عاجل

الخارجية المصرية تحذر رعاياها في أمريكا
دوري أبطال أفريقيا: أورلاندو والترجي يلحقان بالأهلي في ربع النهائي
الجامعة العربية: اجتماعات الرياض أكدت أهمية وجود عملية انتقالية آمنة في سوريا
# دراسة نقدية للدكتور حسن مغازي!! عن رواية بيلا
قرار عاجل من الحكومة يُسعد كل أصحاب المعاشات
انتشار الجيش لاحتواء حرائق لوس أنجلوس
إسرائيل: لن نسمح للضفة الغربية بأن تتحول إلى غزة أو جنوب لبنان
زيلينسكي: تفوق الطيران الروسي سبب استمرار الحرب
“الأهلي المصري”: شهادات الـ27% و23.5% و23% مستمرة دون تغييرات
“مصر للتأمين” تفوز بوثيقة “المصرية للاتصالات” للعام الثالث على التوالى
موعد مباراة الزمالك وبلاك بولز الموزمبيقى اليوم الأحد
الدقهلية ستبعاد مديرة مدرسة بعد تسريب امتحان الصف الثالث الابتدائى
الإسكندرية.. تنظيم قافلة طبية مجانية فى حى العامرية
قنا.. المحافظ يشيد بتميز منظومة الشكاوى الموحدة وتحقيق معدل إنجاز 99.89%
الغربية..ضبط المتهم بقتل سائق توك توك والتخلص من جثته في الترعة

# معايير العالمية.. والأدب العربي

بقلم دكتورة / أماني فؤاد

في الثالث عشر من أكتوبر 1988 يفوز الروائي الكبير نجيب محفوظ بأول نوبل عربية في الأدب، وحتى لحظتنا تلك، لم يحصل عليها ثانيةً الأدب العربي، سواء في السرد أو الشِّعر، بالرغم من تَوْق الكثيرين وانتظارهم لها، ففي كل عام تشخَص أنظار المصريين والعرب، وتتوقف أنفاسُ البعض؛ يتطلعون لإعلان اسمٍ عربيٍّ آخَر، وحتى الآن – بعد مرور ستة وثلاثين عامًا – ننتظر نوبل الثانية، لكنها لم تأتِ، رغم ترشيح المؤسسات لبعض الأسماء، التي تستحق بالفعل الحصول على أعلى الجوائز العالمية.
وهنا تتوالَى عدة أسئلة، علينا أن نطرحها على ذواتنا ومؤسَّساتنا، منها على سبيل المثال:
ــ هل أدبنا العربي يتضمَّن معايير العالمية، وما هي تلك المعايير، لماذا لم تتكرر نوبل في الأدب العربي مَرَّة أخرى، هل العيب أو النقص فيما نقدِّمه من سرديات روائية، أم في الاعتبارات المتعددة السياسية لمَن يختارون ويتحكَّمون بالجائزة؟ سؤال آخَر: هل يتعامل الغَرب باستعلاء مع منْح العرب أو الحضارات الأخرى جائزة نوبل – وخاصة الرواية – حيث يُعِدُّها إرثًا خاصًا به، أو قد يكون لأسباب أخرى، مثل الشعور بمركزية العقل والفنون الأوربية؟ أم أنها أزمة معرفة من الأساس، فالغرب لا يعرف عن ثقافاتنا وآدابنا – وخاصة الأدب الحديث – الكثيرَ، ففي الغرب – كما في الشرق الأدنى – يحصرون الآداب العربية، في الأدب والشعر العربي القديم، أو في موضوعات وأشكال نمطية، تبدو غريبة عن ثقافتهم، يدور أغلبها حول عالم المرأة، ومنظومة العادات والتقاليد الاجتماعية والخطابات الدينية، التي تضَعها في حالة من القهر والافتقار للحقوق الإنسانية، في المجتمعات العربية بدرجات متفاوتة، سرديات تُظهر بعض الظواهر الاجتماعية المحافِظة والمتخلِّفة، في مقابل حياة ماجنة خفية مسكوت عنها.
في هذا المقام، علينا أن نلحظ أيضا أن الجهل حجابٌ، فمَن لا يعرف؛ لا يتحمس أو يقدِّر، فضلًا عن أنه لن يسعى لاكتشاف جماليات هذا الأدب الخاصة. كما لنا أن نتساءل: هل يوجد – في لجان الجائزة – تمثيل لبعض المتخصصين في اللغة العربية وجمالياتها؟ وهنا علينا أن نشير لضرورة تفعيل مؤسساتنا الثقافية العربية؛ للتعريف بآدابنا بوسائطَ مختلفة، وتنشيط حركة الترجمات من العربية لعدد من اللغات الأكثر تأثيرًا، للتعريف بالأدب العربي، وفضلًا عن الترجمة الواسعة للمؤلفات، هناك ضرورة لإعداد دوريات أدبية مواكبة؛ لرصْد أحدَث ما يصدُر من أعمال أدبية، وأن تتضمن تلك الدورياتُ نماذج للأنواع الأدبية كافة، وتقارير تعريفية ونقدية مبسَّطة للعوالم التي تدور حولها هذه الإبداعات، وحبَّذا لو تَمَّ إنتاج بعض البرامج المسموعة والمُشاهَدة بلغات متعددة، حيث يتم عرْض هذه التقارير، والتي تتحدث عن هذه الإبداعات العربية، وتعريف الجمهور بها في الغرب – على وسائط التواصل الاجتماعي الأكثر انتشارا والإنترنت، فضلًا عن القنوات العامة في الفضائيات، لو استطعنا، لكن يتعيَّن إنتاج وإعداد هذه المواد الإعلامية الفنية الثقافية في مستوى رفيع، وتكون تابعة لحركة من الترجمة المحترفة الجيدة للمنتَج الأدبي العربي، وبالتنسيق مع عدة دول عربية، يمكنها التكامُل فيما بينها بالتمويل واختيار المادة السردية، التي ستُترجَم وتقدَّم، وأحسب أن لهذه الإجراءات – لو تمَّت – مردودًا عظيمًا، يتنامَى من خلاله حجم القوة الناعمة للُّغة العربية وآداباها وأثَرها على تعديل الكثير من الأفكار المغلوطة عن مجتمعاتنا.

ربما تبدو المشكلة والعائق في محدودية ما يُترجَم من الأدب العربي، ونوعية الأعمال التي تترجَم، والتي نلحَظ أن اختيارها – في الغالب – يتِمُّ للتلصُّص على المجتمعات العربية وتابوهاتها، سواء السياسية أو الدينية أو الجنسية، فعادةً ما تختار دور النشر الغربيةُ النصوصَ العربية التي تعرِّي مجتمعاتِها؛ لتكشف المستور في الثقافة العربية، هذا الذي لا يصرِّح به أحد إلا حين يستنطق الروائيون حركة المجتمعات الموارة الخفية.
كما علينا أن نلتفت للتواضع الشديد، الذي ظهرت به الترجمات، التي تتكفل بها بعض الجوائز، لبعض النصوص السردية للُّغات الأخرى، إن تدنِّي درجة جودة واحترافية الترجمة يخصم من فنيات العمل السردي وبنْيته الفكرية عند التصدي لتقييمه ــ دون شك ــ.
كما أن أحد الأسئلة المهمة التي علينا أن نواجهها: لماذا لا توجد جائزة مصرية أو عربية تملك الثقلَ الرفيع ذاته، الذي تحظى به جائزة نوبل، التي تمنحها الأكاديمية السويدية النرويجية؟
ثم هل علينا أن ننتظر الاعتراف من مجتمعات وحضارات أخرى بكل هذا الشغف والترقب؟ أتذكَّر أنني – في الفترة التي تولَّت فيها د. إيناس عبد الدايم وزارة الثقافة المصرية – قدَّمت لها مشروعًا بجائزة دولية عالمية كبيرة، تُعِد لها مصر، وتتبنَّى تدشينها دوليا، واقترحتُ أن تستثمر هذه الجائزةُ الثقل الحضاريَّ المصري وطابَعَه التاريخي، وأن تخصَّص للآداب والعلوم، وأن تحظى بدعم من القيادة السياسية المصرية استمرارا للريادة المصرية وقوتها الناعمة.
فمنذ ما يقرب من أسبوع، كنت أقرأ مقالًا للناقد (مارتن شيلتون) عن رواية “أوربيتال” الفائزة بجائزة البوكر الغربية لعام 2024 للكاتبة البريطانية (سامانثا هارفي)، وتدور أحداث الرواية في يوم واحد في الفضاء، وتتضمن السردية رؤى تأمُّلية عميقة، تتناوَل الأرض والإنسانية بروح من الرُّقي، وترثي لحالها إذا استمرت الملوِّثات التي تؤثِّر بالسلب على كل أوجه الحياة، وفي المقال يتساءل الناقد، كما تساءل رئيس لجنة التحكيم: هل ستؤثِّر هذه الرواية في طريقة تعامُل البشر مع كوكب الأرض؟
هنا استحضرت مباشرة بانوراما لمشهد الإبداع السردي المصري، ووجدت التشابه بين نَص الروائي محمد الفخراني البديع، “حدث في شارعي المفضل”؛ فهي الأخرى تدور حول تآكُل الأرض حتى نهايتها التامة، عدا بقعة واحدة، فوقها بيت ريفي صغير، وامرأة تتذكر الأرض والخرائط، وتعيد رسْمها مِرارًا، اعتقادًا منها أنها قد تُعيد وجودها، تزرع هذه البقعةَ بطريقة يدوية بدائية؛ لتأكُل من خيراتها، كما تذكَّرتُ تساؤلاتي، التي طرَحْتُها وأنا أعِد الدراسة النقديةَ عن الرواية، وكانت تتضمن ذات السؤال الذي طرَحه الناقد الغربي، هل بإمكان رواية أن تغيِّر مصير بعض القضايا؟ فَنَاء الأرض نتيجة انتهازية الإنسان وأطماعه وتعامُله معها بنظرة استهلاكية أنانية، فجميعنا سيواجِه الكارثة عند استفحال تغيُّرات المناخ، وطغيان التصحُّر، وذوبان الثلوج وتآكُل الأرض، الظواهر المرعبة كافة التي يتحدث عنها العلماء وتنذر بالنهايات.
وأكرِّر إن لدى مبدعينا سرْدًا رائعًا، لا يقل عمَّا يصدُر في الغرب، كما نملك النقد الذي يواكب النصوص الإبداعية، ويطرح تساؤلاتِه ورؤاه، ولذا لا يصح أن نجلِد ذواتِنا، ونشعر بأننا لسنا على المستوى العالمي، وخاصة في الأدب. فلدينا مبدعون يُشار لهم بالبنان، حفروا أسماءهم وأعمالَهم في عقول ووجدان قرائهم، نالوا الجوائز، ولم تَزَل إبداعاتهم تتوالَى، ومن المؤكد أن طموحاتِهم لا حدود لها. لكن دراسة الموقف والظاهرة واجبة، وعلينا أن نناقشها؛ أملًا في تطوير إمكاناتنا المستمر.
أحد الأسئلة التي تُطرح: ماذا عن الكاتب أو الروائي الذي يحلم بنوبل في الأدب، ماذا عليه أن يفعل ليحصل عليها؟
ربما بدَت الإجابة على هذا السؤال – على اتساع محاورها – تتلخص في الصدق، صِدق الكاتب مع تجربته وأفكاره ومخيلته، دون النظر إلى الجوائز وقصدية السعي للحصول عليها، لكن تحقُّق هذا الحلم يتطلب إعدادا دؤوبا ومثابرا، حيث تعدُّد المرجعيات الثقافية، التي على الكاتب أن يلِمَّ بها؛ لتكوين رؤية في هذا الوجود، وإبداع تجارب سردية مدهشة، تتجدد عوالمها في كل مَرَّةِ، فضلًا عن انفتاح أفُقه الذهني على العالم باتساعه، بتياراته الكتابية ومدارسه الفكرية والفنية، والبحث عن أجمل الطرُق والتقنيات الفنية، وأكثرها مناسبة للفكرة التي يطرحها الكاتب أو الروائي؛ وتزكية الأدب الذي يُعلي الإنسانية بكل مَحاورها، قبول الآخَر باختلافاته العِرقية والعقائدية والقومية، والقدرة على التعايُش، وتثمين حقوق الإنسان والمرأة والطفل والأقليات، إذكاء المشترَك الإنساني، والوعي بقيمة العقلانية، وآثارها على ضبْط مقوِّمات الحياة.
وفي نوع من المواجهة – التي أتصورها واجبة حول الأدب العربي، ومعايير العالمية – أطرح بعض الأسئلة الأخرى المهمة، مثل: هل ما يطرَح – في الكثير من سردياتنا – يُعلي العقل البشري وحقوق الإنسان والقِيَم الحضارية، هل يقدِّم سردياتٍ تخلَّصت من أوهام وأساطير ظَلَّت تحكُم الثقافة العربية لفترات طويلة، وأفكارًا تواكِب المرحلة التاريخية التي نحياها، كما تواكِب الحضاراتِ العالميةَ الأخرى في منجزها الإنساني على مَحاوره مجتمعة، وهذا بعض ما سأطرحه معكم في المقال القادم.

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp
Print
booked.net
موقع الرسالة العربية