عاجل

البيت الأبيض: بايدن سيستقبل ترامب قبل حفل التنصيب وسيحضر الحدث
مظاهرات حاشدة في طرابلس عقب تصريحات للوزيرة المنقوش حول لقائها بكوهين
مصر.. القبض على “عصابة البترول” في القاهرة
العمر لا يقاس بالساعات
السيسي يشارك الاقباط احتفالات عيد الميلاد للعام 11 على التوالي 
مصر.. العثور على مقبرة أثرية لأشهر أطباء الفراعنة القدماء (صور)
مصر.. الاحتياطي النقدي يسجل رقما قياسيا بنهاية 2024
نتنياهو: محور إيران لا يزال قائما وهناك قوى إضافية تدخل للساحة
رسميا.. الكونغرس يصادق على فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية
خبير فلكي سعودي يكشف موعد غرة شهر رمضان 2025 وفقا للحسابات الفلكية
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جنديين في معارك شمال قطاع غزة
# مين يقدر على الفساد ….. شعر
إندونيسيا تنضم لمجموعة “بريكس” بعضوية كاملة
بسمة بوسيل بإطلالة جديدة كليًا: “حبيت أنكد عليكوا”
ترامب مجددا تهديده لحماس: يجب إطلاق سراح الأسرى الآن وإلا ستفتح أبواب الجحيم

# بين سعادة الفرد وسُلطة المجتمع سردية “دكتورة هناء” نموذجًا

بقلم دكتورة / أماني فؤاد

هل يقع البَشر في الحب وفْق فِقْه ما، أو بحسب منطق، أم أننا نجد أنفسنا نُحب ‏وفقط؟ وحين نُحب؛ أيهما نختار: احتياجنا الشخصي – مهما تعارض مع ‏منظومة تفضيلاتنا لأنفسنا وقِيَمنا، ورغم ما يسبِّبه هذا الاختيار من توترات مقيمة ‏‏- أم نختار سلامَنا العام، في حياة آمنة، وحيادية ربما؟
تكتب ريم بسيوني في 2007 روايتها “دكتورة هناء”، ويفوز النَّص بجائزة ساويرس ‏‏2010، وتدور أحداث هذه السردية حول أستاذة جامعية اختارت أن توجِّه كل ‏اهتمامها لدراستها، وأن يكون عملُها هو كل حياتها، ومجال تحقُّقها، والاحتفاظ ‏بحريتها؛ دون زوج يتحكَّم فيها. عاشت وحيدة، حتى بعد موت والدَيها، ووصولها ‏لسِن الأربعين، عذراء ودون زواج، وذلك لخوفها من طبيعة الرجُل الشرقي، ‏وتقييده لحرية المرأة، ورغبته في السيادة عليها، واعتبار تفانيها وخدمتها له – في ‏مؤسسة الزواج – حقًّا مكتسَبًا اجتماعيًّا ودينيًّا، والتحكم فيها، ورفْضه النفسي لأن ‏تعلو عليه في منصب أو مكانة وظيفية.‏
تقرِّر (هناء)، وهي على أعتاب الأربعين، إنها لا تريد أن تظَل عذراء، تريد رجُلًا ‏في حياتها، فتُقيم علاقة مع طالب الماجستير (خالد عبد الرحمن)، ثم تتزوجه في ‏السِّر.‏
الراوي في نص “الدكتورة هناء”:‏
اختارت الروائيةُ الراويَ العليم أو الفوقي تشكيلًا سرديًّا؛ حيث بإمكانه أن يرى ‏المشهد العام للمجتمع من ارتفاع، كما يمكنه أن يتلبَّس الأيديولوجيات الاجتماعية ‏المتناقِضة في الوعي الجمعي بين تيارَين، ويعبِّر عنهما؛ هناء في مقابل خالد ‏وآخَرين كُثر، ودمْج حياة الأشخاص وصراعاتهم النفسية، مع قضايا مصر ‏الاجتماعية الثقافية، والإدارية، حيث الفساد الذي استشرى في مواقعَ كثيرةٍ، ‏وتمرير الأمور وهي مخالفة للقوانين الضابطة للأداء العام للمؤسسات. والهروب ‏أيضا إلى التديُّن، حين نُصاب بإحباطات حياتية كبرى، استخدم الراوي الفوقي ‏مِبضعًا دقيقًا؛ ليستخرجَ الآفاتِ من جديلة حياة البشر، ويرفعها لمسافة ويسلِّط ‏عليها الضوء لعلنا نراها؛ نشاهدها بمفردها، وضمن نسيجها الواسع أيضا؛ ‏المتشابك العلاقات، قد نستطيع أن نقاوم الظلم بالعدل، والفساد والخروقات بإحقاق ‏الحق ومواجهة الأوضاع غير الإنسانية، تلك التي يتشابه فيها الصمت وعدم ‏المواجهة، فالجميع يتواطئ على الصمت، ويفضل أللا تتم المواجهة سواء على ‏المستوى الاجتماعي في منظومة علاقة المرأة بالرجل، أو على المستوى الإداري.‏
بنْية الشخصيات في رواية الدكتورة هناء:‏
في حياة الشخصية الاعتبارية المصرية ما يُسمى بالالتفاف، أو البحث عن ثغرات ‏نحقق من خلالها ما نريد، لنعوِّض ظلما أو نقْصًا وقَع علينا، ولا نستطيع تغييره، ‏كما نهرب أيضا إلى آليات دفاع نفسي متعددة، والارتماء في أحضان شيء قد ‏يسبِّب لنا الارتياح النفسي والتعويض، عند معاناتنا من مشكلة في حياتنا. وهي ‏ظواهر نسميها بتعبير شعبوي، “الفهلوة المصرية”.‏
تغزل الروائيةُ بنْيةَ شخصية (خالد عبد الرحمن)، الذي تزوجته (هناء)، وهي ‏مشرفته على الدكتوراة، وأكبر منه بحوالي عشْر سنوات، بحسبانه واحدًا من ‏ملايين شباب المصريين، الذين يعيشون في هذا المجتمع، بكل عاداته وتقاليده ‏وموروثاته الاجتماعية، التي تشكِّل وعيَه، خالد الرجُل الشهم العطوف، الذي ‏يساعد كل مَن يحتاج إليه، ولا يتخلَّى عنه أبدًا، الوفي الذي يتحمَّل المسئولية ‏حتى مع صديقه (محمد) الكفيف، ومع أُسرته بعد وفاة والده، المُحِب القادر على ‏العطاء، ونسيان ذاته في مقابل إرضاء مَن حوله، لكنه أيضًا الذكي “الفهلوي”، ‏القادر على العثور على الثغرات والالتفاف على القوانين؛ ليستطيع العيش في ‏مجتمع، لا يستطيع الموازنة بين الدخول المتاحة للعاملين في مؤسسات الدولة، ‏واحتياجاتهم الأولية لعيش حياة كريمة تتمتع بالكفاية والكرامة، يميل خالد إلى ‏عيش الحياة دون مواجهة حقيقية، إلا عندما تقع المشكلات، لا يريد الصِدَام مع ‏أُسرته، أمه وأخته، ولا الجامعة؛ لذا لم يخبرهم بزواجه من أستاذته التي تكبره، ‏يعطي الدروس الخصوصية؛ ليتمكَّن من مواجهة ظروف الحياة الصعبة، حيث ‏الرواتب في المؤسسة الجامعية لا تمكِّن الفرد من حياة كريمة، يوفِّي بها التزاماتِه ‏كافة.


تقع بطلة العمل (هناء) بين مستويَين من الصراع؛ صراعها مع ذاتها بعد أن ‏أحبَّت – وهي لم تَزَل طالبة في الجامعة – زميلًا لها؛ (رامي)، ثم اكتشفت ‏استحالة استمرار العلاقة لاختلافه في الدين، ولضعْف شخصيته؛ فتركز ‏اهتماماتُها على دراستها وأبحاثها، اعتزلت هناء العلاقات العاطفية، وابتعدت عن ‏فكرة الارتباط؛ لشعورها بسيادة الثقافة الذكورية في المجتمع، كانت ترى الظلم ‏الواقع على المرأة في قصص الناس من حولها، خيانة الرجُل للمرأة، وتجبُّره عليها ‏اقتصاديًّا واجتماعيًّا، مثلما رأت في قصة أختها الكبرى، وبعض قصص النساء ‏مِن حولها. حدَّدت الروائيةُ بنْيةَ شخصية هناء مذبذَبةً بين مستويَين، غير محجَّبة، ‏ذات أفكار استقلالية تقدُّمية، وخاصة فيما يتعلَّق بحقوق المرأة. والمستوى الآخَر: ‏الحرص، والروتين المتكرر في كل تفاصيل الحياة، ويتجسَّد هذا أيضًا في بعض ‏السلوكيات الحياتية، وعلاقتها بالأشياء، بخيلة وهو ما يتضح في اختياراتها للطعام ‏والشراب، كلاسيكية الذائقة؛ تهوَى التُّحف القديمة، تعشق النظام والنظافة، حافَظت ‏على أثاث بيت والدَيها الذي استكملت حياتها به، ودفعت لإخوتها من أجل ملكيته ‏خالصة لها، واعتزلت العلاقات المتواصلة مع أخواتها؛ لوقوع بعض المشكلات ‏في الإرث بعد وفاة الوالدَين.‏
وجسَّدتها الكاتبة قويةَ الشخصية، تُصِر على ما تريد، يصِف رامي هناء، يقول: ‏ابتسم قائلًا في شيء من الضيق والخوف: أنت .. مشكلة في حد ذاتك.. أنت .. ‏كالشاحنة الهائلة.. لا أحد يستطيع السيطرة عليك، أتعرفين هذا؟” 35. ‏
تُصِر هناء – بعد أن أصبحت رئيسة القِسم في الكلية – أن تنفِّذ قوانين المؤسسة، ‏وألَّا تخالِف أيَّ بند، حتى لو تسبَّب ذلك في مشاحنات بينها وبين زملائها، فتتوقع ‏من العميد عندما يشكو إليه زملاؤها إنه: “سوف يفهم ويقدِّر الوفاء والجهد والعمل ‏المتواصل، وحُبها لمصر وللحكومة والجامعة وكل المؤسسات التي تملكها الدولة، ‏ورغبتها في العمل من خلال المؤسسة، وليس من خلال أيِّ تنظيم آخَر خارج ‏المؤسسة، وليس من خلال أفراد تربطهم علاقة فقْر أو دين أو يأس أو حُب أو ‏كُره. ستعمل من أجل مصر.” 175، فتُبرِز الروائية هذا التجرد والالتزام والانتماء ‏في شخصية هناء. ‏
كما وقعت هناء في بئر سحيقة من التناقضات، عندما بدأت التواصل مع خالد، ‏تقول: “بدأ قلبها يخفُق، ولا تستطيع التحكم فيه، وكانت تريده كالمراهِقة، وهي في ‏الأربعين، وكأن جسدها قام وبُعِث بعد موت سنين، وليته لم يقُم ولم يُبعَث! لماذا ‏الآن؟ لماذا تسمح لهذه التفاهات بأن تقضي عليها. وكانت تخاف من هذه ‏المشاعر، وتتمنى أن تَبتُر أنوثتَها من جذورها. ولا تدري كيف.” تخشى منه، ومن ‏المجتمع، كما تخشى أن تفقده.‏
ويتداخل الصراع في هذا النَّص، حيث صراع الأبطال وخوفهما أحدهما من ‏الآخَر، وهي انعكاسات تمشي على الأقدام لصراعات مجتمعية متعددة، صراع ‏المحافَظة على العادات والتقاليد الموروثة، التي تخصُم من حقوق المرأة، في ‏مواجهة مع الحداثة وتجديد أفكار المجتمع، وجعْلها أكثر إنسانية ومساواة ‏وعقلانية.‏
صراع بين رغبة دكتورة هناء في تنفيذ القوانين والعدالة؛ حيث الولاء للمؤسسة ‏التعليمية: “قوانين الجامعة”، وبين التجاوزات والفساد والخروجات عن قوانين ‏المؤسسة التي تفشَّت، وصارت وكأنها من المسلَّمات التي تحرِّك عقلية الجميع، ‏وتسيِّر سلوكَهم، فيوصف بالجمود والتعنُّت كل من يحافظ على تلك القوانين.‏
هذه الاختلالات الثقافية في الوعي الجمعي، وأيضًا الإدارية، انعكست على حياة ‏أبطال السردية، وخَلَقت تلك النماذج المهتَزة، التي لا تُدرِك بوضوح ماذا تريد! ‏فلولا هذه الصدوعات الثقافية المجتمعية، التي ما كان ينبغي أن توجَد؛ كانت حياة ‏الأفراد ستصبح أيسرَ وأكثر وضوحًا، وإذا لم تتأصل ثقافة وعادات ظُلم المرأة؛ لَمَا ‏وجدنا نموذج شخصية دكتورة هناء المعقَّد من الرجال، ولا نوعية مفاهيم الرجُل ‏الشرقي عن المرأة، بضرورة أن تكون تابعًا له، وتأتَمِر بأمْره.‏
يقول الراوي عن خالد: “يريد زوجة مطيعة لا تتحداه أبدًا.. لا بد ألَّا يكون عندها ‏آراء قوية، يصعب تغييرها! أبدًا .. ما أقبح المرأة صاحبة الهدف والرأي! تقطع ‏الرجُلَ كالسكين الكهربائي! لا، لا يريد آراء!” 159.‏
آلية المعادل الموضوعي في رواية الدكتورة هناء:‏
وتستخدم الروائية معادِلًا موضوعيًّا معبِّرًا كنائيا، حين يراقب خالد فأرًا في ‏النفايات، في مَنوَر المستشفى، الذي أجرَت فيه هناء استئصال رَحِمها، فمِن ‏داخله يشعر خالد بضآلة وضعْف علاقاتهما في مجتمعات لا تغربل موروثاتها، ‏ولا تصحِّح واقعَها. ‏
يقول وهو يفكر في مشاعره هو وهناء: “وهل يستطيع الفأر مقاومةَ العفن ‏والقاذورات، والحائط القديم، والنفايات التي تنهال عليه من كل مكان؟ ولو لم ‏يخنقه العفن..؛ فهل سيعيش وسط الظلام والأحجار الثقيلة، والكل يريد القضاء ‏عليه، .. مسكين الفأر.. لن يعيش طويلًا.. مصيره أن يتعفَّن.. ويصبح هو نفسه ‏جزءًا من قاذورات وظلام المنوَر.” 186.‏
ثم يعود خالد ليتخيَّل الفأر؛ فيقول الراوي: “لم يكن يدري إلى متى سيعيش الفأر. ‏وكم أشفق عليه! وعلى سذاجته وإصراره على البقاء. كان يقفز ويختفي ويراوغ، ‏ويختبئ ويظهر فجأة، ويجري فجأة. كان يفيض بالحياة، وكانت أطرافه صغيرة ‏ومَرِنة،.. وهل للفأر من مخرَج؟ هو آمِن في المَنوَر المظلِم، وجائع وتائه خارج ‏المَنوَر، وميت بالتأكيد خارج المَنوَر. الظلام يُعطي الأمان والتاريخ، يعطي ‏الدفء..”215، هذا المعادِل الموضوعي يوضِّح كيف يتعامل خالد مع واقعه ‏العملي، وحُبه لهناء، ورغبته في استكمال علاقتهما.‏
وتبدو المفارَقة بين والدة خالد والدكتورة هناء شديدة الحِدية والصخَب، خالد عبد ‏الرحمن نبْتةُ أُمه، التي كرَّرت مِرَارًا على مسامعه إن هناء مجرد امرأة، “اللفظ هنا ‏يُقصَد به الضآلة، كأنَّه إهانة”، أُمه “حارسة الظلم الأبوي البطريركي”، التي سعدت ‏بعقابه لأخته، فلقد اتخذته رجُلَها بعد موت أبيه، أُمه التي تطهو الطعام، وتنظف ‏البيت، وترعى الأولاد وكفى. ‏‎ ‎
اللغة في نَص دكتورة هناء:‏
تتجلَّى تحولات شخصية البطلة بعد عيشها لقصة حب مع خالد في صياغة ‏أسلوب السرد، حيث وطأة التكرار وهيمنته، يقول الراوي عن هناء: “وكانت قوية، ‏وكانت تتخذ خطوة المبادرة، وكانت تشعر به، وكانت تريد أن تمد له يَدَ ‏المساعدة، وكانت تعشق التحدي! والانتصار” 35، تكرار (كانت) يوحي بشعور ‏هناء بضَعْفها أمام أنوثتها وتحولها، ورغبتها أن يظَل خالد في حياتها.‏
ويتنوَّع استخدام الروائية للُّغة، فتصوغ لُغة تعتمد على الحواس وهي تُنطِق محمد؛ ‏الفاقد للبَصر، صاحب خالد، فكأنه يرى بحواسه الأخرى، يرى بخيالاته، تقول: ‏‏”ضغَط محمد على قطعة البقلاوة الهَشة.. وكانت هشَّة وقوية ورقيقة، سمِع ‏صوتها وهي تتحطم في يده، وتذوب في فمه، وكانت البقلاوة أقوى من الهريسة ‏بكثير وأجمد.. ملمسها جامد، وكأنها ورقة بردي قديمة تتفتت في لحظات عندما ‏تستسلم لليد القوية.” 205. كما تتراوح اللغة بين قوة القرار، وضغْط الواقع ‏المتيبِّس، الذي ما يلبث أن يذوب وقعه مع طغيان العاطفة حيث يشعر بطلَا ‏السردية باحتياج أحدهما للآخَر.‏
متى يتغير وعْيُنا الجمعيُّ الثقافي، وكيف تتلاشى سُلطاته القامعة، تلك التي تقيِّد ‏حرياتِ أفراده، وتمنعهم من الحياة وفْق شَرَاكات حقيقية، لتُحقق السعادة لكل من ‏المرأة والرجُل؟ ‏

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp
Print
booked.net