كتبت / سلوى لطفي
تخيل معايا أن الراجل المسن مطاطيء الرأس واللي يكاد يكون لا يعي ولا يفهم ما يقال حوله هو الفنان الراحل عبدالفتاح القصري بس ايه اللي وصله للحالة ديه فديه حكايتنا النهاردة.
عبدالفتاح القصري نشأ في أسرة ثرية تتاجر بالذهب وتلقى تعليمه في مدارس الفرير الفرنسية وكان والده متوقع أنه يمسك تجارتهم بعد تخرجه ولكن الفن ضر ب عقله تماماً وجعل كل اهتمامه به وعشان كده بيقرر القصري أنه يتمرد علي العائلة وينضم الي مسارح الفرق الخاصة المختلفة ولكن اطول فرقة عمل بها كانت فرقة الريحاني واللي كانت بتضم وقتها عمالقة الفن امثال ماري منيب وعدلي كاسب وعادل خيري ونجوى سالم واسماء لا تعد ولا تحصى عملت بفرقة الريحاني.
موهبة القصري الطاغية وحضوره التلقائي فرضه علي السينما فقد مثل في عشرات الأعمال السينمائية واللي جسد فيها شخصية ابن البلد ببراعة شديدة رغم إنه أصلا من اولاد الذوات لكن تكوينه الجسماني وملامح وجهه اهلته أنه يلعب تلك الأدوار ناهيك أنه كان بيستخدم لغة الجسد عشان يعطي ايحاء للمشاهد أنه ابن بلد خصوصاً حركة يده المترنحة يمينا ويساراً أثناء السير فكانت معظم أدواره في القالب ده ولكن العجيب أنه رغم إنه محصور بنفس القالب إلا أن في كل مرة كان يقدم جديد ومتملش منه وده شيء يستحق الدراسة يعني شخصية المعلم حنفي شيخ الصيادين في ابن حميدو تختلف تماماً عن شخصيته في فيلم الاستاذة فاطمة فالاثنان ولاد بلد ولكن لكلا منهما مفرداته اللغوية المختلفة.. الأمور كانت تسير علي أفضل ما يرام علي الناحية المهنية لكن علي مستوى حياته الشخصية فكان هناك شيء يؤرق منام الاستاذ القصري وهو إنجاب طفل .
القصري تزوج ثلاث سيدات ولكنه بعد الزيجة الثالثة ادرك تماما أنه غير قادر علي الإنجاب واراد أن يكفل طفل في بيته ولكن زوجته رفضت وطلبت الطلاق فطلقها وكفل القصري صبي البقال المجاور له وكان بيعامله كإبن له علي مدار ١٥ سنة وتدور الأيام والقصري بيعمل في فرقة إسماعيل ياسين وأثناء ما كان علي المسرح بتظلم الدنيا أمامه مرة واحدة ليصرخ أنه اتصاب بالعمى وذلك وسط ضحكات الحضور واللي ظنوا أنه جزء من العرض ولكن إسماعيل ياسين أدرك بسرعة الحقيقة ونقل القصري للمستشفي وهناك تعرف علي ممرضة شابة حسناء عاملته بلطف واقنعته بحبها له وتزوجته ولكن سرعان ما انقلبت علي الشيخ المسن واجبرته علي كتابة كل ما يملك لها وطلقته وتزوجت من الفتي الذي كان يراعاه القصري ويعتبره ابنا له بل واجبرته بعد انتهاء شهور العدة علي التوقيع علي عقد الزواج من الصبي كشاهد ولم تكتفي بذلك فقامت بحبسه في بدروم منزله فلم يتحمل القصري ذلك وفقد عقله تماماً فلم يعلم من هو ولكن ظل يصرخ من شباك البدروم يستغيث بالمارة حتي رأه أحد الصحفيين وكتب قصته مرفقة بصورة له وهنا تحرك رفقائه القدامى السيدة ماري منيب والسيدة نجوى سالم ونقلوه للمستشفى وذهبت السيدة نجوى سالم وطلبت من محافظ القاهرة آنذاك صلاح الدسوقي أن يوفر له شقة يسكن بها وبالفعل بتتوفر الشقة له وبيتبرع الكاتب يوسف السباعي بخمسين جنية لشراء غرفة نوم له وتقود السيدة هند رستم حملة تبرعات بين الفنانين لنجدة القصري طب ثواني كده زوجته السابقة والصبي اللي تزوجته إيه اللي حصل معاهم.
زوجته السابقة لما علمت أن الرأي العام ثار ضدها فباعت البيت وممتلكات القصري وهربت مع الصبي واختفت تماماً عن الأنظار وعاش القصري المصاب بالعمى والخرف في أيامه الأخيرة مع أخته الوحيدة والتي تظهر معه بالصور برفقه نجوى سالم إلى أن توفاه الله في أحد المستشفيات.
قصة القصري قصة ميلودرامية لواحد طالما أسعدنا بخفة ظله ولا أعتقد اني شوفت مشهد واحد للقصري جد ولكن معظم أعماله كانت ضحك من أجل الضحك.
منقول ..