عاجل

الرئيس الإماراتي يستقبل نظيره الإندونيسي في أبوظبي
# يا سائلا عن حال العيون وما بها …. شعر
الأمواج تصل إلى 6 أمتار”.. الأرصاد المصرية تحذر حركة الملاحة بالبحر المتوسط
الجيش السوداني يعلن “تحرير منطقة سنجة” في ولاية سنار من سيطرة قوات الدعم السريع
غوارديولا يمر في نفق مظلم مع مانشستر سيتي.. وليفربول الرابح الأكبر
باريس.. تظاهرة لدعم نساء فلسطين ولبنان
بعد ارتفاع أسهم تسلا عقب الانتخابات الأمريكية.. كم تبلغ ثروة إيلون ماسك الآن؟
هل لعلاج خشونة العظام بالتردد الحرارى آثار جانبية ؟ .. اعرف الحقيقة
شهداء ومصابون في النصيرات وإنذارات بالقصف شرقي مدينة غزة
مصر.. أول تعليق رسمي على قرار الجنائية الدولية بحق نتنياهو وغالانت
عاجل | زيادة المعاشات والمرتبات 1000 جنيه بسبب غلاء المعيشة والتطبيق يناير المقبل.. توضيح هام من “التأمينات”
وزير الخارجية المصري يؤكد رفض القاهرة لأي مساع لتصفية القضية الفلسطينية
رودري يستعرض الكرة الذهبية في ملعب مانشستر سيتي ويرقص أمام الجماهير
باكستان: عشرات القتلى جراء أعمال عنف قبلية ودينية في شمال غرب البلاد
“تدمير ميركافا واشتباك وإيقاع قتلى وجرحى”..”حزب الله” ينفذ 13 عملية ضد إسرائيل حتى اللحظة

جدلية الحب بين الشرق والغرب في «ألواح»

دكتورة أماني فؤاد تكتب للرسالة العربية

  • جدلية الحب بين الشرق والغرب في «ألواح»

يشعر قارئ سيرة «ألواح» لرشيد الضعيف- بعد نهاية النَّص- أن هناك الكثيرَ من المناطق المضبَّبة، التى لم يستوْفِها البَوح، وأنه فى حاجة لمشروع سردى آخَر يستكمل فيه ما لم يَقُلْه الكاتبُ فى هذا النَّص السِّيَرِى.

ففى ثنايا السرد مناطق مسكوت عنها، تختص ببعض الأحداث والمواقف المُهِمة، التى بدَت كثقوبٍ سوداءَ، مثْل تجربة زواج وطلاق صاحب السيرة 116، حيث لم يَحْكِ عنها على الإطلاق، وأيضًا التعتيم على مصير بعض الشخصيات، مثْل الرجُلِ الذى صرَّحت «ياسمين»- والدة الثمانية أبناء- بإعجابها به، واختفائه التام.

كما لم يَخُضِ الْكاتبُ فى تداخُل التركيبة الطائفية اللبنانية، وأثَرها على حياته، إلا فى إشارات انعكاسات الحرب على حياته الشخصية وإصابته، ونهاية تجربته العاطفية مع حبيبته «ناتالى» الفرنسية.

قسَّم الكاتب سيرتَه لفصول، لكلٍّ منها عنوان، مثل: (حقيقتى، الكَى، والدى وشكْل الأرض، اسم العائلة، والدى.. وهكذا).

ويأتى عنوان السيرة: «ألواح» ليعضِّد هذا التوجُّه الفطرىّ البدائى لهذه السيرة، وفى ظَنى جاء اختيار الكاتب لمفردة «ألواح»؛ لأن ما يقُصُّه ظَل محفورًا فى ذاته منذ الصغر، كالنَّقش على حَجَر الألواح، وانعكس على قراراته، فكُل ما يمُر بطفولة الإنسان يظَل منحوتًا وغائرًا فى النفس، ومؤثِّرًا فى الوعى، مكوِّنًا للشخصية، ولا يمكن تجاهُله، بل يتحكَّم فى كل الاختيارات، مهما راجَع الإنسان ذاتَه، وحاوَل عصْرَنة وعْيه.

تعود بنا فصولٌ من هذه السيرة إلى جدلية ممتدة، طالما عالَجتها السرديات العربية فى جوهر ثابت، وأحداث محتدِمة متغايرة، بداية من «عصفور من الشرق» لتوفيق الحكيم، أو «موسم الهجرة للشمال» للطيب صالح، لكنَّ لسان البَوح هنا أكثر واقعية وجرأة وقلقًا، منذ بداية العلاقة، أكثر إدراكًا لمصير قصص الحُب، التى تنشأ بين رجُل شرقى، وامرأة غربية؛ قبْضها على حريتها والحفاظ عليها أكبر من إحساسها بمسؤوليتها تجاه أى شخص أو قيمة، ورجُل يعترف بسيادة ثقافته الذكورية، وترُوقه، من خلال كل الإشارت التى أورَدها الكاتب فى السرد.

يحكى الكاتب ألَّا عربيًّا من جبال لبنان يحتمل ناتالى «كما أنها ليست لأرستقراطى من مصر أو بيروت أو الرباط، بل إنها ليست لطليعى أوروبى، إن (ناتالى) لذاتها وحسب»141.

يقع الكاتب فى صراع حقيقى بعد تعرُّفه على «ناتالى» فى حفْل كانت تحضره مع صديق لها، أثناء زيارة الكاتب لباريس، يلفت انتباهها بحكاياته عن جنون الحرب فى لبنان، وعن الشِّعر والرواية أيضًا، كما استفاض فى الحكى عن الانتهاكات البيئية، التى تُحدِثها مآسى الحروب، والنزاعات الطائفية، يقول فى معرض خطَّته للاستحواذ على اهتمامها: «بالإضافة إلى رغبتى فى الصيد. نعم فى الصيد! فأنا ما زلت خارجًا من طلاق، باحثًا عن فريسة أدجِّنها وألتَهِمها» 116.

ويضيف: «عقَدتُ مع (ناتالى) علاقة لم تشبِهْها علاقة. لم يكن الحب ما يشدُّنا الواحد إلى الآخَر. كنا عاصفتَين، تحاول الواحدة بأقصى قوَّتها وسُرعتها أن تلْحَقَ بالأخرى؛ لتذوب فيها، وتدمِّرَها، وتستوى الأمور إلى هدوء اليوم، الذى يَلِى العاصفة،… لم أكن أشعر أنها لى نهائيًّا وبالكامل، إلا عندما أكون معها فى الفِراش» 120.

وأحسَب أن صاحب السيرة عشِق «ناتالى» بحق، رَاقَهُ النموذج المعتَد بذاته، المتحرِّر، غير الملتزِم بأى نوع من المسؤولية تجاه أى شخص، وهو ما يناقِض نموذج والدته تمامًا، كما رَاقَهُ علاقتهما الخاصة، لكنه شَعَر أن تلك العلاقة هى فقط ما تجمعهما، لذا مارَسها بنزوع للتملُّك، رغم شَكِّه الدائم؛ لتعدُّد أصدقائها وعشَّاقها السابقين، مثْل البرتغالى وغيره.

يقول: «لم نُقرِّرْ زواجًا ولا طلاقًا، ولم نقرِّر مُساكنة ولا فراقًا، كان علىَّ أن أعود إلى عملى وبيتى وحياتى، وكان عليها أن تبقى فى بلدها وعملها وحياتها، وأن تستعد لممارسة عمَلها الجديد فى نيويورك. لها حياة من دونى!».

«كان صعبًا علىَّ أن تكون لها حياة من دونى. فالرجُل عندما يلامس المرأة؛ تصبح الكلمة له» 123.

كما لم يشعُر الكاتب أبدًا أن الكلمة له، كما أنها لا تستوعب ثقافته وطبيعته وإشاراته ولمحاته، بإمكانها- وهُمَا معًا- أن تبادِر بالحديث مع رجُل يروقها، لا تقْبَل أن يسألها أى شخص عن علاقاتها، وأين كانت، كما أنها لا تجيب من الأساس.

«كنت أخاف من فقدانها، ولم يكن من السهل (أو من الممكن) أن أتقاسمها مع آخَرين. فكرتى عن العلاقة أن تكون امرأتى لى. نقطة. خلص. امرأتى لى، وانتهى الموضوع. أمَّا أن تكون منفتِحة، وأن تتعامل بحضارة مع الناس، فهذا أمر مسموح، بل مطلوب، لكن إن تعدَّى الأمر ذلك؛ فالسقوط والكارثة،… (ناتالى) ليست لى،… يجب أن أحوِّل علاقتى بها إلى سياحة، أو ما يشبه السياحة، لا أكثر» 142.

ويصِف الكاتب العواطف البشرية فى معرض حديثه عن علاقته بـ«مريام»، وهى سيدة لبنانية مرَّت بحياته قبْل «ناتالى»، يقول: «كنت ملاذَها لا حُلمها،.. الفَيْء المتوفِّر» 118، ضِمْن علاقات كثيرة أخرى سابقة مرَّت بها «مريام».

برَّر الكاتب لِذَاته تحوُّله السريع عن «مريام»، وكيف أنْسَتْه «ناتالى» مَن قبْلها، ولذا يصِف كهوفَ النفس البشرية، وما يتصل بعواطفها، بقوله: «عالَم العواطف عالَم كلب، بلا أخلاق ولا مبادئ ولا دِين ولا تربية، عالَم ظالم خالٍ من كل أثَر للعدالة. تصرَّفت بأنانية فجَّة وقِحة، (أعترف بذلك الآن… فهل تعترف هى لنفسها بذلك؟) ولكن هذه كانت أحوال الدنيا. وما صنَعْته أنا بيدى، صُنِع بى مثله بأيدٍ ظالمة» 119.

وحين يتحدَّث عن عالَم العواطف؛ يستشعر القارئ جرأة شديدة، وتعريةً للذات والرَّغَبات والنوايا، وعيًا كاشفًا لمراحل تجارُب الحُب، فلكلِّ علاقة حُب فترة عاصفة، تطحن هذه الفترةُ الأسئلةَ، التى يستولدها تطوُّر العلاقة، بعد انقضاء تلك الفترة؛ يتضح كثيرًا أن الأسئلة المسكوتَ عنها تقفز كأسوار عالية تعوق حياة الطرفَين.

وفى رفْض داخلى لمساحته المحدَّدة بالعلاقة مع «ناتالى» لاختلاف الثقافات؛ مارَس معها علاقتهما الخاصةَ بنزوع للتملُّك والسيطرة، يقول: «كان الجنس لحظة اطمئنان إلى أننى أمتلكها وأنها لى، وأنها ليست لغيرى، وأنها لا تكرِم بابتسامتها أحدًا آخَرَ غيرى فى هذه المدينة المليئة بالاحتمالات» 120.

يتحدَّث رشيد الضعيف عن البَوح فى كتابة السيرة الذاتية، ويراها إذلالًا للنَّفس، يقول عنها إنها: «تعرية للنفس وإماتة لها، أن تفضَح نفسَك إلى الحد المذِل، أمرٌ لا يتقبَّله الذوق دائمًا..» 107، لكن هذا البوح العارى كان اختياره.

سافَر لمكان عمل «ناتالى» الجديد فى نيويورك، اقترَض ليكون معها، وفى التوِّ شَعَر برغبته فى العودة، حين شَعَر أنه ضِمْن آخَرين فى حياتها، ولعِشقه لها حاوَل ترويض مشاعره وتدجينَها؛ لتتوافَق مع طبيعة «ناتالى» المتحرِّرة، لكنه لم يستطِعْ، علمت «ناتالى»- بَعد سَفرها ضِمن بعثة للأمم المتحدة فى إفريقيا- بحَمْلها لجَنين، حاولَت الاتصال به، وأرسلت له خطابًا، لكنهما لم يستطيعا التواصل، فى أول لقاء لهما فى باريس، يقول: «سألتها: شُو؟ quoit؟ فأجابتنى فورًا: يجب أن نتوقَّف عند هذا الحَد، لن أتابع معك. جئت لأقول لك هذا وحسْب.

وقالت لى، بعد أن أخبرتها كيف علِمتُ بحَبَلها، وكيف أننى عجزت عن الاتصال بها بسبب هذه الحرب اللعينة، التى أدْمَنها اللِّبنانيون وجيرانهم، قالت لى: ولماذا يكون علىَّ أنا أن أتحمَّل نتائج هذه الحرب، إذا كان هذا هو السبب؟ فعجزت عن الإجابة، وحضَرنى وجْه أبى وهو مطفَأ العينَين، وحضَرتْنى المرأة الجنوبية على رصيف برودواى فى نيويورك، وأحسست بأن مخزونى من الطاقة نفَدَ فجأة، كَبَالُون منفوخ حُلَّ عنقه» 148.

وتتَّسق اللغة وطبيعة المشاعر فى هذه السيرة مع البيئة اللبنانية الجبلية، وصُوَرها ووعى ساكنيها، وتكوينهم الملتصِق بالجبل، يقول: «لم تكُن الوالدة تأخذ من (يوسف) القوَّة كما يؤخَذ الماء من بئر، بل كانت تأخذها من نبْع لا ينضَب، من نبْع أسفل جبال عالية، وراءها جبال عالية»41.

وتتبدَّى لُغة الكاتب شفَّافة، تعكِس على سطْحها النابض مشاعِرَ الكاتب الكامنة، تعبِّر عن ضِيقه ورفْضه للسِّمات الشخصية لـ«ناتالى»، يقول فى معرض حديثه عنها «وناتالى هذه»، و«هذه الناتالى»، (فى هذه الصياغات كأنه يقول لنفسه من هذه المرأة التى تضطرنى لقبول ما لا يتوافق مع طبيعتى؟!) وكأنه أيضًا يستكثر عليها أن تفرِض طبيعة علاقة مقيِّدة بينهما، لا تَهَبَه حقوقَه المستحوذةَ عليها كلية التى عهِدها فى ثقافته، وتومئ هذه الأساليب بعدم ارتياح الكاتب لطبيعة ثقافة الشخصية التى عشِقَها.

كما يتَّسق اختيار المفردات ورغبة الكاتب فى إبراز الجانب الطبيعى البدائى للبَشَر، الجانب الغرائزى، وهو ما يتضح فى اختياره للمفردات: (تحْبَل، رغبة فى الصيد، أدَجِّنها، فريسة).

وفى منحًى رمزى وكناية دالة، يصِف الكاتب فِراش «ناتالى» فى شَقتها، فى نيويورك، يقول: إنه مِترَان ونصف فى ثلاثة أمتار، وإنه ليس لحُرية الحركة بقدْر ما اختارته لحُرية الابتعاد، والحفاظ على خصوصيتها فى أى طرَف، حين تريد. تظَل علاقاتُ الحُب بين أصحاب الحضارات المختلِفة شاشاتِ عرْض، تبدو ساحرة للناظر من بعيد فى البدايات، وبمجرد توَالِى المَشاهد والأيام؛ تحترق كل الأفلام، وتَسْوَدُّ الصُّوَر.

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp
Print
booked.net
موقع الرسالة العربية