بقلم د / حامد عبد الله حامد
لا عزاء للغربان !
حين أعلن المخرج (محمد سامي) التوقف عن الإخراج التلفزيوني
تصور الكثيرون أنه (إعتزل) أو (إعتزلوه) بالأمر نتيجة لهجوم كثير من مدعي الفضيلة و السينما النظيفة أو حتي بعض الجهات الدينية التي تغولت علينا في الفترة الأخيرة بسبب زيادة بعض مشاهد العنف أو الزعيق أو المخدرات أو الراقصات في عملين له ذلك العام .
طبعاً قد يكون ذلك صحيحاً بعض الشئ و لكن الرد علي ذلك يتمثل في عدة نقاط مهمة :
أولاً إن ذلك المخرج الشاب قد أنجز في وقت محدود عملين (إش إش ) و (سيدالناس) يقتربان من ستين ساعة !
و هو إنجاز شاق جداً لو تعلمون !
لا يقدر عليه المخرجون !
و بمناسبة المخرجين فيكفي ذلك (المخرج الشاب) أنه أعاد إكتشاف
(الفنان المخضرم) (ماجد المصري) في شخصية (رجب الجريتلي) و كأننا نشهده لأول مرة ! لقد عشنا لحظات الرفض لتلك الشخصية كبلطجي سابق و تاجر مخدرات كما عشنا معه لحظات ضعفه الإنساني و فروسيته النبيلة تجاه (إش إش ) و أبوته تجاه (إبن زوجته) حتي سالت منا العبرات أمام كل تلك التناقضات !
و هذا هو الفن الحقيقي و الشخصيات الحقيقية من لحم و دم و ليست شخصيات المعلبات !
لقد صعد الفنان (ماجد المصري) في ذلك الدور إلي قمة فنية لا تباري وأثبت أنه فنان من طراز نادر جبار إذا وجد النص و المخرج المناسبين و هما ماتوفرا في المخرج (محمد سامي) !
فلا يجب أن نطلب منه الكمال في جميع الحلقات أو أن تأتي كل الحلقات علي (مسطرة) الفضيلة الكاذبة المزعومة للغربان !
ثانياً حتي لو زادت جرعة الرقص أو المخدرات أو العنف فأبسط قواعد الدراما في العالم كله التي نسيناها في (مصر) للأسف أنه يوجد (تصنيف عمري) للفئات التي يمكن أن تشاهد تلك الأعمال بحيث لا يكون لها تأثير سلبي علي الأطفال و المراهقين أما الكبار فالمنطق يقول أن المفروض أن تكون العقول كبار مثل الأعمار !
هناك أيضاً ياكبار العقول إختراع إسمه (الريموت) يمكنكم إستخدامه لمنع كل مالا يروق لكم بدلاً من
مشاهدته تلصصاً ليلاً !
و لعنه تجاهراً نهاراً !
مش كده و لا إيه !؟
ثالثاً الفن عموماً و الدراما فرع منه لا يمكن أن يكون (معقماً) و إلا فقد قيمته و مصداقيته تماماً مثل أعمال من عينة
(فجر الإسلام) أو(الرسالة) أو (الإختيار) التي يكون أبطالها ملائكة تمشي علي الأرض و أشرارها سود الوجوه منتفخي البطون و الحواجب و الشوارب !
فكرة الدراما تقوم علي (الصراع) الذي يجب أن يكون منطقياً تصاعدياً و علي (إنسانية) الأبطال (الرمادية) و ليست (الأبيض أو الأسود ) و التي بها الخير و الشر معاً و ليست (الشيطنة) التي تقسمهم إلي (فسطاطين) :
الأبرار و الأشرار !
و الآن إلي (المفاجأة) و دعوني أنا
(العبد لله )أزف إليكم مايلي :
ياغربان الفضيلة الكاذبة !
و أبواق الدراما المعقمة !
و لجان (أيتام البنا) البائسة !
أبشركم أن المخرج (محمد سامي) سوف يشرف (مصر) كلها إذ أنه يستعد للسفر إلي (أمريكا) لمزيد من الدراسة و صقل موهبته و الإشتراك في الإخراج السينمائي !
و أنه لم يعتزل بسبب نعيقكم و صيحاتكم النكراء !
خالص التهاني له و الأمنيات و الدعاء !
و للفن المصري المزيد من التقدم و الثراء !
و للبوم و الغربان خالص العزاء !