بقلم دكتورة / ريم شطيح
مع تراجع الحريات في العالم وانحسار ملحوظ للديمقراطية في كل مكان والذي قد يدعو للتشاؤم لدى كثيرين؛ نجد بالمقابل هناك تنامٍ للوعي العام الجمعي لدى الناس في كل مكان، وهذا يدعو للتفاؤل.
قد لا تكون حراً، ومقيداً بألف قيد، لكنك غير واعٍ لذلك وهنا الكارثة الأكبر.
مرّت على العالم ثورات عديدة غيّرت مجرى التاريخ منها الثورة الصناعية الأولى والثانية والثورة الفرنسية وباقي الثورات، إلاّ أنّ ثورة التكنولوجيا والمعرفة كانت الأكثر تأثيراً (وسرعةً) في انفتاح الشعوب ووعيهم. فوعي الشعوب هو الذي يصنع التغيير، وعيُكَ بوضعك هو الدافع والمُحفِّز للتغيير سواء وضعك الخاص أو العام.
تَسبَّبَ استغلال القوانين والديمقراطية في أكثر البلدان حرية بسبب عدم وعي الناس، إلى التعدّي على مبادئ الحقوق والعدالة والحريات التي ترفع من إنسانية الإنسان. فاستغلال الحريات يأتي من شعوب لم تحمل وعياً كافياً لأهمية الدور المرجو من نشر الحريات والعدل والمساواة، ولم تعِ حيث لم تختبر ممارسة حقيقية لمعنى أن يكونَ الإنسان حراً.
وتأتي السياسة والدين على رأس قائمة الأسباب لتهميش الناس وتدجينهم ضمن قوالب فكرية نمطية تخدم مصالح الإثنين في التشويش على الشعوب وانخفاض وعيهم بحقوقهم وحرياتهم وبأوضاعهم العامة منها والخاصة. كما تأتي الرأسمالية العالمية أيضاً على نفس القائمة في استثمار السياسة والدين لصالح أغنياء العالم، والقائمة تطول في سرد الأسباب والتي أصلاً أولها عدم وجود الحريات من البداية.
حتى النخب الفكرية والتي هي دافع لكل تغيير فكري حقيقي في المجتمعات، لم يصل وعيها بشكل كافٍ، فكانت طروحاتها خجولة تدعو للتغيير والتمرد في جهة، وتُطبّل للحاكم والموروث في جهة أخرى.
الكثيرون حين يلومون النخب، فإنهم إذْ يرون فيهم الشمعة التي تضيء ظلام المجتمعات، لكنهم يغفلون عن أنّ هذه النخب هي أيضاً نِتاح البيئة والديكتاتوريات والقمع والذي أثّر على وعيها الجمعي وبالتالي كان دورها أقل فعالية على الواقع بسبب عدم الوعي الكافي بكل ما يحدث، ولكن، أيضاً اليوم هناك وعي عام بوضع النُّخَب وهذا هو الأهم.
لطالما عوّلتُ على الجيل الجديد ورأيتُ كيف يُقمَع من الأجيال السابقة حتى في أبسط الأمور فكان وما زال الجيل القديم عائقاً في مسير التقدم. لكني لستُ خائفة على الجيل القادم، (نعم هناك انخفاض في مستوى الحريات اليوم، لكن هناك وعي بذلك، هناك تراجع إنساني وانحدار على عدة مستويات، لكن هناك “وعي” بذلك، هناك تخبُّط معرفي ومفاهيمي في كل مكان، لكن هناك وعي بذلك.) وعي الشعوب هو المحرّك الأول للتطوير وهذا “طريق” التغيير القادم لا محالة.