بقلم الكاتبة الجزائرية / يامنه بن راضي
تنبعث أيامنا على دروب متناقضة في الغالب على هذه البسيطة؛ و بين مد وجزر تكتب فصول حياتنا وتفاصيلها فلا شيء ثابت غير هذه الأقدار المتغيرة المحتومة بقساوتها و بهجتها ، ولئن كانت خيبات الأمل ضيف ثقيل على الكثير منا قد يرحل يوما، فإنها لا ريب جار جنب غير مفارق لأمتنا العربية، أو كأن أوطاننا خلقت لتكون مسكنها الأبدي .. فتستقر وتتناسل يوما بعد آخر لترسم لنا مشهدا عربيا مظلما يحيط به العبث والخزي من كل جانب، فمنذ عقود خلت ونحن نتجرع خيبات الأمل في أمتنا العربية، التي لم تتردد لحظة وهي ترمي بتاريخها الخالد وثقلها الحضاري ووزنها الجغرافي وطموحها وجمال ثقافتها وراء أنهار الحياة المتدفقة، لتترك أبناءها ضمأى لعزة مفقودة ونشوة إنجاز مؤجل.. وها هي خيباتنا العربية تتوالى ويتوالى معها شعورنا بالدونية والإمتهان المقيت …….
يقال أن خيبات الأمل هي صفعات القدر التي توقضنا من الأوهام، ولقد صدق قائلها ..وعلى الرغم من أننا كشعوب عربية لم نكن نأمل خيرا كثيرا من أمتنا العربية بساستها ومسؤوليها وصناع قرارها ومنافقيها وحتى من بعض نخبتها ومثقفيها، إلا أن بصيص أمل صغير كان يراودنا بين الفينة والأخرى ويخبرنا أن رجلا رشيدا سيأتي من أقصى المدينة ليصلح الحال وينقذ أطفال غزة ونساءها من بطش الصهاينة المجرمين ومن وحش الجوع المفترس وينقد كل الهلكى والمنكوبين، لكن وعلى ما يبدو فإن هذه الجرعة الصغيرة من الأمل أدخلتنا متاهة الوهم، فو كان ذلك ليكون لكان سابقا عندما استبيحت بلال الرافدين وعاث فيها الأمريكيون فسادا فقتلوا وشردوا بل واغتصبوا وسجن العار ” أبو غريب “مازال شاهدا على تلك الإهانة البغيضة، ولم تتحرك النخوة العربية ولم تثأر لكرامتها وتركت العراق وحيدا يواجه مصيره، كما ترك أهل اليمن البائس السعيد لسنوات يتنفسون رائحة البارود بدل النسيم المنعش في تلك الجبال الوعرة، بل أن كل ما حدث في لبنان و الجزائر وليبيا من حروب أهلية فتكت بالأرواح البريئة وأدمت القلوب لم تحرك الأمة التي آثرت دفن رأسها في الأرض كالنعام ……..
واليوم يعيد التاريخ نفسه لكن أمتنا العربية لا تدفن رأسها في الرمال خجلا ككل مرة، بل أينعت رأسها عاليا فلاشيء يعنيها وهي تشاهد تلك الإبادة الفظيعة ضد أهلنا في غزة هاشم وكأن ما يحدث لهم يحدث في زمن آخر وفي مكان آخر ..
وتخز الخيبة على وجداننا العربي المنهك وخزا لاذعا ونحن نرى كيف يموت أهل غزة جوعا على قارعة الطريق وأموال العرب تذهب الى خزائن أمريكا اللعينة شريكة الكيان الصهيوني المجرم في جرائمه المروعة ضد الفلسطينيين …لقد بلغ السيل الزبى وبلغت خيباتنا العربية حدا لا يطاق، وكأن خذلاننا العربي لبني قومنا من المنكوبين في غزة لا يكفي، لتأتي تلك الخطوات السفيهة الغبية من بعض بني جلدتنا من العرب وهم يتنافسون دون ذرة حياء على كسب ود ترامب المنبوذ أصلا من شعبه الأمريكي ..
لعمري إنها لقاصمة الظهر في زماننا العصيب الذي اندثرت فيه الشهامة العربية الى الحد الذي يتحول فيه أطفال غزة بين عشية وضحاها الى
جثث هزيلة توارى الثرى نتيجة الجوع ..والمال العربي يبعثر هنا وهناك فعن أي أمل في هذه الأمة نتحدث بعد؟! ..
أخيرا، يقول محمود درويش: لا أريد أن أرى أكثر مما رأيت من خيبات الأمل ..ليت درويش وغيره يعلمون أي خيبات أمل نعيش هذه الأيام ..وليتهم يعلمون أن خيباتنا العربية طاب لها المقام بيننا ..و لا نعلم متى تغادرنا ؟ .