عاجل

نتنياهو: نحن في حالة وقف إطلاق نار مع حزب الله وليس نهاية الحرب
أوكرانيا: ارتفاع قتلى الجيش الروسي إلى 745 ألفا و700 جندى
جوتيريش يدعو لوقف فوري للأعمال العدائية في سوريا
استشهاد فلسطيني في قصف لجيش الاحتلال على بلدة النصر جنوب غزة
قاموس الروح
دراسة تكشف مفاجأة عن علاقة القهوة بالسرطان
الأمم المتحدة: نزوح 50 ألف شخص في سوريا خلال بضعة أيام
موعد مباراة الأهلي أمام أورلاندو بايرتس فى دوري الابطال
جوارديولا بعد الخسارة أمام “ليفربول”: سنبدأ الموسم مجددا
مرتجي في أمريكا لحضور قرعة المونديال
البيئة تكشف سبب جنوح سفينة الشحن بمدينة القصير
مجلس حكماء المسلمين يهنئ دولة الإمارات باليوم الوطني
الرئيس الكوري الجنوبي يعلن الأحكام العرفية الطارئة ويتعهد بالقضاء على أنصار كوريا الشمالية
تحذيرات من عاصفة جوية تضرب مصر والأمطار تغمر هذه المحافظات
طهران تعلن استعدادها لإرسال قوات إلى سوريا

# تجليات الخطابات الخاصة بالمرأة وانعكاساتها على الوعي وقضايا الطلاق

بقلم دكتورة / أماني فؤاد

يتجنَّب المثقفون والمعنِيُّون بحقوق الإنسان في المجتمع المصري والمجتمعات ‏العربية الفرزَ الدقيق لكثير من الخطابات الخاصة بالمرأة، سواء على قاعدة دينية ‏أو ثقافة مجتمعية، وسواء على مستوى النصوص وتفسيراتها وتأويلاتها، “النص ‏وسلطة النص”، أو المقولات الاجتماعية التي تهزُّ صورة المرأة، وتنتقص منها ‏أمام ذاتها، وأمام الرجُل، والمجتمع بصفة عامة. ‏
يتجنَّب هؤلاء المواجهاتِ مع التيارات الإسلامية كافة، المتشددة، أو التي تدَّعي ‏وسطيَّتَها، ويفضِّلون لأنفسهم المواقع الآمنة، التي يرددون فيها أن هناك قِيَمًا ‏إنسانية رفيعة خاصة بالمرأة لا تنكرها ثقافتنا العربية الإسلامية في جوهرها، ‏متجنِّبين تمامًا فرْزَ ما تجاوزته الصيرورة والتطور، حيث مكان تلك الخطابات ‏التاريخ ومتاحفه ومراحل انتهت بلا رجعة، وتجاوزتها وضعية المرأة الآن. ولذا ‏يمكن أن نصف هذا التوجُّه بأنه أزمة نُخَب قبْل أن تكون أزمة ثقافة مجتمع ‏برمته.‏
لم تؤدِّ المهادنة في يوم من الأيام إلى إنجاز نقْدٍ حقيقيٍّ لثقافتنا، التي يتنازعها – ‏منذ نهضتها – الصراعُ بين التحديث والتمسُّك بالأصالة، وموقع المرأة فيها بصفة ‏خاصة؛ لأن ما يتصوَّرونه دهاء أو إحاطة أنفسهم بمظهر المتَّسِق مع تلك ‏الخطابات – على أحد المستويات – يجعلهم لا يواجِهون الجذور الفكرية لتلك ‏المشكلات، ومناقشتها بعقلانية، ويتركون بعض الخطاباتِ الاجتماعيةَ والدينية ‏الظالمة للمرأة تزداد رسوخًا، وانتشارًا بين الطبقات كافة، وتؤثِّر في الوعي الجمعي ‏والتكوين النفسي العميق للجميع، بما فيهم المرأة نفسها.‏
‏ وطالما لم تتكشَّف تلك الأرضية المظلمة، ويُعاد تقييمها، ويُعلَن صراحةً عدم ‏صلاحيتها؛ لا يمكن أن نتوقع تغييرًا حقيقيًّا في ثقافة المجتمع الإسلامي، وخاصة ‏فيما يتعلق بالمساواة، التي ننشدها، وعدم التمييز، ولذا لا أتوقع إلا أن تزداد ‏نسب وقوع الطلاق في المجتمع المصري والعربي طالما لم تزل المرأة تشعر ‏بالظلم.‏
فالتنوير الحقيقي والنهضة يتطلَّبان موقِفًا جذريًّا على مستوى التنظير من ‏الأساس، وأن تكون المناقشات عقلانية وغير مرتعشة، تتسِق مع المُنجز البَشري ‏الحضاري العالمي، والتطورات التي لحقت به. والمنجز الذي أعنيه هنا ليس ‏العادات والتقاليد الغربية التي نراها لا تتسق وثقافتنا، بل المنجز الحضاري ‏الإنساني الذي نظر للمرأة بحسبانها إنسانا مطلقا له كل حقوق الإنسانية، وليس ‏أقل في الدرجة من الرجل. ‏
من تلك المقولات، ما يتردد حول أن المرأة ناقصة عقل ودين، ولهذا الخطاب ‏خطورته على مستوَيَين، أولا: فيما يتعلق برؤية المرأة لذاتها، فحينما تصدِّق ‏المرأة رخصة أنها منتقَصة على المستوى العقلي والديني؛ تستمرئ هذا ‏الاستخفاف بكيانها، وأنه لا يُتوقع منها الكمال أو الاقتراب منه، فلا تحرص ‏بعضهن على انضباط أدائهن، لأنه مهما فعَلَت؛ سيظل الجميع يتعامل معها حتى ‏النهاية بأنها ناقصة عقل ودين.‏
ثانيًا: عند أيِّ مواجهة بين المرأة والرجُل؛ يستشعر في داخله معاملة خاصة لهذا ‏الكائن، الذي تقول عنه النصوص الموروثة المقدسة، ومقولات السلف: إنه ‏ناقص عقل ودين، فيلحق المرأة النقصان لدى الرجُل على خلفية دينية ‏ومجتمعية، فيستخف بها. ومهما قيل في تفسير ذلك الحديث لتحسين صورة ‏المرأة، إلا أن الجميع يستخدمها ضد النساء. هذا بالإضافة إلى موضوع شهادة ‏المرأة وادعاء عاطفيتها وشهادتها غير موثوق بها لغلبة مشاعرها على أحكامها.‏
كما أصبح من الشائع للغاية أن تسمع رجل يقول للمرأة حين يستشعر أي ‏اعتراض منها على شيء (أهي هرمونات !؟، أو هل هذه فترتك!؟) وكأنه يسبها، ‏ويدعي انفعالها أو عدم اتزانها، وهو في الحقيقة يريدها أن تصمت، ولا تعترض ‏على ما يقوم به من أفعال غير صحيحة أو غير لائقة، هذا في مسعى خبيث كي ‏يضمن صمتها، ويسخر منها في الوقت ذاته، وكأنها بطبيعتها غير متزنة.‏
‏ هذه المقولات ترسخ تصور غير لائق بالمرأة، كما أنها تهَب بعض النساء ‏رخصة عدم الاكتمال أو محاولته؛ فلا تعمل على كبْح انفعالاتها، ولا تسعى ‏لضبْطها.‏
وعلى الطرف الآخر، لو راقبنا انفعالات الرجل وثوراته العنيفة، وحالات وصوله ‏لدرجة فائقة من العصبية، وعدم التحكم في ردود أفعاله، ومرات افتعاله للمشكلات ‏وتعقيد الأمور، والنظرة السوداوية للأمور والقضايا من حوله، لأصبح من ‏المستساغ القول بإنه يعيش في حالة هرمونية مستمرة ومستعرة، بلا انقطاعات. ‏
لكن لم تعتد النساء أن تحاكم الرجال في التاريخ، ولا أن تدعي عليهم التقولات ‏ولا أن تصفهم، فتصبح بعض أحوالهم صفة تلصق بطبيعتهم، النساء لم تكن ‏جهة إصدار أحكام، ولا تعميمها، لم تكتب الأساطير، ولم تتنزل عليها الأديان، ‏كما لم تكتب التاريخ ولا الأدبيات، فلقد حرمت من الكتابة من الأساس.‏
فماذا لو قُدمت الخطاباتُ في المجتمع على أن المرأة كاملة الأهلية والقدرة في ‏مستوى عادل من ضبط الأمور، وأنها شريكٌ للرجُل في العقل والإرادة والقدرة على ‏الفعل؛ ستشعر المرأة في ذاتها بالمسئولية الكاملة، ويتم تعديل نظرة الرجُل ‏والمجتمع إليها، ولن يشعر الجميع بأن المرأة مجرد جسد للمتعة والإنجاب ‏والخدمة، لن يشعروا بأنها كيان مضطرب الانفعالات، يُنعت بعدم الاستحقاق، ‏لتصويرهم إياها بأنها قنبلة قابلة للانفجار في أي لحظة دون عقلانية.‏
فكثيرًا ما لوحظ استخفاف بعض النساء بما يصدر عنهن أنفسهن، كأن تطلب ‏المرأة الطلاق مثلًا وهي لا تريده، أو يستخِف الرجُل بما تقوله، وكأنها غير ‏مسئولة عمَّا يقع منها من أقوال، فلقد أقنعوها أنها كائن عاطفي وغير عقلاني. ‏
يحصد المجتمع ما يُزرع فيه من ثقافة ومقولات، يحصده بطرق قاسية، مباشرة ‏وغير مباشرة، ومن تلك المستنبتات الذكورية الظالمة تتحدد مساحات تلقِّينا ‏وفهْمنا لأنفسنا، ولمَن هم حولنا، فالطبائع والأخلاق والقيم تُربى، حيث يفرضها ‏الأقوى؛ لخدمة مصالحه من أجْل السيطرة والهيمنة، ثم تتكرر تلك المقولات ويتم ‏تداوُلها، فيصدِّقها البَشر، البَشر الذين لا يُجهدون عقولهم بالتفكير.‏
ومن تلك الخطابات أيضا قولهم: لعَن الله قومًا ولَّوا عليهم امرأة، أو إن المرأة ‏مترددة، غير منظَّمة، عشوائية التفكير وردود الفعل، ولذا تتسبَّب مشورتها في ‏الخراب القريب كما البعيد، وتلك مقولات يتداوَلها الجميع ساخرين، مفتقرين للثقة ‏في المرأة، وحتى النساء أنفسهن يغلب على الأكثرية منهن الاعتقاد بصحة هذا ‏الادعاء. في حين أننا لو نظرنا لبعض البلدان الغربية، التي تتولَّى فيها المرأة ‏الحكم ومواقع أمن حساسة؛ لوجدنا نماذج من النساء تولَّت أمْر أوطانهن، ‏وأدارتها على أفضل ما يكون، فمن أزهى فترات الحكم الحديث، فترة حكم ‏المستشارة أنجيلا ميركل لألمانيا من 2005 ــ 2021، وأيضا رئيسة وزراء ‏إيطاليا جورجا ملوني من 2022 حتى الآن، ومن قبلهما المرأة الحديدية ‏مارجريت تاتشر، والكثيرات بلا حصر في الثقافة الغربية.‏


فلا العِلم ولا الواقع في الثقافات الأخرى يدلِّل على صحة ادعاءات وأحكام ثقافتنا ‏التي تتردد فيها الكثير من المقولات التي تجعل المرأة كيانا منتقصا. ‏
وحين يُقال في نص الحديث ــ لو ثبت صحته ــ إنه لو أُمر إنسان بأن يسجد لغير ‏الله؛ لأُمرت الزوجة أن تسجد لزوجها، نتساءل الآن: هل هذا خطاب عادل، وهل ‏ما يحث عليه يؤسس لعلاقة متوازنة تقوم على مبدأ الشراكة، وهل علاقة الرجُل ‏بالمرأة علاقة الرب بالعبد؟ نحن بحاجة إلى ثورة معرفية وثقافية تعيد تعديل ‏المفاهيم، التي استقرت بالوعي الجمعي؛ لتعيد الحقوق والعدالة إلى منظومة ‏العلاقات البشرية بين الرجال والنساء. وأحسب أن العدالة الإنسانية هي الجذر ‏المتغلغل الذي بإمكانه أن يحمي شجرة الزواج والأسرة، ففي أحد الحوارات سألني ‏أحد الصحفيين عن أسباب زيادة نِسَب الطلاق في المجتمع المصري والعربي، ‏وذكرتُ له أسبابًا عديدة، كان من أهمها: إن المرأة التي عَرَفت نفسها وقدراتها، ‏عرفت حقوقها إنسانا كامل التكوين، تلمس في كثير من التعاملات قدْر الظلم ‏والتمييز ضدها في ثقافة الجموع، والمرأة التي أصبحت تستطيع أن تعول نفسها ‏لن تقبل بهذا الغبن والافتقار للعدالة في هذه العلاقة، حيث يجب أن يُعاد صياغة ‏الرؤية التي تنظم علاقة الرجل بالمرأة، وكيفية المعاملات التي تتم بين الطرفين. ‏
‏ كما يتبدى النقاب أحد الخطابات السلبية التي يفرضها المجتمع على المرأة وذلك ‏حين يُفرض عليها زِيٌّ يشبه الخيمة السوداء، يُقصد به التعتيم، ألا يدفع هذا منذ ‏البداية إلى حصْر رؤيتها لنفسها ورؤية الآخرين لها في مساحة أنها جسد، دمية ‏للمتعة وللإنجاب والخدمة؟ أداة، وهنا لا يعوز الأداة بذلًا ذهنيًّا أو اشتغالًا على ‏العقل والقدرات، لا تعوزها الحكمة والاتزان، قدْر ما يعوزها أن تشتغل على إرضاء ‏الرجُل على المستوى الحِسِّي فقط. ‏
كما أقنعَتْها تلك الثقافةُ أن رغبتَها الجنسية تفوق الرجُل، وجعلوا تلك المنطقة أول ‏اهتماماتها، وأن عليها أن تلبِّيَ احتياجاتِ الزوج وإلا باتت الملائكة تلعنها، فمن ‏حق الرجُل تلبية إرادته حتى لو لم تُرِدْ هيَ، في هذه الثقافة خرجت العلاقة من ‏منطقتها البَشرية بين متكافئَين متساويَين لمنطقة الطاعة، فالرجُل يقوم مقام ‏الإله، وعلى المرأة أن تطيع، وإلا تلعنها الملائكة لعصيانها، ليس للمرأة أية إرادة ‏في هذه الثقافة الأبوية بامتياز. ونتابع.‏

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp
Print
booked.net
موقع الرسالة العربية