عاجل

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب: نعرف تماما أين يختبئ المرشد الأعلى ولكن لن نقضي عليه الآن

امبراطوريات تنهار تحت أقدام المال

بقلم الكاتبة الصحفية / سهام فودة

في زمنٍ بات فيه المال هو الحاكم الفعلي، والقيمة العليا التي يُقاس بها النجاح والمكانة، لا تبدو مفاجِئةً تلك السقوطات المفجعة التي تطال من ظنوا أنهم فوق المحاسبة، وأن الثروة درع لا يخترقه الزمن. كم من إمبراطوريات تعليميّة وتجارية وأُسرٍ مترفة انهارت تحت وطأة المال الذي كان يُفترض أن يكون وسيلة، فإذا به يتحول إلى غايةٍ أعمى البصائر ومزّق القلوب.

وما قصة انهيار إمبراطورية “الدكتورة نوال الدجوي” واستثماراتها التعليمية الضخمة إلا مرآة جريئة لانهيار أوسع: انهيار القيم حين تُستبدل بالشيكات، وتراجع الرسالة حين يُباع التعليم في مزاد السوق.

المال، هذه الكلمة الصغيرة الثقيلة، حملت في طياتها منذ القدم أكثر الفتن شراسة، وتحوّلت من نعمة إلى ابتلاء، ومن وسيلة للعيش إلى أداة للهيمنة. عبر العصور، كلما تفاقمت الأزمات وتفككت العلاقات وتصدّعت البيوت، كان المال حاضرًا كجذرٍ خفيّ. المال الذي قيل عنه إنه “عصب الحياة” صار في زمننا هذا هو لُبّ الحياة وغايتها، ولو على حساب الدين، والأخلاق، والدم، والرحم.

لا أحد يُنكر أهمية المال، فهو ما يُقيم البيوت ويُؤمّن المستقبل ويحفظ الكرامة. لكنه حين يخرج من اليد ليدخل إلى القلب، تبدأ المأساة. مأساة تكررت آلاف المرات: أصدقاء فرّقتهم أوراق نقدية، إخوة رفعوا القضايا على بعضهم، أُسر انهارت بعد أن كانت متماسكة كالبنيان. المال عندما يتحول من خادم إلى سيّد، يصبح هو الملعون الحقيقي الذي يُخرّب النفوس قبل البيوت.

وليس غريبًا أن تكون بداية الانهيار في مشروع تعليمي، حيث من المفترض أن تكون الرسالة أسمى من الأرباح. ما جدوى تعليم يخرّج الأذكياء دون أن يزرع فيهم ضميرًا؟ أي قيمة لشهادة تُمنَح لشخص لا يرى في الحياة إلا أرقام حسابه البنكي؟

التعليم بلا أخلاق، جريمة. التعليم الذي لا يُربّي، لا يعلّم. الجامعات والمدارس الخاصة، وإن كانت ضرورة، لا يجب أن تتحول إلى شركات عقارية ومشاريع سمسرة. المعلمون ليسوا موظفين، بل ورثة الأنبياء. هذه الحقيقة التي يجب أن تُكتب على بوابة كل مدرسة، وكل مؤسسة تعليمية.

ربما يبدو الكلام الآن عاطفيًا، لكنه في جوهره تحذير من عاصفة قادمة. حين نُربّي أبناءنا على أن المال هو المقياس الوحيد للنجاح، فإننا نُعدّهم للفشل الروحي. حين نحشو عقولهم بالمواد الدراسية ونترك قلوبهم خاوية من القيم، فنحن نُسلمهم للضياع.

القضية ليست في عدد الصفر في الرصيد، بل في موضع المال: هل هو في يدك؟ أم في قلبك؟
الرسول الكريم علّمنا أن ما تملكه حقًا هو ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت.
هل نتذكّر هذا الحديث حين نسابق الزمن لامتلاك العقارات والشهادات البنكية؟

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp
Print
booked.net
موقع الرسالة العربية