كتب د / حسن اللبان
موقع الدفاع العربي 10 مايو 2025: تشهد منطقة الشرق الأوسط تصاعداً في التهديدات الأمنية وسط مؤشرات دولية تنذر باحتمال اندلاع صراع عالمي واسع النطاق. في طليعة الدول المتأثرة بهذه التحولات تأتي مصر، التي تجد نفسها في مواجهة تحديات متزايدة، أبرزها التطور السريع في تكنولوجيا الصواريخ الباليستية الفرط صوتية التي باتت بحوزة بعض القوى الإقليمية. هذا التحول في توازنات القوى العسكرية يعكس واقعاً استراتيجياً جديداً يعيد رسم معادلات الردع والتفوق، ويثير قلقاً متنامياً لدى دول رئيسية في المنطقة مثل المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى أطراف دولية أخرى قد تتأثر من تداعيات أي صراع إقليمي واسع النطاق
وأظهرت النزاعات الأخيرة محدودية فاعلية أنظمة الدفاع الجوي التقليدية في التصدي لهذا النوع من الصواريخ، الأمر الذي يسلط الضوء على الحاجة الملحة لنظام دفاع جوي إقليمي متكامل قادر على مواجهة التهديدات الباليستية عالية السرعة. ويُلاحظ تزايد الاعتماد على الصواريخ في تشكيل المشهد الأمني الإقليمي، ما يفرض على الدول الراغبة في الحفاظ على سيادتها وتوازنها الاستراتيجي ضرورة امتلاك قدرات ردع متقدمة. في هذا السياق، تلعب المتغيرات الجيوسياسية دوراً محورياً في بلورة التهديدات، الأمر الذي يفسر اندفاع بعض الدول نحو تعزيز ترسانتها بأسلحة متطورة كوسيلة للتحصين وردع التصعيدات المحتملة.
الصين من جانبها تنتهج سياسة مدروسة لتوسيع نفوذها الدفاعي، وتسعى بخطى ثابتة لتصبح من أبرز مصدّري أنظمة الدفاع المضاد للصواريخ الباليستية الفرط صوتية. أحد أبرز هذه الأنظمة هو “HQ-19“، الذي يعكس قفزة نوعية في قدرات الصين الدفاعية، ويُعد استجابة مباشرة للتحديات الأمنية المتزايدة. تسعى بكين من خلال تصدير هذا النظام إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية: توسيع حصتها في سوق الأسلحة العالمي، وتعزيز علاقاتها العسكرية الاستراتيجية، وزيادة العوائد الاقتصادية ضمن رؤيتها الأوسع لتعزيز مكانتها كقوة عظمى في النظام الدولي
ونظام HQ-19 حجر زاوية في الاستراتيجية الدفاعية للدول الساعية لتحصين أجوائها من الهجمات الباليستية. وتشير الدراسات إلى أن امتلاك هذا النوع من الأنظمة المتقدمة يمكن أن يقلل الخسائر البشرية والمادية بشكل كبير من خلال توفير آلية إنذار مبكر ورصد فعال للتهديدات، إضافة إلى تحسين جاهزية القوات المسلحة في التعامل مع الهجمات في مراحلها الأولى. كما تعزز هذه المنظومات من قدرات الردع لدى الدول، مما يجعل أي اعتداء محتمل مغامرة غير محسوبة الكلفة لدى الخصوم.
في ضوء هذا المشهد، يبدو واضحاً أن الاستثمار في أنظمة الدفاع الصاروخي لم يعد خياراً، بل ضرورة استراتيجية لمواجهة التحديات المتصاعدة، خاصة في ظل واقع جيوسياسي متقلب. وفيما تتجه الصين لتوسيع حضورها في الشرق الأوسط، فإنها تعرض نظام HQ-19 كخيار مغرٍ للدول الباحثة عن منظومات فعالة ذات شروط توريد مرنة. وتتميز الصين بمقاربتها غير المقيدة في صفقات السلاح، حيث لا تفرض قيوداً صارمة على الاستخدام، كما تعرض في الغالب حوافز مثل نقل التكنولوجيا، وهو ما لا توفره صفقات الأسلحة
بالنسبة لمصر، فإن التوجه نحو التعاون مع الصين في المجال الدفاعي قد يمثل مكسباً استراتيجياً، سواء من خلال تنويع مصادر التسلح أو تعزيز أوراق الضغط في علاقاتها مع القوى الغربية. وتمثل منظومة “HQ-19” إضافة نوعية محتملة للقدرات الدفاعية المصرية، خاصة وأنها توفر إمكانية اعتراض الصواريخ الباليستية على مدى يصل إلى 3000 كيلومتر وارتفاع يتجاوز 200 كيلومتر، مع القدرة على التعامل مع الأهداف بسرعات تفوق 7.6 ماخ، وذلك باستخدام تقنية “الضرب للقتل” التي تعتمد على الطاقة الحركية لتدمير الهدف بشكل مباشر
تتضمن المنظومة رادار “Type E610” المتطور، القادر على التعامل مع بيئات التشويش والتخفي، وتصنيف وتتبع أكثر من 100 هدف في آن واحد. ويعد هذا الرادار أحد أعمدة الإنذار المبكر طويلة المدى في الترسانة الصينية، بفضل قدراته التقنية المتقدمة في كشف الأهداف الجوية والصاروخية على نطاقات بعيدة، بما في ذلك الطائرات الشبحية والصواريخ الفضائية.
من حيث الخصائص التشغيلية، يعتمد الصاروخ على محرك بوقود صلب ثنائي النبض يسمح بمناورة عالية وتحكم دقيق أثناء الطيران، ويتميز بهيكل خفيف من البلاستيك الكربوني ونظام توجيه يعتمد على الأشعة تحت الحمراء. كما تستخدم المنظومة نمط إطلاق شبه عمودي بزاوية مائلة تسمح بإخلاء سريع وتقليل الضغط على منصة الإطلاق أثناء العمليات، إضافة إلى اعتمادها على مركبات إطلاق عالية الحركة، مما يمنحها مرونة تشغيلية ميدانية كبيرة
ومنظومة HQ-19 من عدد من المركبات، تشمل قاذفات، ورادارات، ومراكز قيادة وتحكم، ومركبات دعم، وتعمل ضمن منظومة متكاملة قادرة على تغطية مناطق شاسعة وتوفير حماية فعالة ضد التهديدات الجوية المعقدة. ويعود تاريخ تطوير هذا النظام إلى أواخر التسعينيات ضمن برنامج “863” الصيني، وقد خضع لعدة اختبارات ناجحة حتى عام 2021. وتم عرضه مؤخراً في معرض الصين الدولي للطيران والفضاء 2024 كإشارة إلى جاهزيته للتصدير، مع اهتمام خاص من قبل الصين بتعزيز حضورها في الأسواق الناشئة وعلى رأسها السوق المصري.
إن اقتناء مصر لهذه المنظومة، على غرار ما فعلته مع منظومة HQ-9B الصينية كذلك (بمدى 300 كيلومتر)، قد يضعها في موقع متقدم بين الدول الساعية لتعزيز قدراتها الدفاعية الجوية في مواجهة التهديدات الإقليمية المتسارعة. كما أن امتلاك مثل هذه التكنولوجيا لا يقتصر على جانبها العملي فحسب، بل يحمل أيضاً رسائل استراتيجية تعكس مكانة الدولة المشغلة وإرادتها في الدفاع عن مصالحها وسيادتها في بيئة أمنية تتسم بعدم الاستقرار والتنافس الحاد على أدوات الردع والتفوق.