كتب د / حسن اللبان
نشرت وزارة الدفاع الروسية وثائق سرية عن أحداث شهدتها ألمانيا النازية مع دحر الجيش الأحمر جحافلها وحلفائها في أوروبا، واقترابه من اجتياح برلين معقل النازيين الأخير.

وقد نشرت الوثائق على موقع History.rf، وتلقي الضوء على الأحداث التي وقعت ربيع عام 1945 في ألمانيا أثناء حملة تحرير الجيش الأحمر في أوروبا. وبرغم خسارة جزء كبير من الأراضي ومصادر النفط الأخيرة في النمسا وغرب هنغاريا، وسقوط الأنظمة الفاشية في الدول التابعة، فإن القيادة النازية لم تكن لديها أي نية للاستسلام، وبدأت في إعداد برلين للدفاع.
وكانت القوات من جبهتي بيلاروسيا الأولى وأوكرانيا الأولى متواجدة على خط نهري أودر ونايسه، في أواخر شتاء عام 1945 وأوائل الربيع من ذلك العام، ولم يتبق سوى بضع عشرات من الكيلومترات للوصول إلى برلين. من الغرب، وقد تعرضت مجموعات الفيرماخت لضغوط من الحلفاء الأمريكيين والبريطانيين والكنديين والفرنسيين، الذين وصلوا، بعد القضاء على مجموعة الرور المعادية إلى نهر إلبه. وخسرت ألمانيا مناطقها الصناعية الرئيسية في سيليزيا والرور، نقلا عن ميخائيل مياخكوف المدير العلمي للجمعية التاريخية العسكرية الروسية.
ويتابع مياخكوف: “شملت عملية هجوم برلين، التي نفذت من 16 أبريل إلى 8 مايو 1945 خمس مواجهات على الجبهة: شتيتين، وسيلو-برلين، وكوتبوس-بوتسدام، وشبرمبرغ-تورغاو، براندنبورغ-راثين، إضافة إلى اقتحام برلين نفسها. وقد أعقب سقوط العاصمة استسلام كامل وغير مشروط للرايخ الثالث”.
وتتضمن الوثائق التي نشرها الأرشيف المركزي لوزارة الدفاع الروسية والجمعية التاريخية العسكرية الروسية تقارير قتالية ومواد لمنح أوسمة ورسائل وبرقيات مشفرة وتوجيهات وأوامر وخرائط. إضافة إلى ذلك، تتضمن المجموعة أمرا مكتوبا بخط اليد من زعيم الرايخ الثالث، أدولف هتلر، بشأن التدابير الرامية إلى تدمير ألمانيا بتاريخ 31 مارس 1945 باللغة الألمانية.
وتشير الجمعية التاريخية العسكرية الروسية إلى أن “المواد الرقمية تسلط الضوء على الصعوبات التي واجهتها القوات السوفيتية على خط الدفاع الأخير للرايخ الثالث”.
وخلال المعارك التي دارت حول برلين على الطرق المؤدية إليها، استخدم النازيون كل احتياطياتهم وحوّلوا كل منزل إلى نقطة دفاعية. وهكذا، ورد، في تقرير المعركة الصادر عن مقر جيش الصدمة الخامس بتاريخ 30 أبريل 1945: “قاوم العدو بعناد، مع فلول الوحدات المهزومة من الفرقة الميكانيكية الثامنة عشرة، ومجموعة (بارتس) القتالية، وكتيبة الإدارة والاقتصاد التابعة لقوات الأمن الخاصة SS، وكتيبة مدرسة المترجمين العسكريين، وكتيبة المدرسة التقنية العسكرية، وكتيبة الشرطة الأولى التابعة لقوات الأمن الخاصة، وكتيبة الأمن 345، ومجموعة الشرطة (أوست)، وكتيبة صيانة المطارات، وتسع كتائب فولكس شتورم.. والفرقتان المضادتان للطائرات الحادية عشرة والرابعة والعشرين.. بالاعتماد على التحصينات والمنازل المجهزة للدفاع، صمدوا جميعا أمام تقدم قواتنا. وأطلقت مدفعية العدو نيرانها وقصفت تشكيلات قواتنا القتالية بشكل منهجي في شكل غارات قصيرة”.
وقامت القيادة السوفيتية بمجهودات هائلة لإعداد القوات للهجوم القادم: “من أجل ضمان أقصى قدر من الدقة في إطلاق النار، تم تنظيم ميادين الرماية في جميع الجيوش، ورصد المدافع وقذائف الهاون من جميع العيارات، بما في ذلك عيار 152 ملم، خلال النهار، تليها المراقبة في الليل لتحديد التعديلات على ظروف إطلاق النار الليلية”. ولإجراء عمليات قتالية تحت جنح الليل، استخدمت أجهزة إضاءة: “وفي جبهة اختراق جيوش اتجاه الهجوم، نصب 143 كاشفا ضوئيا في محيط خط المواجهة مباشرة، على مسافة 150-200 متر. ومع بدء هجوم المشاة، أضاءت 114 مليار شمعة مسار المشاة المتقدمين والمدفعية المرافقة لهم”.
ولم تقتصر المشاركة على القوات البرية والجوية فحسب، بل شاركت أيضا سفن الأسطول النهري في العمليات القتالية: “في الساعة 11:30، أطلقت سفن لواء الدانوب الثاني النار لقمع نقاط في منطقة غرب نيو توهباند، ونتيجة لذلك، تم قمع نقاط العدو التي كانت تعيق تقدم قواتنا. وخلال العملية، مع استمرار تقدم الوحدات النشطة، أطلقت سفن اللواء النار بناء على طلب قادة الوحدات المتقدمة”.
وتتضمن الوثائق أيضا ترجمة لرسالة اللواء فيلهلم مونكه، رئيس دفاع مستشارية الرايخ ومخبأ هتلر، حول انتحار الفوهرر في 18 مايو 1945، وفي الرسالة من بين أمور أخرى، اقتبس مونكه كلمات هتلر التي قالها قبل انتحاره بفترة وجيزة. وكان السياسي السيادي الوحيد، في رأيه، هو رئيس الدولة السوفيتية: جوزيف ستالين، لأنه “مستقل شخصيا ومكتفي ذاتيا، ويسعى لتحقيق أهدافه السياسية والعسكرية بثبات واضح. أما تشرشل وروزفلت، فهما يعتمدان على برلمانيهما. وسياساتهما غير مؤكدة وكاذبة”.