كتب / رضا اللبان
بعث ألفونسو السادس بوزيره اليهو..دي (ابن شاليب) إلى (المعتمد بن عبَّاد) ملك “إشبيلية” و”قرطبة” لياخذ منه الجزية السنوية و ليطلب منه أمرًا عجيبًا يوضح مدى الذِّلَّة التي وصل إليها مُلوك الطوائف…. كان الجو داخل القصر مشحوناً بالتوتر، حيث أن الجميع كانوا يعلمون أن هذه الرسالة لن تحمل خيراً!!
جلس المعتمد بن عبّاد على عرشه، وأمامه وقف الوزير اليهو…دي ابن شاليب بوجه متعجرف، مستهزءاً بأجواء القصر الملكي. بدأ بقراءة الرسالة بصوت عالٍ: “إن مولاي ألفونسو يصدر إليكم أمرين
الأول: أن تقيم زوجه كونستانس بمدينة الزهراء حتى تلد، و أن يفتح المعتمد بن عبّاد أبواب جامع قرطبة، (أكبر جامع على وجه الأرض في وقته)، لكي تقوم زوجته ملكة إسبانيا بالولادة عند منبر المسجد و الثاني: أن تضاعف الإتاوة هذا العام “. ساد الصمت للحظات، ولم يصدق أحد من الحاضرين ما سمعه .
تفجرت مشاعر الغضب في صدر المعتمد بن عبّاد. “أي جرأة هذه؟”، تردد صدى الكلمات في ذهنه، ورأى في أعين وزرائه وشيوخه ذات الشعور. لكن ابن شاليب لم يتوقف عند هذا الحد، بل ازداد في استفزازاته وقال بوقاحة:
“لا تعتقدوني بسيطاً لأقبل مثل هذه النقود المزيفة، لا آخذ إلا الذهب الصافي، السنة القادمة ستكون مَدِيناً”.
في تلك اللحظة، بلغ السيل الزبى لدى ابن عبّاد أمر بقطع رأس ابن شاليب و صلب جسده عند المدينة ، وأرسل رأسه إلى ألفونسو مرفقاً برسالة جريئة: “لا جزية لك بعد اليوم، فاقض ما أنت قاض!”.
كانت هذه الخطوة كفيلة بإشعال غضب ألفونسو السادس، الذي لم يتردد في تجهيز جيشه والتقدم نحو إشبيلية، محاصراً المدينة. واشتد الحصار وامتد لفترة طويلة. بعث ألفونسو برسالة أخرى إلى المعتمد بن عبّاد، مستخفا به قائلاً:
“إن الذباب قد آذاني حول مدينتك، فإن أردت أن ترسل لي مروحة أروح بها عن نفسي فافعل”.
تناول المعتمد الرسالة وكتب على ظهرها ردًا من جملة واحدة: “واللَّه لئن لم ترجع لأروحنَّ لك بمروحة من المرابطين!”. ما إن قرأ ألفونسو ذلك الرد القصير، حتى ارتعدت مفاصله، وارتجفت شفتاه، وأمر جنوده بالانسحاب الفوري من أسوار إشبيلية، والعودة السريعة إلى حصون قشتالة.
وبعد أن رأى ابن عبّاد ردة فعل ألفونسو، بعث برسالة إلى ملوك الطوائف، يدعوهم لاجتماع قمة طارئ. اجتمع 22 ملكًا من ملوك الطوائف في قاعة كبيرة،
وروى لهم ابن عبّاد قصته مع ألفونسو، موضحًا أن الأخير لن يستسلم بسهولة، وأنه سيكرر محاولاته حتى يُنهي الوجود الإسلامي في الأندلس.
اقترح ابن عبّاد إرسال رسالة إلى المرابطين لطلب المساعدة، لكن الاقتراح قوبل بالرفض والهرج. صاح أحد الملوك: “هل تريد أن تجلب لنا هؤلاء البدو من رعاة الإبل لكي يحاربوا ألفونسو، ثم إذا ما انتصروا عليه مكثوا في ديارنا الخضراء وسلبونا الحكم؟”
وقف المعتمد بن عبّاد بين الحضور وقال بصوت حازم: “واللَّه لأن أرعى الإبل في صحراء المغرب، خيرٌ لي من أن أرعى الخنازير في أوروبا!”