عاجل

الارصاد المصرية تكشف حقيقة وصول درجة الحرارة لـ 50 درجة
“حماس”: دعوة نائب أمريكي لقصف غزة نوويا تحريض على الإبادة وجريمة ضد الإنسانية
نابولي يفوز بلقب الدوري الإيطالي للمرة الرابعة
ليبيا.. المتظاهرون يمنحون المجلس الرئاسي 24 ساعة لتنفيذ مطالبهم
واشنطن تصدر ترخيصا عاما لتخفيف العقوبات المفروضة على سوريا
الدين الحقيقي والموروث الساكن
السعودية.. استقبال 820 ألف حاج بنهاية يوم الخميس
مظاهرات حاشدة في العاصمة الليبية طرابلس تطالب بإسقاط حكومة الوحدة الوطنية.
الجيش الإسرائيلي: نستعد لحرب واسعة ومتعددة الجبهات بناء على نتائج مفاوضات الملف النووي مع إيران
# أم كلثوم .. المرأة والموهبة الاستثنائية
تعرف على أنواع الملفوف وفوائد كل منها
مظاهرات مناهضة إلى الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع.
الحب جوهر الحياه وسر البقاء
السودان يرد على العقوبات الأمريكية: اتهامات واشنطن “فبركة ومزاعم بلا دليل”
بائع خردة يقتل زوجته في مشاجرة بينهما بأوسيم

# أم كلثوم .. المرأة والموهبة الاستثنائية

بقلم دكتورة / أماني فؤاد

كنت كلَّما استمعت للسيدة أم كلثوم، أو قرأت عنها؛ شعرت أنني أمام امرأة ‏استثنائية، موهبة فذة، قادرة على تطوير ذاتها في كل مرحلة، قامة شامخة ‏في الغناء، سواء في اختيار الكلمة واللحن، أو عظمة الأداء، شخصية ‏سحَرت الجميع، وهيمنت عليهم؛ فأخرجت أجمل ما لديهم.‏
فكرتُ كثيرًا كيف استحوذَت هذه السيدة على قلوب وعقول معظم الشعراء ‏والملحِّنين في أجيال متلاحقة، لمْ تأخذ أجمل ما لديهم فقط؛ لكنها ‏بشخصها، وقدراتها، وأسلوب تعامُلها؛ أوجدت الدافع لكل واحد على حِدَه؛ ‏ليبدع، وهيَّأت الطقس المحفِّز، الذي جعلهم يُخرِجون أجمل ما في قدراتهم ‏على العطاء.‏
يشكِّل الكاتب حسن عبد الموجود؛ القاص والصحفي كتابَه “أم كلثوم.. من ‏الميلاد إلى الأسطورة”، – الصادر عن دار ديوان، 2025 – من فصول ‏قصيرة تتصدرها أسطوانات معنوَنة، في قلْب كل واحدة صورة لكوكب ‏الشرق، يحكي – في كل أسطوانة – معزوفات حياة غنية بالتجارب الفنية، ‏انتقالات في مسيرتها، ومواقفَ، أو اسم أغنية صدَحت بها، وقصة ‏إبداعها. ‏
وتتوالى فصول السيرة الكلثومية، تروي محطاتٍ مهمةً من تاريخ إبداعات أم ‏كلثوم وحياتها، منذ طفولتها، واحترافها الإنشاد، إلى أن صارت شمس ‏العربية الأكثر إشراقًا، وتركِّز السيرة على وجودها كمطربة، صانعة ‏أغنيات، شكَّلت تاريخ مصر الغنائيَّ الكلاسيكي، ومن مجموع هذه ‏المواقف، التي تفضِي بعضها إلى بعض، في حراك إنساني طربي، تكتمل ‏ملامح صورة واسعة عن أم كلثوم.‏


ولشدة إعجاب الكاتب بصوت أم كلثوم؛ يجسده كأنه كائن منفصل عنها، ‏كائنٌ يتعين إجلاله وتزكيته بمفرده؛ ليَظهَر في الصورة الأبهى، والحدب ‏عليه طيلة الوقت، جوهر حياتها الأهم، ولأنها تيقنت من هذا؛ راحت تغذيه ‏وتثقِّفه ليكون أكثر تعبيرًا عن حياة الإنسان، وعواطفه الشخصية، والوطنية، ‏حيث سخَّرته أيضًا للمجهود الحربي، وجمْع التبرعات بعد نكسة 1967.‏
يقُص سارد عليمٌ حكاياتِ السيرة، ولا يتقيد بتسلسُل زمني؛ بل يتنقل في ‏الزمن؛ لتكتمل المَشاهد الأهم في علاقات المغنِّية والفنانين الذين تعاونت ‏معهم؛ شعراء وملحِّنين، وعازفي فرقتها الموسيقية، وأعلام المجتمع، وكيف ‏تعاملت أيضًا مع موهبتها، وحرصت على وضْعها في إهابها الأكثر ‏اكتمالًا. في كل فصْل يبرِز الكاتب زاوية رؤية لكوكب الشرق؛ ليستزيد ‏القراء من معرفتها. ‏
في كل هذه الحكايات التي يسردها الكاتب يمكننا استخلاص قدرة هذه ‏السيدة على تطوير ذاتها المستمر، في شخصها وثقافتها، وذائقتها، ‏ومظهرها وأناقتها، هذه المرأة التي طلبت الكمالَ في كل شيء، واستطاعت ‏أن تحققه، حتى في التقنيات والوسائط التي تخدم غناءَها، مثل قصتها مع ‏الميكروفون، أو اختيارها أن ترتدي من أفخم الماركات العالمية، وقصتها ‏مع كوكو شانيل، أو أن تأخذ الأعلى أجرًا، أكثر من “إيديث بياف”، ‏كاتفاقها مع مدير مسرح الأوليمبيا. ‏
في كل الحكايات يلحظ القارئ خِفة ظِل أم كلثوم، وسرعة بديهتها، التي ‏تدل على فطنة عالية، وتخلُّص من المواقف بطريقة ذكية، وانتقاء الردود. ‏كما يلحظ اعتداد أم كلثوم بذاتها، وغضبها السريع أحيانا حين تشعر إنها ‏ليست الأهم والوحيدة، واتخاذها لبعض المواقف الحدية، فحين أهداها ‏الشاعر أحمد رامي قصيدة في مناسبة تكريم، قال له عبد الوهاب إنها ‏قصيدته التي كتبها له من قبل؛ لذا غضبت أم كلثوم وقالت: “أنا متأسفة ‏إني عرفتك”، فغضب واستمرت القطيعة بينهما لشهور.‏
لم يقع الكاتب في حالة الانبهار بالشخصية المثالية؛ بل قدَّمها في ‏المستوى الإنساني، متداخل المفارقات، بما يتضمنه من جوانب قوة ‏وضَعْف، وتقلُّب أحوالها في المعاملات؛ وهو ما تسبَّب في عدم احتفاظها ‏بصديق لفترة طويلة. كانت تأخذها العِزة والكبرياء أحيانًا، ثم تعاوِد نقْد ‏الذات، وتعيد تقييم مواقفها مع شخصيات تعاملت معها في علاقات عملية ‏وإنسانية عميقة، مثلما حدَث مع أحمد رامي، محمد الموجي، الشيخ زكريا ‏أحمد، وغيرهم. يقول الراوي على لسان الموجي حين استدعته في القضاء: ‏‏”لكن الست – للأسف – لو أرادت شيئًا؛ فيجب أن يتحقق حالًا، وحالًا ‏يعني حالًا؛ وإلا اتهمتهم بالدلع والمنظَرة”‏
فمع أيِّ شعور يراودها بأن هناك من لا يثمِّن أنه يعمل معها، وضِمن ‏شروطها؛ كانت تستاء، وتبتعد، ثم يعاودها الحنين للعِشرة والتعاون ‏السابق، حيث أدركت أن نجاحها يتم وفق منظومة متكاملة من عطاءات ‏الشعراء والملحِّنين.‏


تدلل السيرة على قدرة أم كلثوم على المبادرة، والتحدي، وخلْق مكانة خاصة ‏لنفسها؛ حزنت حين رفَض الشيوخ رغبتها في تسجيل القرآن الكريم ‏بصوتها، لشعورها بشموخه لا عورته، يقول الراوي على لسانها: “لو تركوها ‏تتحدث؛ لقالت لهم إن الله يحبها، ويحب صوتها، ويحب حبها له”. امتلكت ‏أم كلثوم حدْس اختيار مَن يعمل معها، وتجلَّى ذكاؤها حتى في تقسيمها ‏لجمهورها من السميعة؛ تقول: “في الأول كنت باحِس بالرهبة وأنا واقفة ‏قدَّامهم. جسمي يرتعش، ولا يمكن أهدى إلا لمَّا أغنِّي واتسلطن، واقطع ‏مشوار في الأغنية، لكن الخوف منهم – لمَّا كبرت شوية – زال. بالعكس، ‏بقيت أنا اللي باحِس انِّي الأستاذة، وهُمَّ التلاميذ، وأحيانًا باتعمِّد أسكت أو ‏أطلع من طبقة لطبقة؛ علشان أشوف ردود فِعلهم”، حيث راق لأم كلثوم أن ‏يدور الجميع في فلَكها، الذي تخلِّقه وتتحكم فيه. ‏
ويبدو الكاتب في هذه السيرة كأنه يقف بحياء خلْف المفردات، يلتقط ما ‏وراء المَشاهد بحساسية مرهفة، كموسيقى منسابة، يصِف إعجاب فاطمة ‏والدة أم كلثوم لأذان الفجر بصوت زوجها، فيقول: “يخترق السحب، وينفذ ‏من أقطار السماوات حتى يمتزج بغبار الملائكة الأبيض”. وينثر الكاتب – ‏بالجُمل والفقرات – روحًا حلوة وذكية، خفيفة الظِّل، حساسية تشير لمعنًى ‏بعيدٍ مشاكس، لا يخضع، فيحاول تلمُّسه بالإشارات الشفيفة. يتحدث عن ‏اللقاء الأول لأحمد رامي بأم كلثوم يقول: “وسمع غناءها حتى مسَّت قلبه، ‏استولت على وجدانه. ظن أن الارتباط بفتاة ريفية مثلها سهل، لكنها بدأت ‏تقشِّر جِلدها، وتزيل عن جسدها بقايا الطين، وتغيِّر لكْنة “طماي الزهايرة” ‏وتطلِق العنان لصوتها، ناشرة تعويذاتها في كل مكان”.‏
ويتضمن الحكي بعض سمات البيئة الريفية في المرحلة الأولى من حياتها، ‏وبقاء ظلال ثقافته على رؤيتها للحياة، مهما انفتحت لها آفاق المدن، ‏وعواصم العالم.‏
تميل اللغة التي تأتي على لسان أم كلثوم أو المنولوجات التي تسري ‏بداخلها إلى طزاجة وفطرية اللهجة العامية الساخرة، يصِف الكاتب شعورَ ‏أم كلثوم للحضور، الذين سيستمعون لها في بيت أحمد شوقي يقول: “.. ‏وتبُظ ملامحهم بالألق والنعمة. وقد منحوها الإحساس بأنها صاحبة المكان ‏لا أحمد شوقي”، كما ينسج الكاتب لغة أم كلثوم قويةً، واضحةَ الرؤية، ‏محددة الأهداف، تقول في منولوج داخلي: “لا. أنا أريد أن أكون فتاة. شابة ‏حرة في اختيار شكْلها وملابسها وزينتها، دون وصاية من أحد، حتى لو ‏كانوا خاصةَ خاصتِها”. ينهي القارئ هذه السيرة وقد لمَس مقوماتٍ امرأة ‏واثقةَ الخطو، أهَّلت كوكبًا على فن الغناء العربي، ولم تزل. ‏

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp
Print
booked.net
موقع الرسالة العربية