يشهد الاقتصاد المصري حالة من التفاؤل الحذر بعد تلقي البلاد تدفقات دولارية خلال الأيام الماضية من الدفعة الأولى من صفقة تطوير منطقة رأس الحكمة، وسط ترقب لدفعات جديدة من قيمة الصفقة الشهر المقبل. إلى جانب قرض صندوق النقد الدولي وتمويلات أخرى محتملة من البنك الدولي والاتحاد الأوروبي، وهو ما يكفي لسد احتياجات البلاد لسداد أقساط وفوائد الدين – وفقًا لتقارير وخبراء – وتخفيف الضغوط على استخدام البطاقات الائتمانية للبنوك بالخارج.

في حين أدى تطبيق نظام سعر صرف مرن وزيادة أسعار الفائدة 600 نقطة أساس سلبًا على زيادة عجز الموازنة العامة، إذ يكلف رفع أسعار الفائدة 100 نقطة أساس زيادة في مدفوعات الفوائد بقيمة 70 مليار جنيه (مليار و418 مليون دولار) – وفقًا للبيان المالي للموازنة العامة 2023/2024 – كما تؤدي زيادة الفائدة إلى رفع تكلفة تمويل مشروعات القطاع الخاص خلال الفترة المقبلة، مما دفع جمعية رجال الأعمال المصريين إلى المطالبة بضرورة استحداث مبادرات تمويلية جديدة للقطاعات الإنتاجية.

وفقًا لوسائل إعلام محلية، فإن البنك المركزي المصري وجّه البنوك المحلية لفتح حدود استخدام بطاقات الائتمان بالعملة الأجنبية، وتوقع رؤساء بنوك برفع القيود المفروضة على استخدام بطاقات الائتمان خلال الفترة المقبلة.

قال رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب المصري، فخري الفقي، إن تدفقات النقد الأجنبي التي حصلت عليها مصر مؤخرًا من صفقة تطوير منطقة رأس الحكمة، وتوقعات استقبال الشرائح الثانية والثالثة من صندوق النقد الدولي قريبًا، ستسهم في سد الفجوة التمويلية، وكذلك سداد الالتزامات مصر الدولية من أقساط وفوائد الديون الخارجية، كما أثمرت التدفقات عن تغيير وكالات التصنيف الائتماني نظرتها للاقتصاد المصري، مع توقعات بتعديل التصنيف الائتماني.

واتفقت مصر مع خبراء صندوق النقد الدولي على زيادة قيمة قرض الصندوق إلى 8 مليارات دولار، على أن تطبق مصر مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية، أهمها الانتقال إلى نظام سعر صرف مرن، وخفض الإنفاق على مشروعات البنية التحتية، وتمكين القطاع الخاص، ويتوقع صرف الشريحتين الثانية والثالثة من القرض بعد موافقة مجلس إدارة الصندوق.

ورأى الفقي أن قرار الدولة المصرية بالتسعير العادل لسعر الصرف، من شأنه أن يفتح شهية صناديق الاستثمار الأجنبية للعودة للاستثمار في أدوات الدين الحكومية، خاصة أن عائد الاستثمار في أذون الخزانة تجاوز 30%، وتوقع النائب البرلماني السيطرة على معدل التضخم خلال الفترة المقبلة على نحو يسهم في الوصول بمعدلات العائد الحقيقية لمستويات موجبة.

سجّل الرقم القياسي العام لأسعار المستهلكين للحضر، الذي أعلنه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، معدلًا شهريًا بلغ 11.4% الشهر الماضي 2024 مقابل 6.5% عن نفس الفترة من العام الماضي. كما سجّل المعدل السنوي للتضخم 35.7% في فبراير/شباط 2024 مقابل 29.8% في يناير/كانون الثاني 2024. وسجل الرقم القياسي الأساسي لأسعار المستهلكين، المُعد من قبل البنك المركزي، معدلاً شهريًا بلغ 13.2% خلال الشهر الماضي 2024 مقابل 8.1% عن فبراير 2023.

وأوضح الفقي، في تصريحات خاصة لـ CNNبالعربية، أن عودة الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة ستسهم في توفير سيولة دولارية في السوق المحلي مما يسهم توفير السلع الأساسية ومستلزمات الإنتاج والمواد الخام اللازمة للتصنيع وتلبية الطلبات للجهاز المصرفي المصري، فيما دعا الحكومة إلى الانتباه إلى عدم تكرار التعامل مع الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة، ووضع ضوابط لخروجها، وعدم الاعتماد عليها بشكل كامل لبناء الاحتياطي النقدي.

وخرج أكثر من 20 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة من مصر، بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، واتجاه البنوك الفيدرالية حول العالم لزيادة أسعار الفائدة مما أثر على نقص في السيولة الدولارية في القطاع المصرفي.

وأكد الفقي ضرورة زيادة حصيلة موارد البلاد من النقد الأجنبي من خلال الاستثمار الأجنبي المباشر والسياحة، التي في وقت تستهدف الحكومة استقبال 30 مليون سائح بحلول عام 2028. وأشار إلى ضرورة استكمال عقد صفقات استثمارية ضخمة مماثلة لصفقة رأس الحكمة لزيادة حجم التدفقات الدولارية وتوفير فرص عمل وتحقيق نمو اقتصادي مستدام، مثل صفقة رأس جميلة على ساحل البحر الأحمر، المتوقع تنفيذها العام المقبل. كما يجب العمل على تشجيع عودة تحويلات المصريين بالخارج من خلال القنوات الرسمية، ومضاعفة حجم الصادرات المصرية من السلع.

وحققت مصر صادرات سلعية بلغت 35.5 مليار دولار خلال عام 2023 لأسواق تركيا والسعودية والإمارات والولايات المتحدة، على التوالي، وتصدرت مواد البناء قائمة أعلى السلع المصدرة بقيمة 8.8 مليار دولار.

ولفت فخري الفقي، إلى تداعيات زيادة سعر الفائدة 600 نقطة أساس على رفع تكلفة فوائد الدين، وزيادة عجز الموازنة، منوهًا في هذا الصدد إلى أن زيادة سعر الفائدة 100 نقطة أساس يكلف الموازنة أكثر من 30 مليار جنيه، كما تسهم زيادة الفائدة في صعوبة توسع رجال الأعمال في المشروعات خلال العام الحالي إلا أن الهدف من زيادة الفائدة السيطرة على التضخم على المدى قصير الأجل، وبعدها سيعاود البنك المركزي دورة تخفيف التشديد النقدي.

وفي بيان رسمي، طالبت جمعية رجال الأعمال المصريين بضرورة استحداث مبادرات تمويلية جديدة للقطاعات الإنتاجية، وعلى رأسها القطاع الصناعي والزراعي والخدمي والسياحي من أجل إعطاء الفرصة لتلك القطاعات في المساهمة في زيادة القدرات الإنتاجية وتغطية الطلب المحلي، ورفع حجم الصادرات وجذب المزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية، وأيضًا زيادة حجم التدفق السياحي من أجل ضمان زيادة التدفقات بالعملة الأجنبية خلال الفترة المقبلة.