بقلم الكاتبة الجزائرية / يامنة بن راض
في تلك الصباحات الندية تشرق الشمس مطوحة بأشعتها الذهبية لتلقي التحية على أهل المعمورة جميعا، غير أنها تلقي تحية احتفاء خاصة لأرض الشام الجميلة وكأنها أرض الله المختارة، ولئن كانت فلسطين سيدة الأرض تحمل نورا أزليا فإن لبلاد الأرز لبنان حظا وافرا من الإرث الحضاري الذي تحفل به الذاكرة البشرية، وها هو غمام العذاب ينعقد مجددا فوق هذه الأرض و تتخطفها النوائب المفجعة التي كانت ولا زالت تصنعها قوى الشر والطغيان أمريكا التي رسمت لها دروبا بغيضة بعد أن سلمتها للكيان الصهيوني المجرم يعيث فيها فسادا وخرابا وقتلا ووحشية لا نظير لها أمام عالم لم يفطم بعد عن أنانيته ونفاقه ..فلا صوت يسمع اليوم في فلسطين ولبنان الا صوت دوي الانفجارات وهي تقطع الأجساد تقطيعا تقشعر له الأبدان ..و صوت عويل الثكالى وهن يودعن فلذات أكبادهن …لكن ورغم كل هذا تصدح اصواتهن بعدها وأصوات أهل عشيرتهم الصامدين ..” نحن لا نستسلم ننتصر أو نموت ” ..
يقول نبي الكلمات ” الرافعي ” :” نحن على هذه الأرض نبني لأرواحنا في السماء” …وما أعظم هذه المقولة كيف لا وأهلنا اليوم في كل من فلسطين العزة ولبنان التحدي يصنعون مجدا يليق بمكانتهم في سماء ملك الملوك ….فلا ريب أن أرض كنعان المقدسة وأرض فنيقيا التاريخ ليست ككل أرض الله الرحيبة ، ببساطة لأنها الأرض التي حباها الله بتكريم نوراني كبير، ففلسطين بحق هي مهبط الرسالات السماوية، ففي القدس المقدسة غفر الله لنبيه داوود وكلم موسى و أوحى الى عيسى ورزق زكرياء بيحي وفيها يرقد خليله ابراهيم ووليه يوسف، وفي الاقصى المبارك مسرى خاتم النبيين محمد عليه الصلاة والسلام، وأما لبنان فهي الاخرى غرفت من طبق القدسية الكثير ،ففيها يستقر قبر نبي الله شيت بن آدم وبين ظهرانيها مقام النبي نوح ومقام النبي أيوب وهناك أيضا ضريح السيدة ” خولة بنت الحسين بن علي” رضي الله عنها إضافة الى قبور ومقامات الكثير من الصحابة والتابعين ..
خليق بنا اذا أن نفهم جيدا أن هذه الأرض المباركة من السماء والتي تتنفس عبقا تاريخيا وتداعبها كل لحظة نسائم الحضارات الغابرة ستقاوم وستصمد الى غاية انتهاء هذه المؤامرة الدنيئة لأنها أم البدايات والنهايات و أم الوحي الإلهي والتاريخ والحضارة والفكر والجمال ..ورغم لجج النار التي تضطرب وتمور فوق مدنها و قراها وشوارعها فهي دائما لهم بالمرصاد
” على هذه الأرض ما يستحق الحياة ” واذا كان الراحل ” درويش” يقصد فلسطين وطنه فقط ..فإننا نعني بها هنا أرض الزيتون فلسطين وأرض الأرز لبنان لأن هذه الارض الشامية فيها فعلا ما يستحق الحياة، بل كل شيء فيها يستحق الحياة ..وليستمر نعيق الغربان كما يحلو له ..فالنصر سيكون حليف أهلنا الصامدون هناك ..وإن غدا لناظره قريب .