عاجل

الرئيس الإماراتي يستقبل نظيره الإندونيسي في أبوظبي
# يا سائلا عن حال العيون وما بها …. شعر
الأمواج تصل إلى 6 أمتار”.. الأرصاد المصرية تحذر حركة الملاحة بالبحر المتوسط
الجيش السوداني يعلن “تحرير منطقة سنجة” في ولاية سنار من سيطرة قوات الدعم السريع
غوارديولا يمر في نفق مظلم مع مانشستر سيتي.. وليفربول الرابح الأكبر
باريس.. تظاهرة لدعم نساء فلسطين ولبنان
بعد ارتفاع أسهم تسلا عقب الانتخابات الأمريكية.. كم تبلغ ثروة إيلون ماسك الآن؟
هل لعلاج خشونة العظام بالتردد الحرارى آثار جانبية ؟ .. اعرف الحقيقة
شهداء ومصابون في النصيرات وإنذارات بالقصف شرقي مدينة غزة
مصر.. أول تعليق رسمي على قرار الجنائية الدولية بحق نتنياهو وغالانت
عاجل | زيادة المعاشات والمرتبات 1000 جنيه بسبب غلاء المعيشة والتطبيق يناير المقبل.. توضيح هام من “التأمينات”
وزير الخارجية المصري يؤكد رفض القاهرة لأي مساع لتصفية القضية الفلسطينية
رودري يستعرض الكرة الذهبية في ملعب مانشستر سيتي ويرقص أمام الجماهير
باكستان: عشرات القتلى جراء أعمال عنف قبلية ودينية في شمال غرب البلاد
“تدمير ميركافا واشتباك وإيقاع قتلى وجرحى”..”حزب الله” ينفذ 13 عملية ضد إسرائيل حتى اللحظة

الحرية قيمة جوهريه في سرديات إحسان عبد القدوس

بقلم دكتورة / أماني فؤاد

فاز فيلم «أنف وثلاث عيون» عن رواية إحسان عبدالقدوس، بجائزة الجمهور فى ختام الدورة الـ14 من «مهرجان مالمو» للسينما العربية بالسويد فى 28 أبريل الماضى.

وقد تم عرض الفيلم فى المهرجان، حيث نافس ضمن مسابقة الأفلام الطويلة بالدورة، وهو من إخراج أمير رمسيس، وبطولة النجم ظافر العابدين وحشد من الممثلات والممثلين، تدور أحداث الفيلم حول د. هاشم جراح التجميل، ذائع الصيت، فى الأربعينيات من عمره، متعدد العلاقات العاطفية، دون القدرة على الالتزام بعلاقة لمدة طويلة، فدائما ما وجد فى موروثه ووعيه وثقافته، ما يكفيه من أسباب للابتعاد، بعد التعلق والاهتمام.

قدم المخرج أمير رمسيس فيلم «أنف وثلاث عيون» بمعالجة ورؤية معاصرة للسيناريست وائل حمدى، لكن تظل رواية إحسان عبدالقدوس التى كتبها سنة 1964، واختياره لموضوعها جوهر التميز والنجاح، حيث الجرأة على طرح القضايا الاجتماعية التى تلتصق بالإنسان، من خلال مجموعة من النماذج البشرية غنية التنوع والاختلاف، نساء ورجال، وفى بنية دالة تقدمية يطرح إحسان عبد القدوس الكثير من العادات والتقاليد والرؤى التى تحكم رؤية مجتمعاتنا للمرأة، وتقدم الحرية قيمة جوهرية تعزز الكيان البشرى رجل وامرأة.

آمن إحسان عبدالقدوس بالحُرية قيمة عُليا، وصدَّقها، وعاش وفْق آفاقها الرحبة، وأدرك جيدًا مسؤولياتها، وتَبِعاتها، وخاصة فيما يتعلَّق ببناء شخصية الإنسان، وتكوينه لذاته وإرادته، وقُدرته على الاختيار، وأيضا تحمَّل تبعات هذه الحرية المسؤولة فى كافة أشكال الحياة ومَحاوِرها، سواء فى واقعه اليومى الحياتى، أو المهنى، أو الإبداعى، وهو ما يتجلَّى فى بنية ومحتوى جُل سردياته، ولعل من أهم الروايات التى تجلت فيها هذه القيمة: «أنا حرة» و«النظارة السوداء» و«أنف وثلاث عيون» و«الطريق المسدود» و«لا أنام» والكثير من نصوصه.

ومن أجْل الحرية خاض الكاتب والصحفى  إحسان عبدالقدوس العديد من المواجهات على مستويات متباينة، وواجَه معاركَ متعددةً، وروِّج الكثير من الادعاءات والتقوُّلات – غير المتحرية للصدق – على أدبه، تجلَّت هذه الحرية فى نسيج إبداعه، وشخوص قصصه؛ فلقد أجاد  إحسان عبدالقدوس تعرية المسكوت عنه، وصوَّب نقده وكلماته – نحو صمت المجتمع وجموده تجاه الكثير من القضايا الاجتماعية والوطنية والفكرية وخاصة أوضاع المرأة.

جسَّد المبدع، الذى وُلِد يوم 1 يناير 1919، سنة ثورة مصر الليبرالية، جسَّد روحها التنويريةَ الطموحة، الروح التى تسعى للتحرُّر، والتخلُّص من الاحتلال، التحرر من الجمود والموروثات الاجتماعية الظالمة، سعى – من خلال مؤلَّفاته كافة – إلى التهيئة لثورة اجتماعية وثقافية؛ يتحرر فيها المجتمع من قيوده، وتتخلَّص فيها المرأة من الغبن الموروث الواقع عليها، واقتصار النظر لها فى نطاق جسدانيتها، أراد إطلاق طاقات المرأة؛ لتمارِس قُدراتها البشرية مكتملة، وكافة، للمشاركة فى بناء البلد الذى ينهض.

فكانت المرأة محورًا أساسيًّا فى أغلب نصوص عبد القدوس، على عكس الشائع فى هذه المرحلة التاريخية منذ خمسينيات وستينيات القرن العشرين فى مصر، جسَّد قضاياها المتنوعةَ فى إطار حبْكةٍ تستثير القارئ، وتصدم ممنوعاتِه التى توارثها، ونشأ وفْقها، فلقد اشتغل على تقويض تابوه المرأة فى المجتمع آنئذ، وحَرص على أن يتناوَل قضاياها الحقيقيةَ، التى تمسُّ عصَب وجودها الإنسانى، رغب فى رفْع الغطاء عن تجارب النساء المحاطة بالسرية والعيب، فمثَّلت كتابته تلصُّصًا وبحْثًا وكشْفًا لجوانبها النفسية الداخلية، ورغباتها الحياتية والجنسية، تبصيرها لفهْم نفْسها وقُدراتها، وعيش الحياة بطريقة إنسانية أكثر اتساعا من حصْرها فى الحب والزواج والبيت، أو مجرد الحياة اللاهية، التى عاشتها الطبقة الراقية والوسطى العليا فى خمسينيات وستينيات القرن العشرين فى المجتمع المصرى. اقتحم الكاتب برواياته العلاقاتِ الاجتماعيةَ السِّريَّة، وتوغَّل فى كشْف أغوار المرأة والرجُل، وتنويعات العلاقات بينهما، بشجاعة البوح، واستنطاق ما تحت الأسطح البرَّاقة المُعلَنة، وغاص فى كهوف النفوس البشرية، يُنطِق خفاياها، ويُطلِق مكنونات لا وعيها، وكان رائدًا فى إعلان هذه الدعوة بتحرُّر المرأة، التى هى فى قلبها تحرُّر الرجُل والمرأة معًا، ريادة إحسان تلك أخذت سَمْتًا مختلِفًا عن طه حسين ونجيب محفوظ، كانت غير مهادِنة، صارخة تستنطق المسكوت على لسان بطلات رواياته وأبطاله، تواجهه وتصدم الرأى العام، فى لُغة مباشِرة، لا تُهادِن، أو ترمز، أو تكنِّي؛ بل لُغة واضحة تصوَّب باتجاه التعبير عن أهدافها مباشرة، ويبدو أن هذا التوجُّه اكتسبه من المحيط الصحفى والأُسرى، الذى عاش فيه كاتبنا، صاحب أجرأ التحقيقات الصحفية فترة الخمسينيات والستينيات.

كان سعْى عبدالقدوس لتحرُّر المرأة وفهْمها – على مستوًى آخَر – رمزًا ومعادِلًا موضوعيًّا لرغبته فى تحرير المجتمع ككل، ومعالجة مشكلاته الاجتماعية والثقافية، لقد جسَّدت المرأة فى نصوصه قضية وطن؛ فمن خلالها ناقَش تحرُّر الأوطان من الاستعمار، تحرُّره من الفساد، واحتكار فئة أو حزب واحد، أو مؤسسة للسُّلطة، والصلاحيات كافة، وهو ما تجلَّى بشكل ما فى روايته «الراقصة والسياسى»، جسَّد إحسان أيضًا الثورة ضد المستعمِر، والمقاوَمة الوطنية، والحرب، فى رواية «فى بيتنا رجُل» و«حتى لا تطفئ الشمس» و«الرصاصة لا تزال فى جيبى» ورصَد للتحولات التى خاضتها مصر من مَلَكية إلى نظام جمهورى، ومن الآمال الكبار، التى واكَبت ثورة يوليو إلى النكسة، ثم الانتصار فى أكتوبر 1973. استنطق الأفكار المجردة الكبرى، حول الحرية والعدل على لسان شخصيات من لحم ودماء، تتصارع بين صفحات نصوصه وأسطرها، وتتحاوَر، تبوح بأسرارها، وتُفصِح عن المسكوتات.

تتسع الصراعات فى نصوصه، فى كتابة مفعَمة بالحكايات الغريبة السريَّة، الصادمة للكثيرين، السرد المكتَظ بأشكال من الحركة والتطوُّرات، والترقُّب، ودفْع الإثارة، والصور المفاجئة، التى تجعل القارئ شغوفًا ومتشوِّقًا، يطارد حروفه إلى آخِر فقرة وكلمة من الرواية.

أذكر أن أستاذى الناقد الكبير – د. صلاح فضل – حكى لى أنه أثناء حوار له مع  إحسان عبدالقدوس، وكان قد دعاه إلى إلقاء محاضرة، وزيارة المعهد المصرى للدراسات الإسلامية فى مدريد، قال إن إحسان عبد القدوس حكى له إن معظم حكايات رواياته وقصصه كانت واقعية، تخلَّقت حين سمعها من فتيات حكَيْن له تلك الوقائع والأحداث، وكيف كُنَّ يشعرن وقتها، ويتعامَلن فى الواقع، وأن دورَه كروائى كان فى استكمال الحكايات، بما يتَّسق وأصول السرد، وصناعة الحبكة، وإحكام أطراف الصراع، كما فى تدخُّل مخيلة المبدِع النشِطة، ورؤية المبدع الاجتماعية والنفسية للطبقة، التى عاش فى قلبها، وخبر قضاياها النفسية والاجتماعية، ومعاناة النساء فيها.

ولطبيعة الموضوعات التى عالجها  إحسان عبدالقدوس فى نصوصه السردية، ولم يصمت عن فتْحها وإثارتها للنقاش فى المجتمع؛ وُجِّهت إليه سلسلة من الاتهامات المغلوطة المغرِضة، ادعاءات تعرَّض لها أدبه وشخصه.

وأتعجب من قدْر الأحكام والتقولات المغلوطة، التى أحاطت بمنتَج إحسان عبد القدوس، ووصْف خصائص وسِمات أدبه بغير حقيقتها، فمنذ تحرَّك مؤشر البحث على جوجل حول الكاتب؛ تجد هذا التعريف: «كاتب وروائى مصرى، وأحد أوائل الروائيين العرب، الذين تناولوا فى قصصهم الحب، بعيدًا عن العذرية، وتحوَّلت أغلب قصصه إلى أفلام سينمائية».

فحين يريد البعض اغتيال كاتب معنويًّا، تبدأ سلسلة ممنهَجة من التشويهات فى ثقافتنا العربية، فبدلًا من قولهم إنه الكاتب الصادق الحقيقى، الذى توصَّل – من خلال تجاربه وثقافته وكتاباته – إلى أن الحرية والوعى والإرادة والاختيار يُعَدُّون الأدواتِ الحقيقيةَ، التى تمكِّن المرأة والرَّجُل من الحفاظ على كينونتهما، والارتقاء بها، والقدرة على العطاء، والإسهام فى تطوير الحياة، بجوار الأدوار والمعانى الطبيعية الفطرية. تجدهم يتقوَّلون: تناوَل الحب البعيد عن العذرية، لينسبوا إليه الانفلات الأخلاقى وإدانته، والخروج عن الأعراف الاجتماعية، فنحن مجتمعات تعشق دفْن رأسها فى الرمال، والتغطية على الحقائق، وتلبيسها مسميات أخرى تريحنا من مواجهات كثيرة، عليها أن تتم فى معالجة قضايا حيواتنا.

تستمر سلسلة من الاتهامات الأخرى، التى أُطلِقت، وادَّعَوا فيها أنه اهتم بالمرأة فقط فى أكثر سردياته، وإن أدبَه أدبُ الفِراش، وإنه لم يجسِّد فى رواياته إلا الطبقة العليا والمتوسطة، فى حين أنه جسَّد طبقاتٍ مختلفةً؛ وُسطى وشعبية، مثل نَصه «لن أعيش فى جلباب أبى»، كما رَوى ما خبره واستمع له فى نماذج من الواقع.

وكأن هذا تقليل من شأن الأديب، متناسين تمامًا قيمة وأهمية وضْع المرأة فى المجتمع؛ وكونها نِصفه، والتى تربِّى وتنشِّئ نِصفه الآخَر، متناسين أيضًا أن قضايا المرأة والرجُل لا تنفصل، فهما عُنصرَا الصراع الدائم فى هذه الحياة، وأن تركيز الكاتب على المرأة – فى تلك المرحلة الزمنية – كان شجاعة وريادة، وبهذه الطريقة الواضحة، التى لم تستتر تحت ادعاءات أخلاقية.

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp
Print
booked.net
موقع الرسالة العربية