بقلم-عمار علي حسن
وُلد الجيش الإسرائيلى فى قلب معارك هجومية، ومع هذا أطلقت عليه المؤسسة السياسية هناك اسم «جيش الدفاع» وليس «جيش الحرب»، مع أن المسمى الأخير هو الأكثر دقة فى وصف طبيعته وتكوينه وممارساته ومساره الهجومى على مدار أكثر من ثلاثة أرباع قرن كامل.
أرادت إسرائيل بهذا المسمى أن تخدم الصورة التى كرّستها لنفسها، خصوصاً فى الغرب، بأنها طرف متربَّص به، أو ساعٍ إلى البقاء فى سلام، بينما تريد الدول العربية المحيطة به اقتلاعه، بوصفه عمود الدولة التى تم قيامها فى عام 1948، وأعلنوا أنها «دولة يهودية» أو أنها، وحسب التعبير المجازى المتداول: «حَمَل وديع وسط ذئاب جائعة».
نعم تفضّل أغلب الدول أن تطلق على المؤسسة التى تقود جيوشها اسم «وزارة الدفاع» وليس «وزارة الحرب»، لكن كثيراً منها جاد ومُنصف فى هذا التوصيف، إذ تأسّست الجيوش لتحمى الأرض، التى تقوم عليها الدول، وتصُد عنها أى معتدٍ أو غازٍ.
أما فى الحالة الإسرائيلية فإن التجربة التاريخية، وسياسات الاستيطان التى تقوم على القضم المتواصل والمنظم من أرض فلسطين، وفكرة الحرب خارج الأرض، والإصرار على البقاء فى أى أرض يتم احتلالها إلا إن أُجبرت على الخروج، تجعل إطلاق اسم «الدفاع» على الجيش الإسرائيلى نوعاً من قلب الحقائق، ومحاولة لطمس معالمها وملامحها.
وتريد إسرائيل من إطلاق اسم «الدفاع» على جيشها أن تُصور حروبها المتتابعة على أنها دفاع عن الوجود، بل إنها أمعنت فى تبرير أى هجوم تشنه على أنه «حرب استباقية»، لتحيله على حاله هذه إلى باب الدفاع المبكر.
كما تريد أن تُضفى على حروبها نوعاً من «العدالة» يجعل من الممكن تسويقها عبر الدعايات المتواصلة على أنها «حروب عادلة»، بما يعطيها مشروعية قانونية ما، أو يُسهل على مناصرى إسرائيل مهمتهم فى التدخّل عسكرياً لصالحها، بدعوى أن هذا التدخّل لا يخالف «الشرعية الدولية».
قبل ست وسبعين سنة لم تكن لإسرائيل دولة يقوم جيشها بالدفاع عنها، إنما كان لا بد من شنّ هجمات ضارية ومتواصلة لاقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، والاستيلاء عليها، لتثبت بقعة جغرافية مناسبة تقوم الدولة عليها، ثم تطلب الاعتراف بها. ومنذ ذلك الوقت صارت غريزة الهجوم هى المتحكّمة فى سلوكيات الجيش الإسرائيلى طوال الوقت.
هذه الهجمات نفّذتها عصابات صهيونية، على رأسها «الهاجاناه»، وهى التى شكلت النواة الأولى والأساسية لتكوين الجيش رسمياً بعد ستة أسابيع من إنهاء الانتداب البريطانى على فلسطين.
وأسهم الإنجليز فى تطوير «الهاجاناه» بإنشاء قوة رسمية تُسمى «شرطة المستعمرات اليهودية»، التى كانت تضم عدداً صغيراً من الوحدات المتنقلة التى تدفع بريطانيا مرتباتها، للقيام بالحراسة المحلية، وعدداً أكبر من قوات خاصة تستعمل الأسلحة، ووحدات متنقلة لحراسة الطرق والمحاصيل ونصب الكمائن لقوات الفدائيين. ثم قامت، بطريقة غير رسمية، قوة أخرى أو وحدة يهودية إنجليزية مشتركة تحمى أنبوب النفط الممتد إلى حيفا، وتعمل بالتنسيق مع «الهاجاناه».
لكن هذه القوة لم تكتفِ بالدفاع كما كانت تُعلن، إنما مارست هجوماً منظّماً ضد الوجود الفلسطينى، وبذا صنعت للجيش الإسرائيلى الطريقة التى يعرفها ويألف ممارستها، وفق ما أكدته كل الحروب التى خاضتها إسرائيل فى تاريخها القصير نسبياً، واستعادت فيها كثيراً من المعارك التى خاضتها الدولتان اللتان أقيمتا لإسرائيل فى القرون الغابرة، وزالتا فى العقد الثامن لقيامهما، واستعارت، فى الوقت نفسه، كثيراً من الروايات التاريخية الواردة فى (التوراة) نفسها، والتى تقول بشكل لا مواربة فيه الكثير عن اجتياح المدن، وقتل أهلها، وسبى نسائها، وتدمير مقدراتها المادية، وتحطيم معنوياتها بلا رحمة، باعتبار أن ذلك مقبول، بل محبّب، إلى الرب