كتب / رضا اللبان
لم يكن بناء الأهرامات في مصر القديمة عملاً عشوائياً بلا مغزى، أو مجرد رغبة في تشييد مقابر حجرية ضخمة لمجد الملوك، بل كان مشروعاً إنسانياً وروحياً وفلسفياً متكامل الأركان، عبّر فيه المصري القديم عن فكره الديني وإيمانه العميق بالحياة والخلود في العالم الآخر بعد موته، فكان الهدف متعدياً للبُعد المعماري، ويمسّ عمق العقيدة الدينية وفكرها الفلسفي المعقّد والمترابط عند المصريين القدماء.
لعبت فكرة الحياة الأبدية بعد الموت دوراً بارزاً في الفكر المصري القديم، وأصبحت مركز العديد من الأنشطة الدنيوية في ذلك الوقت، فمثّلت تلك الصروح المعمارية الهرمية معابد روحية للبعث والاتحاد بالآلهة، وجسّدت في شكلها الهندسي تأملاً فلسفياً لنظام كوني، تأسس على التوازن والتناغم بين الأرض والسماء، والمادة والروح. ولذا، حرص المصري قديماً على حشد كل ما يضمن له تمتعه بحياة أبدية وهو لا يزال على الأرض، ووجد في فكرة تشييده مقبرة هرمية حصينة للملك، تعلو حجرة دفن في باطن الأرض، بداخلها تابوت حجري تُحفظ فيه “مومياء” الملك بعناية فائقة، الضمان الأبدي لاستمرار رحلته في العالم الآخر.
شغلت الأهرامات، ولماذا بناها المصريون، تفكير كثيرين على مدى قرون عديدة، وهو ما دفعهم إلى الخروج عن إطار المنطق في كثير من الأحيان، فأحاطوا الأهرامات المصرية، لاسيما هرم “خوفو” بوصفه أكبر الأهرامات على أرض مصر، بفيض من القصص والأساطير المثيرة عن طريقة البناء ودورها الوظيفي، إلى حد تشكيك البعض في هوية من بنوه وإلى غير ذلك من القصص التي لا تستند إلى أسس تاريخية أو علمية.
ونسعى هنا إلى الإجابة عن بعض التساؤلات، من بينها: لماذا لجأ المصريون إلى الشكل الهرمي لحفظ أجساد الملوك؟ وما هي الدلالة الدينية والفلسفية لبناء هذه الكتل الحجرية الضخمة التي تجاوزت حدود هندستها المعمارية؟ وهل استُخدمت الأهرامات كمقابر فقط، أم كان لها وظائف جنائزية أخرى أوسع نطاقاً؟ وهل ساهم في بنائها أجناس أخرى غير المصريين؟ وأخيراً، هل بُنيت من خلال “تسخير العمال وتعذيبهم” كما روّج البعض؟
صدر الصورة،Getty Images
يُطرح دوماً السؤال: لماذا أراد ملوك مصر القديمة تشييد مقابرهم على شكل هرم؟ وتكمن الإجابة في أنهم رأوا في هذا الشكل المعماري تحديداً أصدق تعبير عن إيمانهم بعقيدة الشمس، التي كانت جوهر العقيدة الدينية في مصر القديمة، ورأوا في الشكل عموماً، وفي القمة الهرمية خصوصاً (التي كانت تسمى في اللغة المصرية القديمة : “بن بن”) تجسيداً لأشعة الشمس الهابطة نحو الأرض، فأرادوا دفن ملوكهم في مقابر تتخذ شكل أشعة الشمس التي كانوا يأملون في الصعود إليها عندما يحين موعد البعث من جديد، بحسب الديانة المصرية القديمة.