كتب د / حسن اللبان
وقال عوفاديا يروشالمي، في مقابلة خاصة مع موقع ” hidabroot” (هايدابروت) الإخباري الإسرائيلي، إنه تعرض لعمليات تعذيب وانتهاكات حتى خروجه من مصر.
ويقول عوفاديا يروشالمي: “كنت جالسا في منزلي في القاهرة عندما كاد طرق قوي لباب منزلي أن يكسره، فطويت الجريدة، ونهضت من الكرسي، ونظرت بخوف من خلال عدسة الباب وكان اثنان من عملاء المخابرات المصرية المسلحين ينتظرانني في الخارج”.
وقال الموقع العبري إنه منذ اللحظة التي فتح فيها الباب حتى ترحيله من مصر عام 1969، مرت سنتان متتاليتان من التعذيب والانتهاكات. فقد تم إلقاؤه في سجن أبو زعبل، وهو أحد أكثر السجون وحشية في مصر، وحشره مع سجناء آخرين في زنزانة صغيرة ذات رائحة كريهة لأيام وليال.
وأضاف الموقع أن يروشالمي، 79 عامًا، من سكان مستوطنة “حولون”، كان من مواليد القاهرة.
وقال يروشالمي للموقع العبري: “كانت اليهودية المصرية من أقدم الطوائف اليهودية، لقد ازدهر مجتمع الطائفة واندمج في الحياة الاجتماعية والتجارية العامة، حتى عشية قيام إسرائيل – ثم انقلب كل شيء رأساً على عقب”.
ودرس يروشالمي في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وتذكر ذلك خلال حديثه قائلا: “منى، ابنة الرئيس عبد الناصر، كانت تدرس معي في الفصل، لم يكن بيننا سوى السلام لا أكثر، وبعد أن أعلن والدها عام 1967 إغلاق مضيق تيران أمام مرور السفن الإسرائيلية – وهو الإعلان الذي أدى إلى اندلاع حرب الأيام الستة (التسمية العبرية لحرب عام 1967) – بدأت أصرح علناً أن علي أن أبعد نفسي عنها، وقد يكون هذا أحد الأسباب التي جعلتني من بين جميع أفراد عائلتي الشخص الوحيد الذي تم اعتقاله”.
ووفق موقع hidabroot ، مع اندلاع الحرب، بدأ النظام المصري سلسلة من الاعتقالات في صفوف العملاء اليهود في البلاد.
وعن صباح يوم اعتقاله الذي لن ينساه يروشالمي- وفق الموقع – قال يروشالمي: “كانت الساعة العاشرة صباحًا، عندما طرق رجلان من المخابرات المصرية باب منزلنا، في ذلك الوقت كنت في المنزل مع والدتي فقط، وطلب الاثنان مني أن أرافقهما، وذهبوا إلى مركز الشرطة للتأكد من هويتي، وكانت والدتي قلقة على مصيري وأرادت ترتيب حقيبة لي، لكنهم قالوا لها: إنها مسألة 5 دقائق فقط وسيعود إلى المنزل “.
وتابع: “أخذني رجال المخابرات إلى مركز الشرطة، وبدأ كبير الضباط باستجوابي، وطرح أسئلة لا تعد ولا تحصى عني وعن حي اليهود في منطقة الجمالية، محاولًا انتزاع معلومات مني، وأثناء التحقيق، أشعل سيجارة وقال لي: “بحلول الوقت الذي أنتهي فيه من التدخين، سيكون الجيش المصري قد وصل إلى تل أبيب”، لقد كنت في حالة صدمة كاملة”، حسب وصف يروشالمي.
واستطرد قائلا: “بعد ثلاثة أيام في مركز الشرطة، تم اعتقالي بوحشية ووضعي في شاحنة مفتوحة مع يهود آخرين، وبدأ السائق القيادة بسرعة نحو جهة مجهولة، سألت الشرطي إلى أين نتجه، فأجابني بهذه الكلمات: (سوف تكونون وقودًا للمدافع في قناة السويس، وحينها بدأ جميع اليهود يرتجفون من الخوف وبدأوا في الصراخ .. هذه لحظات لن أنساها أبدًا”.
وتابع: “بعد رحلة طويلة ومرهقة، توقفت الشاحنة عند مدخل مركز احتجاز أبو زعبل الواقع على مشارف القاهرة.. لقد أرسلنا عبد الناصر لتلقي سلسلة من أعمال التعذيب المروع دون محاكمة، لمجرد أننا يهود، ثم تم إلقاؤنا، وكنا حوالي 72 يهوديا، في زنزانة لا يتجاوز حجمها 30 سم، وكان الاكتظاظ مروعا، وكل ليلة كان علينا أن نطوي أرجلنا لنستلقي للنوم”.
وردا على سؤال هل عرفت عائلاتك أين أنت؟، أجاب يروشالمي: “”في الشهر الأول، لم يعرفوا على الإطلاق ما كان يحدث لنا وأين اختفينا، وخلال هذا الوقت، كان علينا الاكتفاء بمجموعة الملابس الوحيدة التي وصلنا بها إلى مركز الاحتجاز، وبدون الحد الأدنى من الملابس ومنتجات النظافة وأدوات العناية بالجسم. وفيما يتعلق بالأدوية والأطباء – بالطبع لم يكن هناك ما نتحدث عنه على الإطلاق. طلبنا من ضباط مركز الاحتجاز إحضار كراسي لكبار السن بيننا على الأقل، فرفضوا، ووعدنا مرات عديدة بأن يأتي إلينا ممثل من الصليب الأحمر أو الأمم المتحدة، لكن لم يأت أحد”.
وتابع وصوته يرتعش، وظهر عليه أن الانتهاكات الجسيمة تركته يعاني من صدمة شديدة – حسب وصف الموقع العبري – وراح يتذكر بعد صمت طويل: “كان الضباط يضربوننا بأحزمتهم حتى الموت، وفي بعض الأحيان كانوا ينشرون الرمال على الأرض، ويجبروننا على الزحف عليها مثل الثعابين، كان الألم شديدا للغاية، وانهار عدد لا بأس به من كبار السن”.
وأضاف: “كان الطعام سيئًا للغاية، كل صباح كانوا يرمون لنا يخنة البازلاء، وفي فترة ما بعد الظهر الجبن الذي كان حامضًا لدرجة أن كان من المستحيل تناوله، وكل بضعة أيام كانوا يرمون لنا قطعة من اللحم لا يستطيع حتى الكلب أن يقترب منها ولكن لم يكن لدينا خيار، أكلنا كل شيء فقط من أجل البقاء.”
وأضاف : “كان هناك ضابط يدعى عمر كان يقوم كل يوم بإخراج عدد من السجناء والتحقيق معهم بوحشية، وفي أحد الأيام أمسك بي وسألني أين أدرس، أجبته أنني درست في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وبعد لحظة عانيت من الضرب طوال حياتي، فقد شك أنني عميل أمريكي أرسلت للتجسس في مصر”
ومن بين المعتقلين اليهود في سجن أبو زعبل، كان كبير حاخامات الإسكندرية، الحاخام يعقوب نفوسي زطال، وقال يروشالمي : “لقد حلق الضباط لحيته وضربوه بشدة”.
وبحسب يروشالمي، فإن ضباط مركز الاحتجاز لم يقيدوهم دينياً، وعلاوة على ذلك، لم يكن لديهم كتب صلاة، وكان هناك عدد قليل من الذين يحفظون الصلاة بأكملها تقريبًا، والباقون ينضمون إليهم كل يوم.
وقال : “لن أنسى أبدًا كيف أنه عندما كنا نصل كل يوم لحضور صلاة الشما، كان علينا أن نقول كلمة (إسرائيل) بهدوء، كنا خائفين من أن يظن الضباط أننا ندعو لدولة إسرائيل لتأتي وتنقذنا، وهذا من شأنه أن يدفعهم إلى الإساءة إلينا أكثر، وكان هناك سجينان يهوديان يعتديان عليهما بشكل خاص: أحدهما اسمه إسرائيل، والثاني اسمه الأخير ديان – مثل اسم عائلة وزير الدفاع في ذلك الوقت موشيه ديان.”
وأضاف: “كجزء من صفقة تبادل الأسرى، التي تمت بعد حرب الأيام الستة، أطلقت إسرائيل سراح 5500 أسير مصري مقابل إطلاق سراح أسرى من الجيش الإسرائيلي، وكان السجناء الآخرون الذين تم إطلاق سراحهم هم رجال “البرشا” – اليهود الذين تم القبض عليهم كجزء من عملية بدأتها المخابرات الإسرائيلية في مصر في أوائل الخمسينيات، وهي العملية التي فشلت حينها عندما كشفتها المخابرات المصرية.
وقال يروشالمي، لقد صرح وزير الدفاع في ذلك الوقت موشيه ديان أنه لا توجد أي صلة بين أسرى الجيش الإسرائيلي واليهود المصريين الذين تم اعتقالهم، وبالتالي لم يتدخل أي حزب سياسي في محاولة إطلاق سراحنا.
وأكد: “من ناحية أخرى، كان هناك العديد من العوامل الخارجية التي تدخلت، ولكن ليس على الجميع، فكان هناك ضغوط من بعض الدول الأجنبية على عبد الناصر للإفراج عن المعتقلين اليهود من حاملي الجنسيات الأجنبية، وعمل ممثل الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على إطلاق سراح المعتقلين اليهود من دون جنسية”.
وعن المواطنين اليهود الحاملين للجنسية المصرية؟، قال يروشالمي: “لقد أعلن عبد الناصر أنهم مواطنون مصريون وليس من حق الأمم المتحدة التدخل في هذا الأمر، ولمدة ثلاث سنوات متتالية تعفنّا في المعتقل، ولم يطلق سراحنا إلا بعد تدخل فرنسا، وكان بطل الصفقة هو السفير الإسباني في مصر آنذاك أنجيل ساجاس، الذي تجاوز تعليمات وزارة الخارجية الإسبانية وأصدر مئات جوازات السفر الإسبانية للمعتقلين اليهود وعائلاتهم”.
وبعد إطلاق سراحه المفاجئ، فر يروشالمي إلى مطار القاهرة حيث التقى بوالديه، وقال: “خططت للسفر إلى باريس، ومن هناك الهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، واستقبلتني الجالية اليهودية في باريس بحفاوة واستضافتني في أحد الفنادق لعدة أيام. وبدأت في هذه الأيام التخطيط لانتقالي إلى الولايات المتحدة والتنظيم لذلك، ولكن قبل انتقالي مباشرة، أرسلت الوكالة اليهودية ممثلًا عنها إلى باريس لإحضار اللاجئين المصريين إلى إسرائيل، والتقيت بالممثل واستمعت إليه محاضراً، وغيرت كل خططي، وكانت تلك لحظات مثيرة اتخذت فيها قرارًا بأنني لن أذهب إلى الولايات المتحدة بل سأهاجر إلى إسرائيل”.
وعن عودته مرة أخرى لمصر قال يروشالمي: “لقد عدت مرة أخرى قبل حرب يوم كيبور (حرب عام 1973) وتأقلمت في قاعدة بات يام، لقد وضعني الجيش الإسرائيلي أمام قناة السويس، ولو أن جنود الجيش المصري قبضوا علي لقتلوني على الفور”.
وهناك شيء آخر تذكره عن العودة مرة أخرى إلى مصر، فقال يروشالمي: “العودة إلى مصر، هذه المرة كرئيس لمكتب الاقتصاد في القناة التلفزيونية الإسرائيلية العربية”.
ويختتم حديثه قائلاً: “في أوائل الثمانينيات، تم إرسالي إلى مصر لتغطية معرض القاهرة الدولي للكتاب، لقد كانت تجربة إيجابية بالنسبة لي أن أعود إلى مصر بفخر بجواز سفر إسرائيلي، ليس كلاجئ، وليس كمعتقل، ولكن كمواطن في إسرائيل”.