عاجل

خبير: ترامب لن يقارع بوتين والمطالب الروسية ستكون حاضرة بسقف عال على طاولة المفاوضات
“الكاف” يعلن موعد ومكان قرعة ربع نهائي دوري أبطال إفريقيا
“كفاك جنونا وغطرسة”.. الصدر يهاجم ترامب
*تعاون أفريقي أوروبي لإنتاج أحدث اللقاحات القائمة على الحمض النووي الريبوزي : توقيع مذكرة تفاهم بين شركات «إيفا فارما» و«دي إن إيه سكريبت» و«كوانتوم بيوساينسز»*
“يديعوت أحرونوت”: قد نرى مزيدا من قادة “حماس” أحياء بعد ظننا أننا قتلناهم
العفو الدولية تطالب واشنطن باعتقال نتنياهو
ترامب يهدد بـ”محو إيران من الوجود” إن تورطت في اغتياله
ترامب: ما حدث في غزة سيحدث مرارا وتكرارا.. الحل يكمن في خروج الفلسطينيين من القطاع
حماس تعلن بدء محادثات ثاني مراحل اتفاق غزة.. وإسرائيل ترسل وفدًا للدوحة
الرئيس المصري والعاهل الأردني يؤكدان خلال اتصال هاتفي: الدولة الفلسطينية الضمانة الوحيدة للسلام
تراجع مواليد مصر لأقل من 2 مليون سنويًا لأول مرة منذ 17 عامًا.. خبراء يفسرون
الجيش السوداني يتقدم في مناطق نفوذ قوات الدعم السريع في الخرطوم
شارع الأعشى” مسلسل سعودي في رمضان تدور أحداثه بالرياض
أردوغان خلال مؤتمر صحفي مع الشرع: سنرفع العلاقات مع سوريا إلى المستوى الاستراتيجي
الرئيس الإماراتي وولي العهد السعودي يؤكدان أن “حل الدولتين” أفضل ضمان لاستقرار الشرق الأوسط

**في ذكرى نجيب محفوظ.. تأملات في رحلة الشيخ عبد ربه التائه**

كتبت / منال خطاب

**في ذكرى نجيب محفوظ.. تأملات في رحلة الشيخ عبد ربه التائه**

– من يومين مرت ذكرى أديبنا الكبير الراحل نجيب محفوظ اللي غادر عالمنا في 30 أغسطس سنة 2006 عن عمر 94 عاما.

– الحقيقة إن الكلام عن نجيب محفوظ متكرر ومنتشر طبعا، لكن مع ذلك العمر المديد لمحفوظ وتجربته الهائلة وإنتاجه الضخم والعظيم بيخلي بحر الكلام عنه لا ينضب أبدا، وبيخلينا عايزين نحيي ذكراه السنة دي مرة تانية بدردشة جديدة عن محفوظ، هتكون تأمل في رحلته الأدبية، وعلى هامشها تأمل في دوره كمثقف وأديب وعلاقته بالسياسة والمجتمع في مصر.

– زي ما هو معروف، نجيب محفوظ ولد في حي الجمالية سنة 1911، وحصل على ليسانس الفلسفة من كلية الآداب في جامعة القاهرة اللي كان اسمها وقتها جامعة فؤاد الأول سنة 1930، وزي ما هنشوف لاحقا، فضل نجيب محفوظ متأثر جدا بدراسته للفلسفة رغم توجهه للأدب، وبيظهر في أعماله اهتمام شديد بقضايا فلسفية زي الإيمان والموت والنموذج المثالي للمجتمع.

– أول أعمال محفوظ كانت مجموعة قصصية بعنوان “همس الجنون” لكن المجموعة دي تأخر نشرها كمجموعة، أما أول أعماله المنشورة فكانوا تلت روايات بتدور أحداثهم في مصر القديمة، وعلشان كده بيتسموا بالمرحلة التاريخية.

– اختيار محفوظ للرواية التاريخية علشان يبدأ بيها كان مرتبط بالتأكيد بمناسبة النوع ده من الروايات للأدباء في بداياتهم، لكنه كمان كان اختيار قائم على رؤية محفوظ الوطنية في المرحلة دي، واللي كانت بتشوف في تاريخ مصر الفرعونية القديمة مصدر للإلهام بالتمرد على الاستبداد والاحتلال.

– في روايته التانية، وهي كفاح طيبة، بيحاول محفوظ يستلهم تجربة طرد الهكسوس من مصر علشان يسقطها على نضال المصريين في الوقت ده ضد الاحتلال البريطاني، وفي رادوبيس، بيركز محفوظ على تجربة الاستبداد والاستغلال الاجتماعي من الطبقات العليا الدينية والاقتصادية في مصر القديمة علشان يسقطها برده على الاستبداد السياسي اللي مصر كانت بتعاني منه في الوقت ده.

– مهم نلاحظ هنا الطريقة الوطنية اللي محفوظ استلهم بيها التاريخ المصري القديم في مقابل الطريقة العنصرية المتطرفة اللي بنشوفها حاليا من بعض المجموعات الرقمية في استلهام التاريخ ده.

– محفوظ مكانش بيحاول يقول إن المصريين أفضل عنصريا من غيرهم، وبنلاحظ مثلا في رواية كفاح طيبة إنه ابتدع قصة حب بين الملك المصري أحمس وبين أميرة من الهكسوس، علشان يميز بين العداء السياسي مع الهكسوس كاحتلال وبين التواصل الإنساني اللي مفيهوش عنصرية.

– محفوظ برده كان بيستلهم التاريخ ده لمواجهة الاستبداد السياسي والاحتلال الأجنبي، مش بيستلهمه ضد مجموعات ضعيفة من اللاجئين أو الأقليات أو مجموعات عرقية مختلفة زي الشعوب المجاورة، وده الفرق بين الوطنية وبين العنصرية المتطرفة.

**
إزاي السياسة بتأثر على حياتنا؟

– بعد تجربته مع الرواية التاريخية، بينتقل محفوظ لكتابة الرواية الواقعية، اللي بتتكلم عن المجتمع المصري في وقت كتابة نجيب محفوظ في الحقبة الملكية تحت الاحتلال البريطاني.

– الروايات دي كلها بتركز على انعكاس الاستبداد السياسي والاحتلال الأجنبي على شخصية وأخلاق الطبقات الشعبية المصرية، علشان يعرفنا إن المشكلة مش مشكلة ضمير أو أخلاق زي ما بعض الناس بيقولوا، ولكن إن الاستغلال والظلم بيصنعوا ناس مش قادرين يتمسكوا بأي مبادئ.

– بنشوف ده في رواية القاهرة الجديدة اللي بيكتبها محفوظ علشان ينتقد فترة 1930 إلى 1935 وهي الفترة اللي علّق فيها الملك الدستور، فمحفوظ بيصور قد إيه الحكومة فسدت مع تعليق الدستور اللي هو الأداة الأساسية لضبط سلوك الحكومة، وفي نفس الوقت بيورينا إزاي ده انعكس على المجتمع بصعود نماذج إنسانية ساقطة زي محفوظ عبد الدايم، وبيأدي لانتهاك المجتمع وأخلاقه من خلال تحطيم حب الفتاة الفقيرة إحسان شحاتة واستغلالها من قبل أحد الأثرياء النافذين في السلطة.

– في الروايات التالية من المرحلة دي، زي زقاق المدق وخان الخليلي وبداية ونهاية، بيعالج محفوظ الأثر المدمر للحرب العالمية التانية على الحياة الاجتماعية للطبقات الشعبية المصرية وظروفها الاقتصادية، وبيورينا محفوظ إزاي تدهور الظروف الاقتصادية دي ممكن يخلي الناس يفقدوا الوازع الوطني عندهم ويتردوا لمستويات خطيرة من الانتهازية والأنانية واليأس.

– اللي يقرأ أعمال محفوظ في المرحلة دي يلاقي إن محفوظ كأنه بيقول بوضوح إن الوضع ده لا يمكن يستمر، وإن النظام ده لابد إنه هيسقط وينتهي، وإن الاستعمار والاستبداد مش هيقودوا المجتمع إلا للتردي.

– مهم برده هنا نشوف صدق محفوظ في تصوير الأوضاع، هو مش عايز يزين شيء، هو عايز يكون عنده نظرة نقدية صادقة للمجتمع، وكأنه بيرد على اللي شايفين إن دور الفن هو إنه يقدم صورة مزخرفة دعائية للواقع وبيتهموا اللي بيعمل غير كده بمحاولة تشويه مصر، محفوظ بيقول إن دور الفن إنه ينتقد الواقع ده علشان يدفعه في اتجاه أفضل.

**
الثورة والديمقراطية

– بعد ثورة يوليو 1952، تفرغ محفوظ فترة لكتابة تاريخ القاهرة في الفترة السابقة على الحرب العالمية التانية من خلال الثلاثية الشهيرة بين القصرين، وقصر الشوق، والسكرية، وكأنه كان في انتظار لقراءة تجربة الثورة.

– بعد كده بيتجه لمرحلته التالتة، اللي بستمى أدبيا بالواقعية الرمزية، واللي بيبدأ يطرح فيها أسئلة حول الدين والموت والإيمان والعلم والإنسان في ظل التصورات الحديثة، والمرحلة دي اللي ناس كتير بيتهموا محفوظ إنه تعمد فيها التهجم على الأديان، رغم إن في الحقيقة محفوظ في المرحلة دي كان بيثير نقاش مهم جدا عن معنى الإيمان الحقيقي وأهميته في العالم الحديث، وده نقاش المفروض يحرص عليه أي إنسان.

– لكن دايما محفوظ زي ماتكلمنا كان بيربط بين التساؤلات الوجودية والإيمانية دي للإنسان، عن العدالة الإلهية وأهمية تدخلها لإنقاذ الإنسان من الحيرة، وبين التساؤلات الاجتماعية عن السلطة، وهل السلطة المفروض تتحكم في مصير مواطنيها بدون الرجوع إليهم لأنها عارفة مصلحتهم، ولا لازم الناس تختار.

– هنا محفوظ كان بيطرح نقد ذكي وضمني للنظام في مصر وقتها، اللي كان بيقول دايما إنه نظام وطني وحريص على العدالة الاجتماعية، لكن في المقابل كان بيرفض إنه يسمع الناس، وبيقمع أي صوت مختلف، وده كان بيتسبب في استشراء الفساد وتمكن الوصوليين والفاسدين من السيطرة على أجهزة الدولة، وده الي أثاره محفوظ بذكاء في رواية ثرثرة فوق النيل، قبل عام واحد فقط من هزيمة يونيو، كأن محفوظ مرة تانية بيتنبأ بإننا في طريقنا نحو الهزيمة ما لم نتدارك أخطاءنا السياسية من خلال الديمقراطية.

– في السبعينات، بيبدأ محفوظ ينتقد بشكل أقسى العهد الناصري بسبب غياب الديمقراطية من خلال رواية الكرنك اللي أثارت ضده انتقادات من الناصريين، لأنه انتقد الناصرية في وقت كان انتقاد الناصرية بيستخدم كأداة لشرعنة نظام سياسي واقتصادي جديد، وليس في سبيل الدفاع عن الديمقراطية.

– لكن في السبعينات برده، كتب محفوظ ملحمة الحرافيش اللي تعتبر أهم رواياته بعد الثلاثية، واللي بيقدم فيها من خلال شكل الحياة في الحارة الشعبية نماذج كتير للحكام في شكل الفتوات، ونماذج كتير للعدالة والظلم، علشان يوصل في آخر فصولها بعنوان التوت والنبوت لتأكيد إن العدالة لن تتحقق للحرافيش من خلال فتوة صالح ينقذهم، وإنما من خلال مشاركة الحرافيش نفسهم في الثورة على الظلم.

**
استكمال المشاريع

– في الثمانينات، بيحاول محفوظ إنه يواصل مشاريعه اللي شاف إنه مأكملهاش، فعاد للرواية التاريخية في العائش في الحقيقة، وكذلك استكمل تناوله لتاريخ مصر الحديث من خلال رواية حديث الصباح والمساء، واستكمل تأملاته في الفلسفة الاجتماعية في رحلة ابن فطومة، واستكمل تأمله في الحقبة الساداتية ومقارنتها بالتجربة الناصرية من خلال يوم قتل الزعيم وكذلك أمام العرش وباقي من الزمن ساعة.

– في الفترة دي بيحاول محفوظ إنه هو نفسه يتأمل مسيرته ويحاول ينقل تجربته لكتير من المثقفين اللي كانوا شايفين فيه المثال والنموذج، خاصة مع حصوله على جائزة نوبل.

– التجربة الثرية دي بنشوف فيها مثقف مش معزول عن مجتمع، مش معصوم ولا منزه ولا بدون أخطاء، لكنه شخص نزيه وساعي دايما للحقيقة وعنده شجاعة مراجعة أفكاره، وده اللي هنفضل نتعلمه من نجيب محفوظ.

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp
Print
booked.net
موقع الرسالة العربية