عاجل

آلاف المتظاهرين يستعدون لمسيرة في العاصمة الأمريكية دعما لحقوق الفلسطينيين والمطالبة بالوقف الفوري للحرب الإسرائيلية في غزة
الاحتلال ألقى 77 ألف طن متفجرات على قطاع غزة
# ولِسه الحزن بــ يجيني ….. شعر
تعليمات جديدة بالجيزة بشأن امتحانات الشهادة الإعدادية
القاهرة.. يتحذير من التهاون في الرقابة على الأسواق
شون محافظة البحيرة تستقبل 197 ألف طن قمح
توخيل يعلن رحيله عن تدريب بايرن ميونخ
رسمياً..آرني سلوت مدرب ليفربول خلفاً ليورجن كلوب
صلاح: كلوب ساعدني وطورني وسنتواصل مدى الحياة
قائمة بيراميدز لمواجهة الإسماعيلي
توتنهام يعرض 30مليون يورو لضم عمر مرموش
عبد الغفار: معهد القلب قدم الخدمة الطبية لـ 232 ألفًا و341 مواطنًا
الإنتاج الحربي تستقبل ممثل شركة “FAMSUN” الصينية لبحث تعزيز التصنيع المشترك
# حكاية زعل كمال الشناوي من أنور وجدي
نقيب الأطباء المصريين يرفض مشروع القانون المقدم من الحكومة حول تأجير المستشفيات

# حكاية فيلم بين السماء والأرض …

كتب د / حسن اللبان

حكاية فيلم بين السماء والأرض   ….
في عام السينما المصرية العظيم 1959 عُرض بين السماء والأرض لأول مرة، وبينما كان مخرجه صلاح أبو سيف يجلس بين الجماهير في العرض الصباحي ويتهيأ لسماع كلمات المديح ويتلقى بنفسه بواكير الاحتفال به كمخرج عالمي إذ يسمع بأذنيه أحد المتفرجين وهو يغادر الصالة أثناء العرض وهو يقول:
-إيه القرف ده؟
في عرض النقاد والصحفيين رأى صلاح أبو سيف على وجوه الحضور علامات الرفض للفيلم، وتوالت الكتابات الغاضبة ليتأكد المخرج أن فيلمه فشل تجاريًا وبعد أيام تم رفعه من صالات العرض في واحدة من قصص فشل الأفلام المدوية.
بين السماء والأرض، من فئة الأفلام الكوميدية الخفيفة، ومدته 84 دقيقة، من إنتاج دينار فيلم، وبطولة هند رستم وعبد السلام النابلسي وعبد المنعم إبراهيم ومحمود المليجي وعدد كبير من الفنانين. قصة نجيب محفوظ، السيناريو للسيد بدير وصلاح أبو سيف، والحوار للسيد بدير. من إخراج صلاح أبو سيف.
وأصل قصة هذا الفيلم تبدأ عند صلاح أبو سيف عندما كان بصحبة زوجته وفي طريقهما إلى الطبيب، وعندما ركبا الأسانسير تعطل بهما لساعة ونصف الساعة، مما أشعره بالخوف والقلق واقتراب الموت.
عندما عاد الأسانسير إلى العمل ذهب إلى نجيب محفوظ -والذي عمل معه في أفلام عديدة- وكلفه بكتابة قصة فيلم تدور حول مجموعة من الأفراد داخل أسانسير معطل.
المعاصرون لصلاح أرجعوا فشل الفيلم التجاري إلى أن الجمهور لم يكن مهيأ لمشاهدة فيلم يدور كله تقريبًا داخل مكان واحد وشديد الضيق، إذ أن هذا الفيلم محسوب بشكل ما على الأفلام ذات موقع التصوير الواحد. أرجع آخرون إلى أن السبب كان في البطولة الجماعية؛ إذ أن بين السماء والأرض ليس به نجم أو نجمة محددان ويعتبر من الأفلام الخارجة عن المألوف.
في هذا المقال سأحاول تحديد مسئولية السيناريو عما حدث بغض النظر عن فشله التجاري من عدمه لأنها معلومات لا تفيد بشيء بعد ظهور وانتشار التليفزيون الذي عرض ويعرض الأفلام الناجحة والفاشلة والممتازة والمنهارة فنيًا.
يبدأ الفيلم بتعليق صوتي يصف للمشاهد القاهرة في عز الصيف لمدة دقيقتين تقريبًا إلى أن يصل إلى شخصتين هما المتحرش (سعيد أبو بكر) والنجمة السينمائية الممثلة (هند رستم) ليدخل بهما إلى عمارة ليبون بالزمالك ويبدأ الأحداث الرئيسية.
أمام الأسانسير الكبير يصطف مجموعة كبيرة من الراغبين في استخدامه للوصول إلى وجهاتهم على اختلافها، وهنا يبدأ السيناريو مباشرة في التعريف بملامحهم الأساسية.
فهناك اللص النشال، والعريس المريض بالربو وكبير السن، والخادم، وأم على وشك الولادة وزوجها، امرأة خائنة وعشقيها، ولص خزائن محترف، وشابة صغيرة السن ومرتبكة، ولا ننسى الممثلة والتي تصطحب كلبها والمتحرش.
أخيرًا يستعد الأسانسير للصعود فيقتحمه مجنون والذي يمنع أحد النازلين بالأسانسير فيجبره على الصعود مرة أخرى، وكذلك يفرض أحد فلول نظام الملكية وجوده ويجبر عامل الأسانسير وباقي الركاب على اصطحابه معهم.
إذن نحن أمام 15 إنسان وكلب في مكان واحد
في الأفلام متعددة الشخصيات بصفة عامة فإنه يفضل أن يركز السيناريو على شخصيتين على الأكثر باعتبارهما الشخصيتين الرئيستين ومن خلالها نستعرض بقية الأبطال ورسالة الفيلم وأحداثه، وإذا لم يفعل السيناريست هذا فإنه يوقع نفسه في مشكلة ضخمة لأنه لن يستطيع الوفاء أبدًا بعرض كل شخصيات فيلمه بدوافعهم وخلفياتهم وقصصهم… إلخ، ومع الأسف وقع بين السماء والأرض في هذه المشكلة، ومن اللحظات الأولى.
أوهمنا السيناريو في البداية أنه سيتابع المتحرش والفنانة، لكنه مباشرة قدم لنا كل الشخصيات بالتساوي تقريبًا، فالنشال في الأسانسير لأنه يسرق الركاب، والعريس كبير السن سيصعد إلى حفل زفافه، والخادم يحمل صينية الطعام إلى شلة الأجانب التي يعمل بشقتهم، والأم الحامل وزوجها صاعدان إلى عيادة طبيب التوليد لتوفير النفقات في الولادة، والعاشقان سيصعدان إلى شقة أحد أصدقاء العشيق بينما العاشقة مترددة والعاشق حاسم، ولص الخزائن على ترتيب مع بقية أفراد عصابته لسرقة خزينة إحدى الشركات بالعمارة، والشابة تشبه جولييت فقد اتفقت مع حبيبها على الانتحار من فوق سطح العمارة لأن والدها رفض زواجهما، والمتحرش يتابع الفنانة، والفنانة (ناهد شكري أو هند رستم) ستصعد إلى السطح لأن لديها موعد تصوير. أما المجنون فهو هارب من سيارة مستشفى الأمراض العقلية، والرجل المتأنق الرجعي لا نعرف سبب وجوده، بينما هناك رجل أجبر على الصعود مرة أخرى ولا نعرف أين كان ولا إلى أين سيذهب.
باستثناء ناهد شكري فإن كل الركاب بلا أسماء، ويمكن أن تسميهم: النشال واللص والمجنون والرجعي والثائر والعامل والمتحرش.. إلخ
ويتبين كذلك أن السيناريو لم يستهدف أن يحكي عن أحد بعينه، وإنما أعجبته فكرة حبس هذه المجموعة المتباينة في مكان واحد ربما ليرمز إلى المجتمع أو إلى ما هو أكبر.
يتعطل الأسانسير لنكون في مواجهة قالب سينمائي اسمه (الكوارث) مثل Titanic أو ساعة ونص، حيث يحبس الأبطال في مكان واحد (لا يستطيعون الفرار منه) وهناك وقت معين ينتهي بموتهم وعليهم النجاة.
تحققت الشروط هنا فالأبطال في أسانسير (مكان واحد) ولا يستطيعون الهروب منه (لأنه معطل) وهناك وقت ينتهي بموتهم (نفاد الأكسجين).
والآن على المتفرج أن يسأل نفسه: من هم الأبطال؟ وهل أتمنى لأحد النجاة؟ في تيتانيك مثلاً أنت تتمنى النجاة للعاشقين، وهنا، في بين السماء والأرض فلمن أتمنى النجاة؟ كلهم شخصيات عادية وليس لأحد رحلة تشعرني كمتفرج أني أنتمي إليها.
تحت نظام عبد الناصر لجأ الفنانون إلى استخدام الرموز في أفلامهم، وصلاح أبو سيف كان يحب استخدام الرموز على الرغم من ميله إلى الواقعية، فقدم لنا المجتمع المصري في نهاية الخمسينيات داخل الأسانسير، لكن لم أشاهد بينهم المثقف ولا صاحب السلطة ولا الرأسمالي الوطني ولا المتعلم أو الطبقة المتوسطى ذات الوظيفة المرموقة كطبيب أو محامي أو مهندس ولم أجد ربة بيت. 14 ممثل للمجتمع ولم يقدم السيناريو صورة لهم!
لدي تأويل آخر، وهو تأويل مسألة الوجود الإنساني وطرح مسألة وجود الله. الاسم (بين السماء والأرض) قد يشير إلى الإنسان الواقع في حيرة البحث عن الإله والواقع المادي. لاحظت أيضًا مشاهد متفاوتة يعبث فيها البوابون بماكينة رفع الأسانسير على أمل إنقاذ الركاب فأدى ذلك إلى اقتراب الإنسان من السماء وعندما يظن أنه وصل فإنه يهبط مرة أخرى إلى أسفل.
ويمكن فهم الفيلم أيضًا إلى أنه يشير بغياب مهندس الشركة (المسئول عن الأسانسير) لأنه في أجازة ولا يمكن العثور عليه لأنه في مباراة كرة قدم إلى غياب المسئول الأول والمباشر عن الناس أو المجتمع إذا أردنا التعميم، أو جمال عبد الناصر إذا أردنا التخصيص.
فالمجتمع في أزمة حياة أو موت، ومختلف على نفسه ويعاني الرجعية والخيانة واللصوصية والفردانية في مجتمع اشتراكي بينما الباحثون عن الحل هم الشعب الغارق في المتعة (كرة القدم كنموذج) بينما المسئول نفسه في أجازة ولا يمكن العثور عليه.
هناك كلمة شهيرة يستخدمها الفنانون حين يعلقون بتبسيط على بعض الأعمال التي تناولت موضوعات مهمة، وهي (من على الوش) بمعنى أن سيناريو بين السماء والأرض تناول موضوعًا عميقًا يمس الوجود الإنساني ووجود مجتمع لكن بسطحية ودون مواجهة الشائك.
عندما يتواجه الإنسان مع الموت يجب أن تدور أفكار ومحاورات أكثر عمقًا من مجرد اعترافات نشال تائب، يجب أن يتحدث الناس عن الأحلام وما حققوه وعن قرب رحيلهم قبل تحقيق أحلامهم ودون رؤية أحبائهم. هل كان أحدهم في طريق ما وأصابته حادثة الأسانسير بنقطة تحول؟
طبعًا الفيلم غير مهتم بكل هذا لأنه لا يستطيع تقديمه بعد أن اعتبر كل الركاب أبطالاً. كان عليه أن يختار اثنين أو ثلاثة وربما واحدًا يتحمل معه ويحمله بعض هذه القضايا. هناك كلمة شهيرة ومعروفة: العمل الذي يريد أن يقدم كل شيء فإنه لا يقدم شيئًا.
لا يوجد في الفيلم شخصيات يجب أن يتعلق بها المتفرج، حتى لص الخزائن والنشال لن يمسا المتفرج بشيء. إنها قضية عاطفية بسيطة (مسم يا سلام شوف الحرامي وقت الجد افتكر ربنا) وهذا صحيح فالكل قديس حتى تأتي العاهرة والكل ملحد حتى تسقط الطائرة.
لكن ماذا لو؟
ماذا لو ركز السيناريو على قصة العريس كبير السن المريض، والمرأة الحامل. جدلية الموت والحياة، حديث الصباح والمساء كما يرى نجيب محفوظ والتي قدمها ببراعة في الفيلم حين ولد ابن ومات واحد كان على وشك الزواج.
شاهدوا الفيلم مرة أخرى وبعين الخيال اكتبوا فيلمًا آخر يكون فيه هؤلاء هم الأبطال فقط.
في اعتقادي، وعلى الرغم من شهرة بين السماء والأرض، والمجهود الكبير الذي بذل في صناعته بكامل تفاصيله إلى أنه أهمل عنصري السيناريو والحوار. لقد كان عجولاً بإدخال الجميع إلى الأسانسير لكن فاته الإجابة على سؤالين مهمين. من سيدخل؟ ولماذا؟
انتهى بين السماء والأرض بإنقاذ الشرطة للجميع في غياب مهندس الشركة المسئول، موت العريس وولادة طفل وتوبة العاشقين وإنقاذ المنتحرين، بينما عاد النشال التائب إلى صنعته بعد إنقاذه وكذلك عاد المتحرش إل تحرشه وصعدت النجمة إلى عملها.
بين السماء والأرض أعيد تقديمه كمسلسل تليفزيوني مصري وعرض في عام 2021، وشهرته كفيلم طاغية، وفي طفولتي أحببته لأداء عبد المنعم إبراهيم ذلك المجنون العاقل الذي كان يمكن تحويله هنا إلى بطل رئيسي.
كنت أخاف من مشاهد سلم المطافيء ويسقط قلبي هلعًا وأظن أنها مشاهد حقيقية وأتساءل كيف نجا الممثلون، لكني حين كبرت وعملت بالكتابة والسيناريو حزنت لأن الفيلم كان يمكن أن يكون أعظم لو سأل الكاتب أو المخرج سؤال واحدًا: من هو البطل؟
لا يكفي أن نرد: (المجتمع) حتى وإن اعتنق الجميع الاشتراكية، ولهذا رفضه الناس وهم في عز الاشتراكية. الفيلم نفسه كفر بفكرة أن هناك مسئولاً واحدًا عن الناس، وقدم لنا أن الحل بيد الناس وبيد المؤسسات بعيدًا عن الحاكم الفرد لكن الصنعة السينمائية هي التي كان من الممكن أن تجعله فيلمًا لا يمكن الاختلاف حوله، وصالحًا للتأويل على أكثر من مستوى.
لقد اجتمع صلاح أبو سيف بمجموعة من أصدقائه السينمائيين لبحث أسباب فشله التجاري ولم يصلوا إلى إجابة وبعد سنوات اتهموا الجمهور بأنه السبب. الجمهور لم يستوعب الفيلم حين عرضه الأول، لكني أقول إن الجمهور كان واعيًا بأسس كتابة السيناريو وإن لم يدرسها.

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp
Print
booked.net
موقع الرسالة العربية