بقلم / يامنه بن راضى
لاترفع الحياة كل البشر إلى عرش المجد، بل ترفع العظماء والأبطال لا غير والشاعر يقول: لايمتطي المجد من لم يركب الخطر، وحكاية كفاح الثوار الجزائريين مع الجلاد الفرنسي طافحة بالخطر والكفاح والعذاب والبطولة والشهادة والمجد، الذي لا تزال أنواره الساطعة تتلألأ إلى يومنا هذا، فعودة جماجم شهداء المقاومة الشعبية بعد 170 عاما إلى حضن الأم الرؤوم إلى الوطن التي اهتز لها وجدان كل الجزائريين لاريب أشعلت نجما آخر من نجوم مجدهم الذي لن ينطفئ أبدا مهما طال الزمن ومهما نعقت غربان فرنسا …
كانت لحظات استثنائية بل وتاريخية تلك التي اقتطعت من الزمن الجزائري القاسي يوم الثالث من يوليو (جويلية ) من عامنا هذا، عندما وصلت 24 جمجمة من أصل 36 جمجمة غالية لمقاومين جزائريين في القرن 19 إلى أرض وطنهم بعد أكثر من قرن، منها جماجم لقادة ورموز الثورات الشعبية التي اقضت مضاجع الاحتلال الفرنسي آنذاك كجمجمة كل من البطل الشريف بوبغلة والشيخ بوزيان وموسى الدرقاوي وآخرون، تحمل معها قصص المقاومة الممزوجة بالإباء والعزة التي دكت كبرياء فرنسا المغتصبة دكا أنى لها أن تستبيح الديار ولقنتها درسا في الذوذ عن الأرض والشرف .
ولأن القصص العظيمة في التاريخ تقوم على تفصيلة درامية واحدة فقط كما يقال، هي أن البطل لم يستسلم أبدا، فعلى هذه الدرب البطولية المشرفة سار رفقاء الشريف بوبغلة، إذ انبروا للمواجهة إلى أن استشهدوا فنسجوا اسطورتهم التي لم تتحمل فرنسا المجرمة وهجها الملهم لباقي الجزائريين فقطعت أوصال جثثهم الطاهرة وجزت رقابهم على طريقة الدواعش اليوم وتفننت في تعذيبهم وتشويههم، والأدهى من ذلك عرضت جماجمهم في في متحف الإنسان بباريس، متحف عارها وتاريخها المخجل المثخن بالاستعباد والعنصرية في أفريقيا. لتضرب بذلك قداسة النفس البشرية عرض الحائط وتبرز على رؤوس الأشهاد بشاعتها وداعشيتها.وعلى الرغم من أنها كانت تحجب نفسها دائما بستائر العظمة والحضارة مرتدية أقنعة الجمال والرقي، بيدا أن القدر الإلهي أبى إلا ان يخرج أحشاء تاريخها القذر في الجزائر بعد أن عقد العزم الكثير من الباحثين والمؤرخين والحقوقيين الجزائريين العزم على إعادة جماجم أبطال بلادهم الى الوطن ليرتلوا اناشيد خلودهم بين أهلهم وأحفادهم، ومن هؤلاء الأحرار عالم الأنتربولوجيا علي فريد بلقاضي وزميله الباحث ابراهيم السنوسي اللذان كان لهما الدور المهم في تحقيق هذه النتيجة التي طال انتظارها وقطف الثمار الأولى من حقل نضالهم الحضاري في انتظار قطف المزيد كعودة كل الجماجم المتبقية والأرشيف وخرائط الألغام القاتلة بصحراءنا الجميلة وطبعا الإعتذار عن الحقبة الاستدمارية والتعويض .
لاجرم إذن أن رؤية هذه الجماجم المقدسة لشهدائنا الأبرار تتعفر بذرات تراب الوطن بعد دفنها، أيقظت شجون قلوب ملايين الجزائريين وأثلجت صدورهم وصدور الأشقاء في كامل الأقطار العربية.وفي ذات الوقت فتحت جروح الذاكرة مع فرنسا التي على ما يبدو لا ولن يسكنها الحس بالذنب والخطيئة بل على العكس تماما لا تتوقف عن تمجيد همجيتها وتتدفق حقدا يوما بعد آخر على الجزائر وتاريخها المشرف، فأحزابها المتطرفة لا تنفك تصرخ بأبواق العنصرية المقيتة كابنة المجرم لوبان ماري لوبان وحزبها الحاقد، والأمر سيان بالنسبة للإعلام الفرنسي والصحافة الفرنسية حيث لم يستوعبا بعد أن الجزائر اليوم شامخة تنعم بالحرية والكرامة فيحيكان مؤامرات سخيفة للنيل من الشهداء وتشويه تاريخهم النبيل ..ولكن هيهات هيهات فلن تفلحي في ذلك يا فرنسا ولتموتي بغيظك وليستمر هذيانك فابناء الشعب الجزائري هم أحفاد شهداء العزة ولن يخونوا العهد الى أن يرث الله الأرض ومن عليها .