كتبت / منال خطاب
سي السيد بين الواقع والخيال
******
( سي السيد الحقيقي .. الرجل الورع الذي ظلم حيا و ميتا )
.. خدعونا بأكذوبة .. لم تكن يوما ما تمثل الحقيقة
“سي السيد” الحقيقي اسمه عبد الجواد محمد سعيد، ولد عام 1905 في درب الأتراك الذي تغير اسمه لشارع الشيخ محمد عبده خلف الجامع الأزهر بالقاهرة وكان يعمل بالعطارة، أما والده فقد تزوج من تسع نساء أنجبت له ثلاث منهن، فكان ل “سي السيد” أخ شقيق واحد أكبر منه بينما كان اخوته وأخواته لأبيه كثيرين في صعيد مصر حيث كان أبوه يسافر ليجلب بضاعته .
بدأ ” سي السيد” العمل مع والده في محل العطارة منذ ان كان عمره 12 عاما وكون سمعة طيبة حتى اصبح من أكبر تجار العطارة في الحسين . ولا يزال المحل قائما ويحمل نفس الاسم ” البركة ” ويقع في شارع جوهر القائد بحي الحسين بنفس مكانه منذ 160 عام و يديره الآن ابن “سي السيد” الحاج محمد عبد الجواد الذي ورث العطارة عن والده ويعاونه فيها أبناؤه سامح وإيهاب .
عاش سي السيد “الأصلي” في منزله الكائن بمنطقة الباب الأخضر أمام مسجد الحسين، وكان يفضل أن يرتدي الطربوش والجلباب البلدي الذي يتوسطه حزام من الحرير وقفطان ( لبس يشبه لحد ما ملابس طلاب و شيوخ الأزهر )
كانت تربطه صداقة بكبار الكتاب والفنانين، وكانت جلساتهم المفضلة إما في قهوة الفيشاوي أو في محل العطارة الخاص به، وعلى رأس هؤلاء الكاتب الكبير نجيب محفوظ و أنيس منصور والمخرج الكبير حسن الإمام و يوسف السباعي .
وعن تفاصيل اليوم العادي في حياة أسرة سي السيد الحقيقي يقول ابنه الحاج محمد في أحد الحوارات الصحفية : “كانت حياتنا منظمة ودقيقة جدا، فكانت أمي تستيقظ مبكرا لتحضر لأبي طربوشه وتساعده في لبسه عند خروجه لصلاة الفجر ثم تبدأ في اعداد طعام الإفطار حيث كان ابي يعود ليفطر بعد الصلاة ونكون نحن قد استيقظنا أنا وأخواتي فنقف أمامه ويجلس الى الطبلية وكنت أجلس معه أنا والبنتان الصغيرتان أما أخواتي الكبيرات فكن يأكلن بعده مع أمي لانشغالهم في أعمال البيت مش لأنه كان بيمنعهم زي ما قيل في الفيلم و الرواية وبعد الافطار كان يذهب ليفتح الدكان، وبعد الظهر كان يعود الى البيت لتناول طعام الغداء وبعد الغداء كان ينام لساعة او ساعتين ثم يستيقظ ليعود الى المحل ولم أكن أراه عند عودته ليلا “.
و يؤكد الحاج محمد في حديثه عاتبا على الكاتب نجيب محفوظ لما وصف به شخصية سي السيد في الفيلم فيقول : ” كان والدي رجل صالحاً ورعاً، دائماً ما يعقد حلقات الذكر داخل محل العطارة الخاص به حتى منتصف الليل ويحضر هذه الحلقات كبار العلماء والشيوخ في مصر مثل الشيخ محمد أبو الليل وهو من علماء الأزهر الشريف والمقرئين أمثال الشيخ البهتيمي والشيخ مصطفى إسماعيل والشيخ طه الفشني والشيخ محمد الفيومي المنشد الديني والشيخ محمود عبد الحق والشيخ عبد الباسط عبد الصمد”
و يستطرد ابن سي السيد الحقيقي كلامه و يقول أنه لا ينكر أن والده اتسم بالحزم والشدة والقسوة في بعض الأحيان، وأنه كان من الصعب عليه وعلى أخواته البنات الست التحدث إليه مباشرة في أي موضوع، لذا فقد كانوا يوكلون الأمر إلى والدتهم السيدة “أمينة”،
ويتذكر كيف كانت تهرول أمه بالمبخرة وتمطره بالدعوات أو بكلام يفتح نفسه مثل “ربنا يفتح عليك ويوقف لك ولاد الحلال”. و يستطرد قائلا : “ولكنه كان أيضاً يسمح لنا بقليل من الرفاهية، حيث كان يذهب بنا إلى منطقة روض الفرج لنستقل مركباً تنقلنا إلى القناطر الخيرية، كذلك كنا نذهب معه إلى السينما لنشاهد الأفلام المحترمة فقط مثل فيلم “هذا جناه أبي” والذي قام ببطولته زكي رستم وفيلم “خلود” بطولة فاتن حمامة و عز الدين ذو الفقار” . و جدير بالذكر ان أبناء”سي السيد” في الرواية هم ثلاثة ذكور ( ياسين وفهمي وكمال) وابنتان هما (عائشة وخديجة) ، لكن الشخصية الحقيقية كان لديه ولد واحد و 6 بنات.
توفى سي السيد عبد الجواد في 5 ديسمبر 1955 ، أي قبل عام واحد من صدور الثلاثية، وكانت وفاته صدمة كبيرة لإبنه “محمد” ، فلم يحصل على التوجيهية واكتفى بالثقافة لكي يباشر تجارة والده ويزوج أخواته البنات . ويذكر الحاج محمد أن نجيب محفوظ ظل يتردد عليه، وكانت زيارته الأخيرة لمحل عطارة “سي السيد” منذ اكثر من 17 عاما، تخللها عتاب بينهما عن الصفات التي أضافها على شخصية والده في الثلاثية، فقد وصفه بالمجون ومجالسته للعوالم، وهي صفات لا تمت إلى “سي السيد” الأصلي بصلة، فما كان من محفوظ إلا أن أجابه ضاحكاً : ” الأكلة ما تحلاش من غير بهارات ” !!!