بقلم الكاتبة الجزائرية يامنه بن راضى
يقال لا يلذغ المرء من الجحر مرتين وها نحن نلذغ عشرات المرات من ذات الجحر فوق أديم أرضنا و بين جنبات أوطاننا، بل نتعرض للذغات قاسية جدا ممن يبنون قصورا شاهقة من الرمال على أوهام غير صحيحة يبنون مجدا زائفا على حساب أحلام من بيده المجد كله، فأزمة كورونا هي بمثابة القشة التي قصمت ظهر أمة لا تجيد الا الإستثمار في الجهل المقدس كما يقول المفكر الجزائري “محمد أركون ” فكانت النتيجة مجتمعات تسير وفق إعوجاج مستقيم وما يرض النفس رض الهشيم رؤية كفاءاتنا العلمية وكوادرنا الطبية تصنع مجدها من وراء البحار بعيدا عن الأم الرؤوم الوطن، تترقى إلى أعلى المناصب في أوروبا وأمريكا بل ان هذه الكفاءات العربية المسلمة من الأطباء والأساتذة المتخصصين هي اليوم في الخط الدفاعي الأول في مواجهة وباء كورونا وهم على رأس مهمة العلاج لإنقاذ البشرية ..وهنا يباغتنا السؤال التقليدي الموجع: لماذا هم ليسوا هنا بين ظهرانينا ينقذون ارواح شعوبنا ؟ ولماذا لا نحتفي بنجاحهم الباهر تحت شمس أوطاننا الغالية ؟
أغلبنا إن لم نقل جميعنا يعرف تلك التفاصيل المؤلمة المحزنة لقصة هجرة كفاءاتنا إلى الخارج، إذ كادت قناديل عطاءهم الإنساني أن تنطفيء في ظل إفرازات منظومة سياسية اجتماعية فاسدة لا تقيم وزنا للعلم ولقداسته، معبدة بذلك طريقا مشؤومة لبطالة علمية بحثية وللضياع طبعا و من الباب الواسع ،فآثروا الرحيل خفافا وثقالا لعلهم يبلغون مرامهم حيث بيئة أخرى تقدر العلم والبحث وتغدق بالحياة الكريمة المستحقة لهم ..ورغم أن خبز الغربة مر كما يقال إلا انه كان الخيار الوحيد بالنسبة للكثير منهم بعد أن تجهمت سماء أوطانهم في وجوهم.
تختلج أفئدتنا دون شك مشاعر مزدوجة وربما متناقضة فرحة وألم، حبور وحسرة ، تهاني وانتظار وكلنا أمل نتتظر على أحر من الجمر متى يجيء ذلك اليوم الموعود حيث تعود طيورنا المغردة الى أعشاشها الأصلية، متى تقفل كفاءاتنا المهاجرة راجعة إلى بلادها لتهب الحياة والطمأنينة وتسقي أزهار الأمل الذابلة لقوافل البسطاء والمحرومين والحيارى من شعوبنا .
تألقت أسماء كثيرة لأطباء وباحثين من الجزائر والمغرب ومصر وتونس ولبنان والعراق وسوريا والأردن وبزغت نجوم بعضهم بزوغا لافتا بعد أن أبلوا بلاء جيدا في أرقى المستشفيات والمراكز العلمية في أوروبا و أمريكا خلال أزمة كوفيد 19 العالمية، التي ازاحت اللثام الأسود عن مدى تهالك المنظومة الصحية في الكثير من الدول العربية .
تكاد أعيننا تفيض من الدمع ونحن نقف عاجزين عن رد الوجع والمنية عن رجل أو امرأة أو شيخ أو رضيع من أهلنا في بعض أقطارنا العربية المنكوبة بفعل الحروب والخراب والأوبئة كاليمن التعيس مثلا، الذي على ما يبدو سيبقى أيوب العربي يدفع ثمن أخطاء الآخرين وجنونهم المدمر ..ونتساءل في قرارة أنفسنا: لماذا لا تكون مهمة أطباءنا هي إنقاذ ضحايا الحرب العبثية والوباء والجوع في هذا البلد وفي بلادنا العربية الأخرى .
ورغم أن الديار قد نأت بيننا وبين شركائنا في الوطن من كفاءاتنا المغتربة ..بيدا أننا نشعر بهم وبمدى شوقهم إلى الأحضان الدافئة للأوطان ..لكن الأمر يشي بداهة أنهم يتوجسون خيفة أمام تناسل فقاعات الوهم والضلال والتيه لحكوماتنا البائسة .