بقلم / رضا اللبان
الحرب، كما عرفها التاريخ، ليست مجرّد صِدام بين جيوش، بل هي مرآة تعكس موازين القوة، ووسائل النضال، وروح الشعوب.
وفي هذا المقال، نقف على الفارق بين الحروب النظامية وحروب العصابات، ونُلقي نظرة على ما يحدث في غزة، حيث تسطّر المقاومة الفلسطينية فصلاً جديدًا في كُتب الكفاح، بأسلوب يُربك جيشًا يُعدّ من أقوى جيوش المنطقة.
أولًا: ما الفرق بين الحروب النظامية وحروب العصابات؟
الحرب النظامية هي الحرب التقليدية بين جيوش نظامية، بزيّ موحد، وهيكل قيادي واضح، وأسلحة ثقيلة، ودبابات وطائرات. فيها المعارك تُخاض في ميادين معروفة، بخطط عسكرية دقيقة، وغالبًا ما تُحسم بالقوة العددية والتفوق التكنولوجي.
أما حروب العصابات (أو ما يُعرف بحروب الغوار)، فهي نوع آخر تمامًا.
هي حرب الضعفاء، حرب من لا يملك طائرة ولا دبابة، لكنها تملك الإرادة، والذكاء، والقدرة على التخفّي. تعتمد على:
- الكمائن.
- الضرب والانسحاب.
- استنزاف العدو نفسيًا وماديًا.
- استخدام البيئة كوسيلة دعم (الأنفاق، المنازل، السكان).
باختصار، في حرب العصابات، “الميدان” هو كل مكان، و”العدو” لا يعرف من أين تأتيه الضربة.
ثانيًا: غزة نموذجًا حيًا
منذ عقود، تخوض المقاومة الفلسطينية معركة وجود ضد الاحتلال الإسرائيلي.
في كل مرة تتفجر فيها المواجهة، يظهر الفرق واضحًا:
- جيش الاحتلال بترسانته الجوية والبرية، يُواجه مقاتلين يرتدون الكوفية ويحملون السلاح على الكتف.
- طائرات F-35 تقصف من السماء، فيردّ المقاومون بصواريخ محلية الصنع تُربك تل أبيب وتُدوي في عمق المدن المحتلة.
لكن الغريب – أو المعجزة، إذا صحّ التعبير – أن هذه المقاومة، رغم تواضع إمكانياتها، أربكت العدو، واستنزفته، وفرضت عليه معادلات جديدة.
ثالثًا: لماذا حروب العصابات فعّالة أمام جيوش كبرى؟
لأنها ببساطة، تكسر قواعد اللعبة:
- المرونة: لا توجد خطوط واضحة للجبهة. العدو لا يعرف من أين ستأتي الضربة التالية.
- الدافع العقائدي: المقاتل في حروب العصابات لا يقاتل من أجل راتب أو وسام، بل من أجل كرامة، وطن، وعقيدة.
- الاحتكاك المباشر: الجنود المعتادون على القتال من خلف شاشات، يجدون أنفسهم في مواجهة عدو يعرف الأرض، ويُجيد التخفي، ويملك جرأة لا توصف.
- الكلفة النفسية والسياسية: كل خسارة في صفوف الاحتلال تُحدث صدمة، وتخلق تساؤلات داخل مجتمعه، وتزعزع ثقته بقيادته.
رابعًا: ماذا تعني غزة اليوم؟
غزة لم تعد فقط منطقة محاصرة، بل أصبحت رمزًا عالميًا لحرب الإرادة ضد الآلة.
المقاومة هناك لا تُقاتل فقط بالرصاص، بل أيضًا بالإعلام، بالصمود، وبأنها ما زالت تُقاوم رغم الجراح.
الاحتلال يُدرك أنه لا يواجه جيشًا، بل يواجه فكرة، وفكرة المقاومة لا تُقصف.
خاتمة:
في معركة غير متكافئة، يُولد التوازن من إرادة لا تُقهر.
الحروب النظامية قد تسحق المدن، لكن حروب العصابات تُخيف الأنظمة، وتُربك الجيوش، وتُعيد تعريف النصر.
وغزة، رغم القصف والجراح، تُثبت أن النصر ليس فقط مَن يملك السلاح الأقوى، بل من يملك الروح الأطهر، والعزم الأصدق.