بقلم / رضا اللبان
*للسماء رجال!!*
قصة عجيبة جداً!
من أجمل القصص الواقعية ما يرويه أحد الأمراء المسئولين في السعودية ..
يقول: خرجت للحج هذا العام مثل الأعوام السابقة، فأنا أحب الحج كفريضة وأيضاً كرحلة إيمانية، لكن في هذا الحج حدث شيئ مختلف زلزل كل مفاهيمي عن الحياة.
كنت في ليلة التروية في مخيم مِنىٰ، طبعاً المخيم خاصتي من أفخم المخيمات إن لم يكن أفخمها على الإطلاق، لكني سبحان الله شعرت بضيق التنفس فخرجت للمشي وحدي بدون مرافقين ولا حراسة ومعي هاتفي فقط .. ظللت أسير علي غير هدى نحو الجبال، وفي الظلام على صخرة بعيدة لمحت رجلاً مسناً في عمر السبعين أو يزيد، وجدته يجلس وحيداً، وحين رآني قال لي: هو أنت اللي جايب لي اللحمة ؟!
تعجبت من كلامه وقلت له: وهل أنت تنتظر أحداً يوصل لك لحماً؟ هل أنت طلبت لحماً من مطعم مثلا ؟!
فقال لي بكل ثقة: لا .. بل طلبتها من الله، رب كل أصحاب المطاعم، فأنا لم آكل اي شيء منذ العصر ولقد طلبت من الله لحمة وأنتظر من يرسله بها!
فضحكت بعفوية من هذا العجوز الجائع الذي ينتظر اللحم في عز الليل في منطقة مقطوعة
وقلت لنفسي والله لأحضرن له طلبه.
كلمت أحد المسئولين في مخيمي وأرسلت له موقعي على الهاتف، وطلبت منه صحناً كبيراً فيه أجود أنواع اللحم، وفعلاً أتى لي أحد العمال به فوضعته أمامه، فهلّل وكبّر وسمّىٰ اللهَ وأكل بنهم شديد، يبدو أنه كان جائعاً بالفعل، وبعد أن انتهى قال: يارب رزقتني باللحمة وهي كانت حلوة فعلاً، والآن أنا أريد أن أشرب شاي بالنعناع، مش بأحب الشاي من غير نعناع يارب .. وأنا أستغرب من دعائه .. هل ينتظر فعلاً أن يأتيه شاي وكمان بالنعناع في تلك البقعة المقطوعة؟!
المهم أنه نظر إليَّ وسألني: أنت عاوز بواقي الأكل دا؟
فقلت لا .. لا شكراً.
فجمع بقية الطعام
وأعطاه لأول جماعة تمر من أمامنا وأحسبهم كانوا من أهل الشام وقال لهم هذا رزق من الله أرسله لكم، فأخذوا الطعام وشكروه الناس ومضوا في سبيلهم، لكن بعد لحظات عاد أحدهم وفي يده كوب شاي وقال له ياشيخ هذه لك وأرجو أنك تقبلها منا كما قبلنا منك اللحم.
فقال الحاج العجوز وهل الشاي دا فيه نعناع؟!!
فقال له الرجل: لا .. لكن معنا نعناع .. ثواني سأحضر لك النعناع، فقال له: هل ممكن تجيب كوب شاي تاني للراجل اللي جنبي دا؟ .. هو دا اللي ربنا بعته لي ولكم باللحمة.
وأنا والله العظيم مذهول مما أسمع وأرى، ومن شدة ذهولي لم أنطق أو أعترض!
أخذت كوب الشاي وشربته معه، وأقسم بالله لم أذق مثل حلاوة هذا الشاي من قبل!
وبعد أن شرب الشاي في صمت وهدوء وسكينة، حمد الله وطلب من الله مخدة (إي والله مخدة!) لينام عليها وقال: يارب ارزقني بمخدة .. أنت عارف إني مش بأقدر أنام على الصخر من غير مخدة!
وأُقسِم بالله العظيم ….أُقسِم بالله العظيم ماهي إلا لحظات حتى أتت مجموعة من الحجاج المغاربة .. عرفتهم من كلامهم، وجلسوا بجانبنا
وفرشوا سجادة ووضعوا وسائدهم عليها،
فاستأذنهم في وسادة، فاخذها ونام، وسمعته يقول: يارب الجو حار جداً حتى بالليل .. أرسل لنا نسمة هواء علشان أقدر أنام!
ومرة أخرى .. أقسم بالله العظيم، هبَّت نسمة هواء لطيفة بالفعل!
وهنا صرختُ فيه وعيناي تدمعان: الله أكبر .. الله أكبر! أنت مين يا شيخ ؟؟
فقال لي: عبد من عبيد الله، وسيبني أنام ورانا بكرة يوم طويل، سيبني أنام وإلا هادعي عليك!
والله العظيم ارتعبت حرفياً، وطلعت أجري ولم أتوقف إلا في المخيم، وهناك قابلت الشيخ الذي كان معنا في المخيم (وهو واحد من أشهر مشايخ السعودية، وهو حي يرزق وشاهد علي ما أقول) وحكيت له قصتي، فقال لي والله إني لأحب أن ألتقي بهذا الرجل الذي يدعو فيستجاب له في الحال!
فذهبت معه مسترشداً باللوكيشن الذى كنت قد أرسلته لمساعدي في المخيم، لنجد أن الرجل قد قام من نومه ويستعد للتحرك، فقلت له على فين ياحاج ؟؟
فقال لي: الفجر خلاص قرب، هدور علي مكان أتوضىٰ فيه علشان أصلي الفجر، فقلت له يا حاج أنت عارف أنا مين؟ والشيخ اللي معي دا مين ؟؟
فقال لي: أيوه طبعاً عارفكم .. أنت عبد من عبيد الله زيي، فذكرت له اسمي واسم الشيخ الذي معي، فقال لنا بدون أي اهتمام إطلاقاً: أيوة يعني عبيد الله .. زيي، فعرضت عليه أن يكمل الحج معنا فرفض وقال أفضّل أن أحج علي طريقتي، فأعطيته كارت فيه رقم تليفوني الشخصي ليتصل بي إذا احتاج إلى أي شيء، فقال لي بصوت كله إيمان: وأكلمك ليه وأطلب منك ليه
وأنت عبد فقير زيَّك زيِّي؟ ما أنا لو عاوز حاجة أطلبها من ربي وربك، ولو شاء لجعل الخير يأتيني علي يديك أو على يدي غيرك .. ومضى في طريقه، فناديت عليه وقلت له ممكن طيب تدعي لي يا حاج؟ فقال لي بلهجه الواثقين: وليه أنت ما تدعيش لنفسك؟ فقلت له لكن أنت ياحاج دعاؤك ماشاء الله مستجاب، فقال لي: يبقى حاول تدعي وتتقرب إلى الله حتي يصبح دعاؤك أنت كمان مستجاب .. ثم قال أمامنا: اللهم ارزقني
بسياره تنقلني الي الجامع .. رجلي مش قادرة تشيلني يارب!
وبينما هو يتحرك ببطء بسبب سنه وضعفه رأينا أنا والشيخ الجليل الذى معى سيارة دورية للحجيج تقترب منه وتتوقف عنده، وركب مع أفراد الدورية في سيارتهم!
فالتفت لي الشيخ الذى كان معي وقال لي
يا سمو الأمير .. نحن رجال معروفون في الأرض
لكن هناك رجالاً معروفين في السماء، وكما أن ترتيبنا في الدنيا مختلف فإن ترتيبنا كذلك في السماء مختلف، وأعتقد أننا قد التقينا الآن برجل معروف في السماء باسمه واسم أبيه!
—————————————-
ملحوظة هامة:
كل ماسبق هو أحداث قصة حقيقة بدون زيادة ولا نقصان.