بقلم الكاتبة الجزائرية / يامنة بن راضي
يقال لن يهدأ العالم حتى ينفذ حب الوطن من نفوس البشر؛ وحب الجزائر الأم الرؤوم اكتسح كيان الشعب الجزائري وهو الذي احتلت أرضه واستبيحت خيراته من قبل أعتى قوة استعمارية آنذاك قبل أكثر من قرن هي فرنسا الإستعمارية ؛ ولأن حب الوطن استوطن قلوب طلبة الجزائر حينها وبعد أن ادركوا أن هذا الحب المقدس غير مكتمل ما لم يسعوا من اجل افتكاك حرية وطنهم المسلوبة واسترجاع كرامته المهدورة من براثن المحتل الفرنسي؛ فكان قرارهم التاريخي المصيري بترك مقاعد الدراسة والإنضمام الى الثورة في الجبال الشامخات.. فكانت تلك الخطوة المباركة في 19 ماي من عام 1956؛ فالشهادة في سبيل الوطن ليست مصيرا سيئا بل هي خلود في موت رائع .. كانت تلك هي عقيدة المقاومين الجزائريين إبان حقبة الإحتلال المشؤوم؛ وعلى هذا الدرب اختار طلبة الجزائر المسير بعد عامين فقط من اندلاع الثورة المظفرة؛ ولأنهم رفضوا العيش أبد الدهر بين الحفر لم يترددوا في الصعود الى الجبال حيث الصعاب والملاحم والبطولات ..
” إن تحصلنا على شهادة لا يجعل منا جثثا أفضل؛ وسلبيتنا إزاء الحرب تجعلنا متواطئين مع الإتهامات الخطيرة التي توجه لجيشنا الوطني الباسل؛ إن السكينة المصطنعة التي وضعنا أنفسنا فيها لم تعد ترضي ضمائرنا يجب مغادرة مقاعد الدراسة للإلتحاق بالجبال” …هذا جزء من الخطاب الموجه للطلبة أثناء اضراب 19 ماي عام 1956 ..تلك الكلمات المؤثرة التي جعلت من الطلبة يهبون من مقاعد الدراسة الى مناطق الثورة في الجبال التي شدوا الرحال إليها من كل فج عميق؛ يحذوهم الأمل في تحرير بلادهم المغتصبة الى جانب الثوار البواسل ..هذه الحركة الطلابية المجيدة التي تزامنت مع اضراب شامل شارك فيه الآلاف داخل الجزائر فالتحقوا بصفوف جيش التحرير وخارجها في جامعات فرنسا ومصر سوريا والعراق وتونس من خلال نضالهم الحثيث في ايصال صوت معاناة الشعب الجزائري و صوت الثورة التحريرية الكبرى ..
لا جرم أن فرنسا الظالمة حاولت بشتى الطرق عزل الشعب الجزائري عن الثورة وعن نخبته المتعلمة المثقفة؛ غير أن محاولاتها كانت مجرد عبث ذهبت ادراج الرياح بعد ان لبى هؤلاء الطلبة نداء الوطن الحبيب للذوذ عن حياضه الغالية؛ متبنين شعار ثوريا ملهما هو نشيد ألفه شاعر الثورة ” مفدي زكريا” ليكون نشيدا رسميا لهم :
“نحن من لبى نداها عندما اشتد بلاها
واندفعنا لفداها والمنايا صارخات
نحن طلاب الجزائر نحن للمجد بناة”..
ولأن الوطن شجرة طيبة لا تنمو الا في تربة من التضحيات فكان الايمان الراسخ الذي لا يتزعزع وراء اشتعال جذوة حماس الطلبة الجزائريين؛ والذي حولهم من طلبة يتلقون العلوم والمعارف الى مختصين في مجالات عدة في جبال العزة لخدمة قضيتهم الوطنية النبيلة؛ وايضا الى ثوار حملوا السلاح وقاتلوا بشراسة الى جانب ثوار جيش التحرير لدحر العدو الفرنسي وتحطيم جبروته ..والذي غادر منكسرا ذليلا يجر أذيال الخيبة ..
” ألقوا بالثورة الى الشارع يحتضنها الشعب ” ..تلك المقولة الخالدة لأيقونة الشهداء ” العربي بن مهيدي” ولقد صدق البطل فلقد احتضن الشعب الجزائري الثورة كما احتضنها الطلبة بلهفة لا نظير لها ..كيف لا و الجزائر الحبيبة مكبلة بأغلال الاحتلال والعذاب ..ولأن العزيمة تثمر النصر دوما؛ انتصرت الجزائر وانتصر طلابها أيما انتصار وصنعوا مجدا لا ينتهي أبدا .