كتب / رضا اللبان
لم ينتظر جيش المماليك المصري بقيادة سيف الدين قطز والظاهر بيبرس جحافل المغول بقيادة “كتبغا”، أحد قادة هولاكو، بل اندفع لملاقاتها في منتصف الطريق.
كان المغول في تلك الأثناء قد وضعوا أعينهم على الشرق الإسلامي وزحفوا غربا في مسيرة دموية وحشية دمرت الدولة الخوارزمية التي امتدت على رقعة واسعة في آسيا ضمت أفغانستان وإيران، ثم قضوا على الخلافة العباسية بتدمير بغداد وقتل الخليفة المستعصم بالله.
جيوش المغول الجرارة بقيادة هولاكو واصلت زحفها واستولت على جميع مدن الشام وفلسطين. الزحف توقف فجأة في 11 أغسطس 1259 بوفاة زعيم المغول “مونكو خان”. هولاكو استدار مع قسم كبير من قوات الغزو نحو الشرق، وترك كاتبغا أحد قادته في سوريا مع قوات تقدر بعشرين ألف مقاتل.
كاتبغا وكان يتمركز في سهل البقاع، وصلته انباء عن دخول جيش المماليك إلى سوريا وتوجههم نحو الشمال. استنفر قواته وجمع الحاميات المنتشرة في المنطقة وشار جنوبا إلى مرج ابن عامر بالقرب من عين جالوت في فلسطين، وتمركز هناك في موقع راي أنه مناسب لخوض القتال.
جيش المماليك كان يقدر باثني عشر ألف مقاتل، إلا أن العديد من الباحثين يعتقد أن سيف الدين قطز كانت توجد بتصرفه قوات إضافية.
كان المماليك يمثلون قوة النخبة في هذا الجيش، لكن القسم الأكبر كان يتكون من جنود مصريين، إضافة إلى مفارز من الأكراد والبدو وفرسان من التركمان.
التقى الجيشان صبيحة يوم 3 سبتمبر عام 1260 وكان هذا التاريخ يوافق 25 رمضان. حاول كل طرف انتزاع المبادرة من البداية. اندفع المماليك إلى المعركة بحماسة، وقابلهم المغول بالمثل.
إحدى الروايات تقول إن الجناح الإيسر لجيش المماليك المصري تعثر وتراجع وكان قطز شاهدا على الموقف، إلا أنه أظهر مهارات في القيادة وحافظ على هدوئه، وقاد هجوما مضادا أسفر في نهاية المطاف إلى تحقيق انتصار تاريخ على المغول.
سيف الدين قطز بحسب رواية أخرى، أوقع قائد المغول كاتبغا وكان كبيرا في السن في كمين محكم بتراجع وهمي ثم بهجوم من ثلاث جهات. سحق جيش المغول وقبض على قائدة كاتبغا وتم إعدامه.
انتصار جيش المماليك المصري على المغول في معركة عين جالوت كان كاملا، وكانوا مجبرين على إخلاء دمشق وخلب والتراجع إلى ما وراء الفرات.
لم يكن جيش المغول الذي تعرض إلى هزيمة قاسية في تلك المعركة التاريخية ضخما، إلا أن هذا النصر أسقط أسطورة أن جيوش المغول لا تقهر. تبدد الرعب الذي كان يسبق حوافر خيلهم ويجعل خصومهم يفرون هلعا على مسافة كبيرة من طلائعهم.
معركة عين جالوت كانت ثأرا مشهودا على تدمير بغداد ودمشق وحلب. في هذه المعركة توقف الزحف المغولي وبدأ الخطر الداهم في التبدد.
المغول كانوا أقاموا إمبراطورية ضخمة امتدت من البلقان إلى كوريا ومن غابات سيبيريا إلى غابات ميانمار. معركة عين جالوت كانت بمثابة سد رد جحافل المغول على أعقابها أمام أبواب مصر.