين” تحاول مرة أخرى، مستندة إلى الدعم الشعبي والإعلامي العالمي المتنامي للقضية الفلسطينية، خاصة بعد تصاعد التغطية الدولية للجرائم المرتكبة بحق المدنيين
في المقابل، تحاول سلطات الاحتلال تصوير السفينة على أنها “استفزاز سياسي”، في ظل صمت دولي رسمي يكاد يكون مطبقًا، مقابل ضجيج شعبي متصاعد على مواقع التواصل وفي الشوارع الأوروبية والعربية
و قامت البحرية الإسرائيلية باعتراض سفينة “مادلين” في الساعات الأولى من صباح 9 يونيو 2025، عندما كانت تبحر في المياه الدولية على مسافة تقارب 160–200 ميل بحري (حوالي 300 كم) شمال غزة، وأعيد توجيهها إلى ميناء أشدود ، ثم خضعت للتحقيق، قبل أن يتم ترحيل الطاقم التسعة عشر، مع إبقاء المعدات والمساعدات عند السلطات الإسرائيلية لإعادة توجيهها ، وعلى الرغم من هذا التعنت إلا أن رحلة “مادلين” تكتسب أهمية رمزية تتجاوز بكثير حمولتها الفعلية. هي بمثابة دعوة للضمير العالمي كي يلتفت إلى غزة، ويضغط من أجل إنهاء الحصار، وإعادة الحياة إلى شعب أنهكته الحروب والقيود
أثارت هذه الخطوة انتقادات دولية حادة، حيث وصفتها تركيا وإيران بـ”القرصنة” ونعتتها وسائل إعلام عالمية بأنها “انتهاك للقانون الدولي”، بينما استدعت إسبانيا والسويد وفرنسا سفراء إسرائيل للاحتجاج وضغطت للإفراج السريع عن ركاب السفينة .