بقلم د / حنان راضي
في قرية صغيرة محاطة بالجبال والغابات، عاش رجل يُدعى حكيم. كان حكيم فلاحاً متواضعاً، يعمل بجد في حقله كل يوم. رغم بساطته، كان معروفًا بحكمته وكرمه، ولكن كان له عيب واحد، وهو عدم القدرة على الاعتذار عندما يرتكب خطأ.
ذات يوم، بينما كان حكيم يسير عبر الجسر القديم الذي يربط بين قريته والقرية المجاورة، صادف شابًا يُدعى يوسف. كان يوسف يركض في الاتجاه المعاكس وتعثّر، فسقطت سلة الفاكهة التي كان يحملها على الأرض. غضب يوسف وبدأ يصرخ في وجه حكيم، معتبرًا أنه السبب في سقوطه.
رد حكيم بعنف قائلاً: “لماذا تركض كالمجنون؟ أنت من سقط وليس لي دخل في ذلك!” غادر يوسف المكان غاضبًا، تاركًا حكيمًا وراءه يشعر ببعض الندم لكنه لم يعتذر.
مرّت الأيام، وكان حكيم يشعر بثقل على صدره، لكنه لم يستطع الاعتذار. في أحد الأيام، ذهب إلى السوق في القرية المجاورة ورأى يوسف هناك، يعمل في متجر صغير. توقف لحظة وتردد، لكنه استمر في طريقه دون أن يقول شيئًا.
في تلك الليلة، رأى حكيم حلماً غريباً. رأى نفسه يسير عبر الجسر القديم مرة أخرى، لكنه كان متهالكًا ويتحطم تحت قدميه. كان الجسر رمزاً لعلاقته مع يوسف، وكان بحاجة إلى إصلاحه قبل أن يسقط تماماً.
استيقظ حكيم في الصباح بعزيمة جديدة. ذهب إلى متجر يوسف، وأخذ نفساً عميقاً وقال: “يوسف، لقد أخطأت في ذلك اليوم على الجسر. كان يجب عليّ أن أعتذر. أرجوك، اقبل اعتذاري.”
تفاجأ يوسف لكن ابتسامة دافئة ظهرت على وجهه. “لقد سامحتك منذ زمن، يا حكيم. أشكرك على اعتذارك. الجسور تحتاج إلى إصلاح من وقت لآخر، والاعتذار هو أفضل طريقة لذلك.”
عاد حكيم إلى قريته شاعراً بخفة لم يشعر بها منذ زمن. أدرك أن الاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه ليس ضعفًا، بل قوة حقيقية. ومنذ ذلك اليوم، أصبح حكيم مثالاً للناس في قريته ليس فقط بحكمته وكرمه، بل بتواضعه وقدرته على الاعتذار عند الخطأ.
هكذا، عبر حكيم الجسر الذي كاد أن يتحطم، وأصبح يعرف قيمة التواضع في بناء جسور العلاقات الإنسانية.