عاجل

صينية سمك بـ 18 ألف جنيه في إحدى مطاعم مصر تثير الجدل
# “فيه حاجات لازم تسيبها عشان ترتاح..”
وفاة المطربة المغربية الشهيرة نعيمة سميح
#أنا_المرأة ….. شعر
تل أبيب تبدي موافقتها على المبادرة الأمريكية وترسل وفدها إلى الدوحة
وفد حماس يعقد لقاء مع رئيس المخابرات المصرية
تركيا تطالب بإجراءات حاسمة ضد تصرفات إسرائيل التوسعية في سوريا
اقتربت النهاية.. تحرك أضخم جبل جليدي في العالم يهدد بكارثة كبرى
حماس ترى “مؤشرات إيجابية” لبدء محادثات المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار في غزة
تأجيل لقاء الزمالك ضد سموحة في كأس مصر
الأمم المتحدة: مليون نازح سوري سيعودون لمنازلهم هذا العام
تفاصيل خطيرة عن إحباط مصر لمخطط الحرب الأهلية.. خبير يدلي بتصريحات لـ”الرسالةالعربية”
في يوم المرأة العالمي.. أرقام وإحصائيات عن مآسي النساء في قطاع غزة
من “إحسان” إلى المحتاجين.. 70 مليون ريال هدية القيادة السعودية في رمضان
#شوبير والحضري.. عدوك ابن كارك !

# ظاهرة “موائد الرحمن”

بقلم دكتور / عمار علي حسن

تعد ظاهرة “موائد الرحمن” مؤشرًا مهمًا لقياس جانب معتبر من أوضاعنا الاجتماعية،.ومن ينظر إليها الآن يرى كيف أنها جذبت عددًا من الذين كنا نعتبرهم في السابق من مساتير الناس. بعضهم من فئة الموظفين أو حتى من كانوا ينتمون سابقا إلى الطبقة الوسطى، وباتوا من رواد هذه الموائد.
ترى على الموائد رجالًا مهندمين يجلسون في انتظار الإفطار، وبعضهم يقرأ القرآن أو في صحيفة أو كتاب، ليروض الوقت العصيب عليه إلى الإفطار. كذلك نسوة وفتيات يبدو مظهرن أنهن ينتمين إلى من كانوا في السابق يمرون بهذه الموائد دون أن يلتفتوا إليها حتى لا يتسببوا في خجل الجالسين.
ليس جديدًا أن تجلس إلى مائدة من هذا القبيل أسر كاملة، يكون عائلها موظفًا بسيطًا. وقد عشت تجربة دالة على هذا في عام 1992. كنت يومها لا أزال أعزب، وتأخرت في مكان عملي، وأذن المغرب وأنا في الأتوبيس، فتوقف سائقه عند “مائدة رحمن” بشارع محي الدين أبو العز بحي المهندسين، وأبلغ الركاب بأنه سيتناول إفطاره هنا، وعلى من يرغب أن يتبعه.
تركت مقعدي ولحقت بمائدة، معدة لستة أفراد، لأجد عليها أصنافًا جيدة من الطعام. وأثناء تناول طعامي انتبهت إلى أن الجالسين معي هم رب أسرة وزوجته وثلاثة من أولاده. وتصرف الرجل وكأنه في بيته، وأنا ضيفه، إذ طلب من زوجته أن توزع قطع اللحم علينا، وكذلك صينية صغيرة من البسبوسة. ودون أن أسأله وجدته يخبرني، بعد أن دار حديث ودي بيننا، بأنه موظف يسكن حي إمبابة وأنه يأتي إلى المائدة يوميًا، لأنها تتيح له طعامًا ليس بمقدوره أن يشتريه يوميًا في بيته. ومنه عرفت أنها مائدة الفنانة فيفي عبده.
لكن وجود أمثال هذا الموظف على “موائد الرحمن” راح يزداد بمرور الوقت، حتى صار في سنة 2024، التي شهدت ارتفاعًا غير مسبوق للأسعار، يقتحم العين اقتحامًا، ولا تبذل جهدًا حتى تدرك أن بعض الجالسين على هذه الموائد هم أسرة كاملة، من ضحايا السياسات الاقتصادية، التي أدت إلى ارتفاع معدلات التضخم، وعجز الرواتب والأجور والدخول، لطبقة عريضة من المصريين، عن ملاحقتها، ومن بينهم موظفون كان رواتبهم تكفي احتياجاتهم بالكاد قبل سنوات، ثم صارت عاجزة عن هذا الآن.


حكى لي رئيس جمعية خيرية في مصر أن موظفًا متقاعدًا، ترقى في السلم الوظيفي بإحدى الوزارات إلى درجة “مدير عام”، قد اتصل به قبل أيام يبلغه أنه قد أنفق معاشه على شراء أدوية أمراض مزمنة يعاني منها، وأن بيته صار خاليًا حتى من الخبز. وحكت لي قائمة على جمعية خيرية أخرى أنها حملت “شنط رمضان” إلى بيوت موظفين، ومنهم صحفيون لهم أعمدة بالصحف، وكانت مترددة خوفًا من أن تُحرجهم ويردوها، فأخذوا منها، في امتنان، ما مدته إليهم.
وحكى لي صاحب محل لبيع قطع غيار السيارات كائن تحت برج سكني، أن بعض ساكنيه، وهم موظفون كبار، يرسلون أبناءهم أحيانًا لاستلاف مبلغ مائتي جنيه إلى حين ميسرة، وفهمت منه أنهم كانوا من قبل في كفاية، لكن أناخ عليهم الدهر.
وأبلغني كثيرون حين حدثتهم عما رأيت وقدرت أنهم لاحظوا تضاؤل، بل اختفاء، ظاهرة كانت شوارع مصرية كثيرة تعرفها وقت آذان المغرب، حيث كان يقف بعض الشباب ليوزعوا علب طعام على المارة، وخصوصًا سائقي سيارات الأجرة، أو علب وأكواب عصير، أو بعض البلح والفواكه.
وتراجع عدد الأسر التي كانت تهبط قبيل المغرب إلى المطاعم متزاحمة على موائدها في الإفطار والسحور. وإذا كانت هناك أسر لا تزال محافظة على هذا التقليد فإن عدد مرات ممارستها له قد تراجعت، في ظل الموازنة بين نفقة إفطار هؤلاء في بيوتهم وأخرى في المطعم.
وعرفت من عمال في مطاعم كبرى، ممن يعملون على تقديم الخدمة للزبائن حتى آذان المغرب، أن أصحابها قد قللوا كمية الطعام التي تقدم إلي عمالتهم، وبعضهم بات يخصم جزءًا من تكلفة الطعام من أجورهم. وهناك من قام بتدوير العمالة في راحات لم يطلبها العمال أنفسهم، لتراجع حجم المبيعات، حتى في شهر رمضان.
على التوازي، لاحظت أن موائد المقتدرين والمستورين ممن اعتادوا عزومة أصدقاء أو أقرباء على الإفطار قد صارت متقشفة جدا، قياسًا إلى ما كانت عليه الحال في سنوات سابقة. وشيء طيب أن يقتصد الناس في الطعام والشراب عن اقتناع بالاعتدال ومقت التخمة، وليس عن ضيق ذات يد أو فاقة أو نزولا على الارتفاع الكبير في الأسعار.
وصارت بعض المؤسسات والهيئات تفضل دعوة بعض المنتسبين إليها، والمتعشمين فيها، إلى السحور بدلًا من الإفطار، لأن الأول أقل تكلفة بالطبع من الثاني. وفي السحور نفسه صارت الأطعمة التي تقدم أقل حجمًا وجودة من تلك التي كانت توضع أمام الآكلين قبل سنين.
على التوازي، لاحظت أن موائد المقتدرين والمستورين ممن اعتادوا عزومة أصدقاء أو أقرباء على الإفطار قد ازدادت تقشفا قياسا إلى ما كانت عليه الحال في سنوات سابقة. وشيء طيب أن يقتصد الناس في الطعام والشراب عن اقتناع بالاعتدال ومقت التخمة، وليس عن ضيق ذات يد أو فاقة أو نزولًا على الارتفاع الكبير في الأسعار.
في المقابل سنرى، على وسائل التواصل الاجتماعي، صور موائد تضج بالترف والبذخ والإفراط والاستعراض الممجوج، كالعادة كل رمضان، وهي لبعض الذين انتفخت جيوبهم في السنوات الأخيرة، من بين المنتفعين بإفراط من سياسات السلطة الحالية، ولذا يدافعون عنها دفاعا مستميتًا، ويمرون كل من يخلتف معها بأنه غير وطني.
يُستثني من هذا كله بعض الذين يؤثرون على أنفسهم، ويجورون عليها في قادم الأيام، في سبيل أن يحافظوا على ما اعتاد عليه الناس منهم في عزومات الإفطار أو السحور، وهؤلاء هم الكرماء ذوي الهمة، الذين طلب منّا الرسول صلى الله عليه وسلم ألا نثقل عليهم. كان المصريون في سترة، حيث طبقة وسطى لا بأس بعدد المندرجين في شرائحها الثلاث، وفقراء يجدون أبوابًا لتيسير وتسيير أمور الحياة، في ظل تعاون وتكافل هو سمة اجتماعية راسخة في بلادنا، لكن السياسات الاقتصادية للسلطة الراهنة تؤدي إلى إفقار منظم للجميع، إلا قلة ضيقة جدًا منتفعة ومنتفخة، وللأسف صارت عمياء، لا ترى الأغلبية الكاسحة من الشعب. هذا، وبمناسبة شهر رمضان، يعد أشبه باستطلاع اجتماعي أولي، أو استكشاف مبدئي، يحتاج إلى توسع في الحالات والعينات، وطرح استبيان أو إجراء مقابلات للخروج بنظرة أكثر دقة من الناحية العلمية، وهذه مسؤولية “المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية” الآن، وهو مؤسسة علمية حكومية معتبرة، لاسيما في ظل التضييق الأمني على أي باحث مستقل يتواصل مباشرة مع الجمهور ليستطلع رأيه، أو يقف على حاله، ويعرف بعض مآله.

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp
Print
booked.net
موقع الرسالة العربية