كتب د / حسن اللبان
كشفت دراسة علمية حديثة أن “الموت الخلوي الفوضوي” الذي ظل لسنوات مجرد حطام بيولوجي مهمل، قد يكون السلاح السري لمحاربة الشيخوخة وتمكين البشر من استعمار الفضاء.

وأفاد فريق دولي يضم علماء من أعرق الجامعات ووكالات الفضاء أن “النخر الخلوي” – ذلك النوع من الموت العشوائي للخلايا – ليس نهاية المطاف كما كنا نعتقد، بل قد يكون البوابة الذهبية لعلاج الأمراض المزمنة وإطالة العمر البشري، بل ومساعدة رواد الفضاء على تحمل ظروف الرحلات الفضائية الطويلة

ويقود هذا التحول العلمي فريق بحثي متميز من جامعة كوليدج لندن وشركة “لينكجيفيتي” للتكنولوجيا الحيوية ووكالة الفضاء الأوروبية، الذين ينظرون الآن إلى النخر الخلوي كمحفز رئيسي لتلف الأنسجة والتراجع الوظيفي للجسم.
ويشرح الدكتور كيث سيو، أحد أعضاء الفريق: لا أحد يحب الحديث عن الموت، حتى الموت الخلوي، وربما هذا هو السبب في ضعف فهمنا لفسيولوجيا الموت. النخر الخلوي هو بحد ذاته موت. إذا مات عدد كاف من الخلايا، تموت الأنسجة، ومن ثم نموت نحن. السؤال هو: ماذا لو استطعنا إيقاف النخر مؤقتا أو عكسه؟”.
وتكمن خطورة النخر الخلوي في آليته المدمرة، حيث تتعرض الخلايا المصابة لتدفق هائل من أيونات الكالسيوم يعطل وظائفها الحيوية، لينتهي الأمر بتمزقها وانسكاب محتوياتها السامة على الخلايا المجاورة. وهذه العملية لا تقتصر على الخلية المصابة فحسب، بل تتحول إلى وباء خلوي ينتشر كالنار في الهشيم، ما يفسر سبب تفاقم أمراض مثل ألزهايمر والفشل الكلوي وأمراض القلب مع التقدم في العمر.
وتقول الدكتورة كارينا كيرن، المؤلفة الرئيسية للدراسة، إن “النخر الخلوي كان يختبئ أمام أعيننا طوال هذا الوقت. إنه ليس مجرد نهاية، بل آلية مركزية ينتشر من خلالها التلف النظامي في الجسم، ما يجعله نقطة تحول حاسمة في العديد من الأمراض”. وهذا الكشف العلمي يفتح الباب أمام إمكانيات علاجية غير مسبوقة، من علاج أمراض الشيخوخة إلى إصلاح التلف العصبي وحتى إطالة العمر.

ولعل أكثر هذه التطبيقات إثارة هو إمكانية استخدام هذه الاكتشافات في تمكين استكشاف الفضاء السحيق. ففي بيئة الفضاء القاسية، حيث يتعرض رواد الفضاء لإشعاع كوني قاتل وانعدام الجاذبية، تتسارع عمليات الشيخوخة بشكل مذهل.
وكشفت دراسة أجريت عام 2024 عن تدهور سريع في وظائف الكلى لدى رواد الفضاء، ما يثير مخاوف جدية حول إمكانية البقاء لفترات طويلة خارج الأرض.
ويختتم الفريق البحثي دراستهم المنشورة في مجلة “نيتشر أونكوجين” بتفاؤل حذر، حيث ترى الدكتورة كيرن أن “إمكانية التحكم في النخر الخلوي، حتى لو بشكل مؤقت، قد تمكننا من وقف هذه الدورات التدميرية عند مصدرها، ما يسمح باستئناف العمليات الفسيولوجية الطبيعية بل وربما يحفز تجديد الأنسجة التالفة”.
وهذا الأمل العلمي الجديد قد لا يغير فقط مستقبل الطب على الأرض، بل قد يفتح الباب لعصر جديد من استكشاف الفضاء البشري.