عاجل

محافظ المنيا يفتتح مدرسة وحدة نواى الابتدائية فى مركز ملوى
مواجهات مرموش مع فرانكفورت فى البوندزليجا والدوري الأوروبى
قمة ليفربول وريال مدريد تتصدر 10 مواجهات مرتقبة بعد التوقف الدولي
حسام حسن: نقدم أداء مع المنتخب لم يحدث منذ الجوهرى وشحاتة
جوميز يستقر على ضم الجزيرى لقائمة الزمالك فى مباراة المصرى
جوارديولا يستمر مع مانشستر سيتى حتى 2026
رئيس الوزراء المصري يكشف موعد عودة حقل ظهر لطاقته الإنتاجية
منتخب موزمبيق آخر المتأهلين لكأس أمم بالمغرب
كولر: أسعى للفوز في جميع المباريات
حبس 3 متهمين من جنسية عربية لقتلهم صديقهم في بولاق الدكرور
ضبط تشكيل عصابى لسرقة الدراجات النارية بالبحيرة
الإمارات وقطر تبحثان القضايا الإقليمية والدولية
البنتاجون: حاملة الطائرات «لينكولن» غادرت منطقة الشرق الأوسط
ترامب يختار رجل الأعمال الملياردير هوارد لوتنيك لتولي منصب وزير التجارة
أمريكا تستخدم “الفيتو” ضد مشروع قرار في مجلس الأمن لوقف إطلاق النار بغزة.. وفرنسا وبريطانيا تُعلقان

# حِيَلُ وتقنيات الحَكْي في سردية “ورثة آل الشيخ”‏

بقلم دكتورة / أماني فؤاد

يستمر الروائي أحمد القرملاوي – في سرديته “ورثة آل الشيخ – في الدفع بطاقة ‏السرد الوصفية المتنوعة الإيقاع، تلك التي تُثري المشهد البصري بانفعالات ‏الأبطال في المواقف المختلفة؛ ففي أحد مشاهد المظاهرات التي اندلعت في ‏القاهرة بعد الحرب العالمية الأولى، في سرْد سريع الإيقاع، خاطِف للأنفاس، ‏يقول واصفًا موت عمِّه الحكمدار صدقي: “ترَك سيارته بمحاذاة المتاريس، ‏ومضى على قدميه مارًّا بمدخل الشارع الأعظم، هناك وجَد خندقًا حفَره الطلبة ‏المجانين؛ لمنْع مرور المدرعات إلى قلْب الجمالية. صاح في بعضهم؛ فلمْ يلتفتوا ‏إليه. خلَع طربوشه وأخذ يقفز فوق الحواجز، تمزَّقت ساقه بسيخ حديدي كان ‏مزروعًا بين عِرقَين من الخشب، صرخ في الفتيان من جديد: “أفسحوا طريقًا ‏للعبور.. من سمَح لكم بعمل المتاريس؟!” صرخة فأخرى، فصوت طلْق ناري ‏يشق الهواء، فصمْت أبدي”67‏
ورغم الامتداد الزمني المتَّسِع لأحداث هذه العائلة، والتي تمتد من الحملة الفرنسية ‏حتى ما بعد ثورة يناير 2011، وبداية العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين؛ ‏فإن التحولات السياسية في النَّص – رغم بعض الإشارات إليها – لا تأتي إلا ‏كخلفية بعيدة، لا يركِّز عليها الروائي، إلا بقدْر الظلال التي تُلقيها على حياة ‏الأفراد، والتحولات التي تُفرض عليهم.‏
وللكاتب أسلوبه الاختزالي المكثف، حين يضفِّر شأن الأفراد الخاص بالأحداث ‏العامة، يقول الراوي: “وما إن استبدل نشأت بأول رُتبة كتفيّه، الملازم الأول ‏الأكثر أناقة؛ حتى جُنَّ الأوربيون، وانهالوا بمدافعهم فوق رؤوس بعضهم البعض، ‏ما جعَل الإنجليز يضطربون ويحمرُّون فوق احمرارهم، ثم أخذوا يضمُّون أطراف ‏إمبراطوريتهم ويتربَّعون بها فوق رقعة مصر”85‏
‏ وللروائي طريقته في رسْم الشخصيات، حيث يرمي بالشخصية في الأحداث، ‏ويُورد عنها بعض الأوصاف والطبائع، ثم ما يلبث ويتركها، بعد أن يشير ‏لانعطافة محورية في حياتها، دون أن يستكملها، ثم يعود – بعد فصول من ‏الحكي – للشخصية ذاتها مرة أخرى، ليكمل رسْم تفاصيل عالمها الخاص بها، ‏مثلما فعَل مع شخصية جد السارد “محمد”، الذي أنجبه فاضل بعد تسْع بنات، ‏وكان له طبع ناري، ورغبة دائمة في كشْف المجهول وفَضِّه. أو شخصية زبيدة ‏أو حسن، أو صدقي وكامل وفاضل.‏


يقول أحمد الراوي المشارِك في الأحداث عن جدِّه الكبير فاضل: “خرَج فاضل ولم ‏يعُد؛ هكذا تقول الرواية المنسوبة لابنه الوحيد، جدِّي محمد. لم تَضِعْ سيرته إلى ‏الأبد؛ بل عُرف منها شذرات متفرقة، جميعها يؤكد عدَم إقامته مجدَّدًا في بيت ‏الخرُنفش، يقول البعض إنه انجذب؛ استلبته طاقة غيبية لبقية سنوات عمره، فيما ‏يقول البعض الآخَر إنه اكتشف – ذات فَجْر – نفْسه النبيلةَ، التي انغمست طويلا ‏في دنيا الليل، وحالما لمحت نهارًا؛ رمَحَت خلفه، رمْح شادن صغير وراء أمه ‏الغزالة” 213 ‏
وفي مساحة الواقعية السحرية، يتبدى الكنز المدفون، والرحلة التي يمارسها ‏الجميع للعثور عليه في البيت، وهنا أشير إلى اشتغال الكاتب المحدود نِسبيا على ‏بنية هذه التيمة، وتخليق الأحداث والمواقف وأساليب التشويق، التي تؤطِّر تيمة ‏محورية في العمل، وتنمي وجودها بطرق فنية مختلفة، فلقد سعَى رجال العائلة ‏جميعًا للحصول عليه، حتى أن بعضهم سمَّى أولاده الذكور السبعة باسم محمد؛ ‏لتتحقق النبؤة لأيٍّ منهم، كما رفضوا بيع البيت، حتى المهاجِر منهم لأمريكا. ‏أحسب أن هذا الكنز كان من الممكن أن يخلِّق من حوله مواقفَ أكثر إثارة وفتح ‏مجال سحري مشوق، كما كان من الممكن أن يهَب النَّص تأويلاتٍ متعددةً لو أن ‏السردية تعاملت معه رمزيًّا بشكل فني مركَّب. بالرغم من أن الكاتب قد أشار لهذا ‏البعد الرمزي مرَّات في ثنايا العمل؛ فإنه لمْ يُنَمِّ تلك المنطقةَ بطريقة تهَب نَصَّه ‏أبعادًا متعددة، كأن يقول شريك أحمد المهاجِر له لإقناعه بالسفر: “قد تجد الكنز ‏هنا في انتظارك، يحرسه كنغر أجرَب” 53.‏
أو يتجسد هذا البُعد الرمزي في النهاية، حين اكتشفت الدولة البترول تحت أرض ‏البيت والمزرعة، في البلدة البعيدة، التي أقامت فيها نعمات، ووهَبَت رُبع أرضها ‏لأخيها (مختار)، ثم طوَّرها معها ابن أخيها فاضل؛ (محمد)، وتوسَّع فيها. كما ‏أنه في أحد أحلام والدة الراوي تعلِّق الجدة على الحلم وتفسره قائلة: “ستُنجبين ‏الولد، وتسمِّينه أحمد” مازحتها عمتي: “طيب ما نسمِّيه محمد ليكتشف الكنز”؛ ‏فقالت جدتي روحية بيقينها الثابت: “بل إنه هو الكنز” 14 ‏
ويعتمد الروائي على تقنية الأحلام وتأويلها في بنْية النَّص الأساسية “حلم الكنز”، ‏هذا بالإضافة إلى مجموعة من الأحلام الأخرى الحقيقية، أو أحلام اليقظة، التي ‏تهَب السرد بعض السريالية التعبيرية التي تُبرِز بواطن الشخصيات، وتضيف ‏بعض مواطن السحر في العمل. ‏
وتأتي نماذج بعض الشخوص الثانوية، التي تتقاطع حيواتها مع حياة أفراد شجرة ‏عائلة (آل الشيخ)؛ لترسم مصر الكوزموبوليتانية، بكل تعدُّدها الإنساني والديني ‏والعِرقي، يتزوج الشيخ من أُم فاضل؛ تركية الأصل، ويُحب نشأت ليليت الأرمنية، ‏وتصادِق زبيدة جارسيا وإفرايم اليهوديين، ومن أصول إيطالية، كما يُسهم ‏الفرنسيان؛ ناظر مدرسة الليسية وأخوه الطبيب في كشْف حالة حَسَن المرَضية، ‏وهكذا..‏
ومن خلال هذا التعدد في طبيعة تكوين المجتمع، وتعدُّد طبيعة شخوصه ‏واختلافاتها، يكثِّف الروائي لنَصِّه مقوماتِ وطبيعةَ روايات الأجيال؛ حيث تتعدد ‏بها القصص، وتمتد المراحل الزمنية وتتوالَى، فيمُر السرد على الأحداث الكبرى ‏الفارقة في المجتمع، مثل الحرب العالمية الأولى والثانية، وأحداث كبرى أخرى ‏متعدِّدة. وصولًا إلى أحداث يناير.‏
كما تتعدَّد الأماكن؛ حيث العاصمة وطبيعة حياة المدن الكبيرة بمناطقها التراثية ‏وما تهَبه من سِحر تاريخي، في مقارنة مع حياة الريف وطبيعته الخاصة، حيث ‏المواجهة بين المدينة والقرية، لا من حيث الطبيعة والمعمار فقط؛ بل من حيث ‏الإمكانات الثقافية والحضارية المتاحة لكلٍّ منهما، حيث تتيح رواية الأجيال بعضَ ‏الرصد والتوثيق، الذي يتطلَّب فقراتٍ وصفيةً تراعي تحولات المكان مع الزمن. ‏
وتتبدَّى اللغة في نَص “ورثة آل الشيخ” رصينة، قوية البناء، محكمة صياغة ‏الجُمل، كما أنها تتفاوت بين اللغة الناصعة القادرة على التعبير عن كل ‏المفردات، التي تصوغ مشاهد حيوية وغريبة، وذات طابع خاص بفضاء الرواية ‏التاريخي، ثم المعاصر.‏
كما يوظِّف الروائي المجازات والتشبيهات في مستويات متعددة، تتسق وطبيعة ‏الشخصيات، ونوع ما يجسِّدونه من أدوار، ما يفضِّلونه وينجذبون إليه أو يكرهونه، ‏مثل قوله وهو يصِف حال أبيه، حين يحكي عن عائلته، تلك المساحة التي يجد ‏ذاته فيها: “أخذ الكلام يسيل منه كماء الوضوء” 25، أو قوله: “تفعمني الغبطة، ‏تجذبني من طرف كُمي، فيما تمسك الرهبة بالكُم الآخَر. من لي ليقاسمني سعادة ‏اللحظة واضطرابها المحموم!” 82. فيبرع الكاتب في تجسيد المعاني بطريقة ‏محبَّبة وقريبة من القارئ، وتميل إلى تجسيد المشاعر والمعاني بتوظيف الحواس، ‏لتُصبح أكثر وقْعًا.‏
لكن تأتي بعض المفردات أحيانًا غير معتادة الاستعمال في بعض صِيَغها، كأن ‏يقول: “إنها الليلة التي شعرت فيها بإيشاكي على الإمساك بالقرد وانتزاع الكنز، ‏أكثر من أيِّ وقت لاحق” 20، حيث تبدو “إيشاكي” استخدامًا غيرَ مألوف على ‏الأسماع.‏
في هذا المقام للسرد الواقعي الذي يقدِّمه نَص “ورثة آل الشيخ” للروائي أحمد ‏القرملاوي، لنا أن نتساءل في ظِل اعتراف الكاتب للضابط، الذي يقرأ المخطوطة ‏داخل النص، ما هو قدْر المتخيَّل في هذا النَّص، وفي أيِّ مساحة منه يتدخل ‏خيال الروائي، وما هي مناطق الواقع الشاغرة، تلك التي يشعر بفراغها الروائي؛ ‏فيسعى لملئها من خياله؟ تلك الأسئلة يستطيع الروائي فقط أن يقدم إجابات ‏حولها.‏

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp
Print
booked.net
موقع الرسالة العربية