عاجل

إسرائيل.. استعدادات للحرب في الشمال
تحرك عاجل من مصارف الخليج المركزية بعد قرار الفيدرالي الأمريكي
ولي العهد السعودي: لن نقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل دون قيام دولة فلسطينية مستقلة
السيسي و«بلينكن» يتوافقان على تكثيف الجهود للتهدئة ووقف ضرب النار
النقل: لن نتعاقد مستقبلا على استيراد أي وحدات متحركة جديدة للمترو
النقل: لن نتعاقد مستقبلا على استيراد أي وحدات متحركة جديدة للمترو
الزمالك: مشاركة فتوح في المباريات قرار جوزية جوميز
ليفربول يهزم ميلان بثلاثية علي ملعبه
الجيزة: يفتتح معرض “أهلا مدارس” بفيصل بتخفيضات تصل لـ٣٠%
مياه الفيوم”: قطع المياه عن المدينة لمدة 10 ساعات
1.2 مليار جنيه حصيلة الجمارك من مخالفات سيارات ذوي الهمم
8.5 مليار دولار صادرات كيماوية متوقعة بنهاية العام الحالي
البنتاجون: لا تغيير في وضع القوات الأمريكية بمنطقة الشرق الأوسط
جامعة الدول العربية تدين الهجمات الإسرائيلية ضد لبنان
إسرائيل لم تبلغ إدارة بايدن قبل الهجوم على أجهزة اتصال حزب الله

# تجليات الخطابات الخاصة بالمرأة وانعكاساتها على الوعي وقضايا الطلاق

بقلم دكتورة / أماني فؤاد

يتجنَّب المثقفون والمعنِيُّون بحقوق الإنسان في المجتمع المصري والمجتمعات ‏العربية الفرزَ الدقيق لكثير من الخطابات الخاصة بالمرأة، سواء على قاعدة دينية ‏أو ثقافة مجتمعية، وسواء على مستوى النصوص وتفسيراتها وتأويلاتها، “النص ‏وسلطة النص”، أو المقولات الاجتماعية التي تهزُّ صورة المرأة، وتنتقص منها ‏أمام ذاتها، وأمام الرجُل، والمجتمع بصفة عامة. ‏
يتجنَّب هؤلاء المواجهاتِ مع التيارات الإسلامية كافة، المتشددة، أو التي تدَّعي ‏وسطيَّتَها، ويفضِّلون لأنفسهم المواقع الآمنة، التي يرددون فيها أن هناك قِيَمًا ‏إنسانية رفيعة خاصة بالمرأة لا تنكرها ثقافتنا العربية الإسلامية في جوهرها، ‏متجنِّبين تمامًا فرْزَ ما تجاوزته الصيرورة والتطور، حيث مكان تلك الخطابات ‏التاريخ ومتاحفه ومراحل انتهت بلا رجعة، وتجاوزتها وضعية المرأة الآن. ولذا ‏يمكن أن نصف هذا التوجُّه بأنه أزمة نُخَب قبْل أن تكون أزمة ثقافة مجتمع ‏برمته.‏
لم تؤدِّ المهادنة في يوم من الأيام إلى إنجاز نقْدٍ حقيقيٍّ لثقافتنا، التي يتنازعها – ‏منذ نهضتها – الصراعُ بين التحديث والتمسُّك بالأصالة، وموقع المرأة فيها بصفة ‏خاصة؛ لأن ما يتصوَّرونه دهاء أو إحاطة أنفسهم بمظهر المتَّسِق مع تلك ‏الخطابات – على أحد المستويات – يجعلهم لا يواجِهون الجذور الفكرية لتلك ‏المشكلات، ومناقشتها بعقلانية، ويتركون بعض الخطاباتِ الاجتماعيةَ والدينية ‏الظالمة للمرأة تزداد رسوخًا، وانتشارًا بين الطبقات كافة، وتؤثِّر في الوعي الجمعي ‏والتكوين النفسي العميق للجميع، بما فيهم المرأة نفسها.‏
‏ وطالما لم تتكشَّف تلك الأرضية المظلمة، ويُعاد تقييمها، ويُعلَن صراحةً عدم ‏صلاحيتها؛ لا يمكن أن نتوقع تغييرًا حقيقيًّا في ثقافة المجتمع الإسلامي، وخاصة ‏فيما يتعلق بالمساواة، التي ننشدها، وعدم التمييز، ولذا لا أتوقع إلا أن تزداد ‏نسب وقوع الطلاق في المجتمع المصري والعربي طالما لم تزل المرأة تشعر ‏بالظلم.‏
فالتنوير الحقيقي والنهضة يتطلَّبان موقِفًا جذريًّا على مستوى التنظير من ‏الأساس، وأن تكون المناقشات عقلانية وغير مرتعشة، تتسِق مع المُنجز البَشري ‏الحضاري العالمي، والتطورات التي لحقت به. والمنجز الذي أعنيه هنا ليس ‏العادات والتقاليد الغربية التي نراها لا تتسق وثقافتنا، بل المنجز الحضاري ‏الإنساني الذي نظر للمرأة بحسبانها إنسانا مطلقا له كل حقوق الإنسانية، وليس ‏أقل في الدرجة من الرجل. ‏
من تلك المقولات، ما يتردد حول أن المرأة ناقصة عقل ودين، ولهذا الخطاب ‏خطورته على مستوَيَين، أولا: فيما يتعلق برؤية المرأة لذاتها، فحينما تصدِّق ‏المرأة رخصة أنها منتقَصة على المستوى العقلي والديني؛ تستمرئ هذا ‏الاستخفاف بكيانها، وأنه لا يُتوقع منها الكمال أو الاقتراب منه، فلا تحرص ‏بعضهن على انضباط أدائهن، لأنه مهما فعَلَت؛ سيظل الجميع يتعامل معها حتى ‏النهاية بأنها ناقصة عقل ودين.‏
ثانيًا: عند أيِّ مواجهة بين المرأة والرجُل؛ يستشعر في داخله معاملة خاصة لهذا ‏الكائن، الذي تقول عنه النصوص الموروثة المقدسة، ومقولات السلف: إنه ‏ناقص عقل ودين، فيلحق المرأة النقصان لدى الرجُل على خلفية دينية ‏ومجتمعية، فيستخف بها. ومهما قيل في تفسير ذلك الحديث لتحسين صورة ‏المرأة، إلا أن الجميع يستخدمها ضد النساء. هذا بالإضافة إلى موضوع شهادة ‏المرأة وادعاء عاطفيتها وشهادتها غير موثوق بها لغلبة مشاعرها على أحكامها.‏
كما أصبح من الشائع للغاية أن تسمع رجل يقول للمرأة حين يستشعر أي ‏اعتراض منها على شيء (أهي هرمونات !؟، أو هل هذه فترتك!؟) وكأنه يسبها، ‏ويدعي انفعالها أو عدم اتزانها، وهو في الحقيقة يريدها أن تصمت، ولا تعترض ‏على ما يقوم به من أفعال غير صحيحة أو غير لائقة، هذا في مسعى خبيث كي ‏يضمن صمتها، ويسخر منها في الوقت ذاته، وكأنها بطبيعتها غير متزنة.‏
‏ هذه المقولات ترسخ تصور غير لائق بالمرأة، كما أنها تهَب بعض النساء ‏رخصة عدم الاكتمال أو محاولته؛ فلا تعمل على كبْح انفعالاتها، ولا تسعى ‏لضبْطها.‏
وعلى الطرف الآخر، لو راقبنا انفعالات الرجل وثوراته العنيفة، وحالات وصوله ‏لدرجة فائقة من العصبية، وعدم التحكم في ردود أفعاله، ومرات افتعاله للمشكلات ‏وتعقيد الأمور، والنظرة السوداوية للأمور والقضايا من حوله، لأصبح من ‏المستساغ القول بإنه يعيش في حالة هرمونية مستمرة ومستعرة، بلا انقطاعات. ‏
لكن لم تعتد النساء أن تحاكم الرجال في التاريخ، ولا أن تدعي عليهم التقولات ‏ولا أن تصفهم، فتصبح بعض أحوالهم صفة تلصق بطبيعتهم، النساء لم تكن ‏جهة إصدار أحكام، ولا تعميمها، لم تكتب الأساطير، ولم تتنزل عليها الأديان، ‏كما لم تكتب التاريخ ولا الأدبيات، فلقد حرمت من الكتابة من الأساس.‏
فماذا لو قُدمت الخطاباتُ في المجتمع على أن المرأة كاملة الأهلية والقدرة في ‏مستوى عادل من ضبط الأمور، وأنها شريكٌ للرجُل في العقل والإرادة والقدرة على ‏الفعل؛ ستشعر المرأة في ذاتها بالمسئولية الكاملة، ويتم تعديل نظرة الرجُل ‏والمجتمع إليها، ولن يشعر الجميع بأن المرأة مجرد جسد للمتعة والإنجاب ‏والخدمة، لن يشعروا بأنها كيان مضطرب الانفعالات، يُنعت بعدم الاستحقاق، ‏لتصويرهم إياها بأنها قنبلة قابلة للانفجار في أي لحظة دون عقلانية.‏
فكثيرًا ما لوحظ استخفاف بعض النساء بما يصدر عنهن أنفسهن، كأن تطلب ‏المرأة الطلاق مثلًا وهي لا تريده، أو يستخِف الرجُل بما تقوله، وكأنها غير ‏مسئولة عمَّا يقع منها من أقوال، فلقد أقنعوها أنها كائن عاطفي وغير عقلاني. ‏
يحصد المجتمع ما يُزرع فيه من ثقافة ومقولات، يحصده بطرق قاسية، مباشرة ‏وغير مباشرة، ومن تلك المستنبتات الذكورية الظالمة تتحدد مساحات تلقِّينا ‏وفهْمنا لأنفسنا، ولمَن هم حولنا، فالطبائع والأخلاق والقيم تُربى، حيث يفرضها ‏الأقوى؛ لخدمة مصالحه من أجْل السيطرة والهيمنة، ثم تتكرر تلك المقولات ويتم ‏تداوُلها، فيصدِّقها البَشر، البَشر الذين لا يُجهدون عقولهم بالتفكير.‏
ومن تلك الخطابات أيضا قولهم: لعَن الله قومًا ولَّوا عليهم امرأة، أو إن المرأة ‏مترددة، غير منظَّمة، عشوائية التفكير وردود الفعل، ولذا تتسبَّب مشورتها في ‏الخراب القريب كما البعيد، وتلك مقولات يتداوَلها الجميع ساخرين، مفتقرين للثقة ‏في المرأة، وحتى النساء أنفسهن يغلب على الأكثرية منهن الاعتقاد بصحة هذا ‏الادعاء. في حين أننا لو نظرنا لبعض البلدان الغربية، التي تتولَّى فيها المرأة ‏الحكم ومواقع أمن حساسة؛ لوجدنا نماذج من النساء تولَّت أمْر أوطانهن، ‏وأدارتها على أفضل ما يكون، فمن أزهى فترات الحكم الحديث، فترة حكم ‏المستشارة أنجيلا ميركل لألمانيا من 2005 ــ 2021، وأيضا رئيسة وزراء ‏إيطاليا جورجا ملوني من 2022 حتى الآن، ومن قبلهما المرأة الحديدية ‏مارجريت تاتشر، والكثيرات بلا حصر في الثقافة الغربية.‏


فلا العِلم ولا الواقع في الثقافات الأخرى يدلِّل على صحة ادعاءات وأحكام ثقافتنا ‏التي تتردد فيها الكثير من المقولات التي تجعل المرأة كيانا منتقصا. ‏
وحين يُقال في نص الحديث ــ لو ثبت صحته ــ إنه لو أُمر إنسان بأن يسجد لغير ‏الله؛ لأُمرت الزوجة أن تسجد لزوجها، نتساءل الآن: هل هذا خطاب عادل، وهل ‏ما يحث عليه يؤسس لعلاقة متوازنة تقوم على مبدأ الشراكة، وهل علاقة الرجُل ‏بالمرأة علاقة الرب بالعبد؟ نحن بحاجة إلى ثورة معرفية وثقافية تعيد تعديل ‏المفاهيم، التي استقرت بالوعي الجمعي؛ لتعيد الحقوق والعدالة إلى منظومة ‏العلاقات البشرية بين الرجال والنساء. وأحسب أن العدالة الإنسانية هي الجذر ‏المتغلغل الذي بإمكانه أن يحمي شجرة الزواج والأسرة، ففي أحد الحوارات سألني ‏أحد الصحفيين عن أسباب زيادة نِسَب الطلاق في المجتمع المصري والعربي، ‏وذكرتُ له أسبابًا عديدة، كان من أهمها: إن المرأة التي عَرَفت نفسها وقدراتها، ‏عرفت حقوقها إنسانا كامل التكوين، تلمس في كثير من التعاملات قدْر الظلم ‏والتمييز ضدها في ثقافة الجموع، والمرأة التي أصبحت تستطيع أن تعول نفسها ‏لن تقبل بهذا الغبن والافتقار للعدالة في هذه العلاقة، حيث يجب أن يُعاد صياغة ‏الرؤية التي تنظم علاقة الرجل بالمرأة، وكيفية المعاملات التي تتم بين الطرفين. ‏
‏ كما يتبدى النقاب أحد الخطابات السلبية التي يفرضها المجتمع على المرأة وذلك ‏حين يُفرض عليها زِيٌّ يشبه الخيمة السوداء، يُقصد به التعتيم، ألا يدفع هذا منذ ‏البداية إلى حصْر رؤيتها لنفسها ورؤية الآخرين لها في مساحة أنها جسد، دمية ‏للمتعة وللإنجاب والخدمة؟ أداة، وهنا لا يعوز الأداة بذلًا ذهنيًّا أو اشتغالًا على ‏العقل والقدرات، لا تعوزها الحكمة والاتزان، قدْر ما يعوزها أن تشتغل على إرضاء ‏الرجُل على المستوى الحِسِّي فقط. ‏
كما أقنعَتْها تلك الثقافةُ أن رغبتَها الجنسية تفوق الرجُل، وجعلوا تلك المنطقة أول ‏اهتماماتها، وأن عليها أن تلبِّيَ احتياجاتِ الزوج وإلا باتت الملائكة تلعنها، فمن ‏حق الرجُل تلبية إرادته حتى لو لم تُرِدْ هيَ، في هذه الثقافة خرجت العلاقة من ‏منطقتها البَشرية بين متكافئَين متساويَين لمنطقة الطاعة، فالرجُل يقوم مقام ‏الإله، وعلى المرأة أن تطيع، وإلا تلعنها الملائكة لعصيانها، ليس للمرأة أية إرادة ‏في هذه الثقافة الأبوية بامتياز. ونتابع.‏

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp
Print
booked.net
موقع الرسالة العربية