بقلم دكتورة / ريم شطيح
رأيي أني ألوم النظام السياسي الاجتماعي الديني الذي أوصل الفجوة بين الفن والمجتمع لهذا الحد من الانفصال عن بعضهما وعن الواقع.
ألوم النخب المجتمعية التي لم تضع بوصلة هدفها التغيير الثقافي المجتمعي أولاً وتركت الأمور تصل لهذا التردّي الفكري الحاصل وأنْ يرى مجتمع بأكمله في عرض وقائع بِفيلم سينمائي شيء مُهدِّد للقيم والمجتمع والأخلاق ويحرّك كل هذا الهيجان الشعبي! فلماذا؟
دعونا نطرح بعض الأسئلة
ألا يشاهد الفرد العربي مشاهد الضرب والعنف والقهر والشر في الأعمال الدرامية كلها؟ لماذا لا يغضب بذات الطريقة مقارنةً لمشاهد تَعرض حالات خيانة أو تحرّر اجتماعي أو غيره؟ هل هذه تُهدّد القيم وتلك لا تهدّد القيم؟
ماذا عن نظرة المجتمع للفنانين؟
ألا ينظر العقل الجمعي العربي للفنان وكأنه مارق على المجتمع والقيم والإبداع ويَعتبِر كل أنواع الفنون ساقطة رغم أننا في هذا العصر؟ هل يترك الجمهور مناسبة لا يطعن فيها بالفنانات والفنانين وينتقدهم بعدوانية (مُعلَنة) محمَّلة بحقد وغضب وكأنّ الفنانين ليسوا من هذا الشعب!؟
مفارقة صارخة بين الشعب وبين الفنانين وأعمالهم الفنية تُشعِرك أنّ الفنانين من المريخ أو أنهم ليسوا من ذات المجتمع! شرخ ثقافي مجتمعي مبدأي أيضاً بينهما تشعر أنّ كل فئة تنتمي لزمن مختلف. هذه ظاهرة بحدّ ذاتها، ظاهرة مهمة جداً يجب دراستها وتسليط الضوء على كل جوانبها وما أوصل المجتمع إلى هنا، مع طرح حلول وتوقعات لما سيأتي بعد ذلك وهل يريد المجتمع العربي إذن تحويل مجتمعاته كلها لأفغانستان جديدة؟
هذا الشرخ الذي أتكلم عنه هو المشكلة. من غير الطبيعي أن يوجد هذا الفارق الهائل بين فئات المجتمع لدرجة كل هذه العدائية والحقد والطعن والدعوى للمحاسبة، ما قد يثير غريزة البعض بسبب التحريض فيندفع للقتل كما حدث مع أسماء مهمة كانت ضحية هذا التسيُّب المجتمعي الحاصل والذي هو نتيجة النظام السياسي الاجتماعي الديني المتواطئ مع كل هذا. فهل يصمد الفن وحده؟
الحقيقة لا يمكن للفن وحده أن يغيّر، ولا للقانون وحده أن يغيّر، والدليل ما ترونه أمامكم من معارك وأحقاد من سنوات. يجب أن يكون هناك هدف مشترك للجميع يتم العمل عليه من عدة اتجاهات منها الفن مع القانون مع المناهج التعليمية مع المؤسسة الدينية مع خطابات النخب والمثقفين ودور السلطة السياسية، وهذا ما تحدّثتُ عنه في العام الماضي في إحدى لقاءاتي.
لا بد من إيجاد وسائط تجمع هذه الفئات مع بعضها، تكشف أساسات مهمة في كيفية تقريب الشعب لبعضه وتعريفه بما يحدث، ففي أغلب البلدان العربية، هناك تجهيل وعدم معرفة لفئات كثيرة من المجتمع بفئات أخرى تعيش بانفتاح وتحرّر مجتمعي وثقافي، وكل منطقة لها مستواها الاجتماعي المختلف عن غيرها، ونجد الشارع وكأنه يتفاجأ (وبغضب) في كل مرة أنه يوجد أصلاً هكذا شرائح تعيش معه في نفس البلد!!
فأنْ توجَدَ هذه المسافة بهذا الشكل بين الفئات المختلفة لدرجة الصدمة واستنكار ورفض كامل لطريقة حياتهم فهذا فشل سياسي مجتمعي ثقافي يشبه الفرق الهائل بين الشرق والغرب والنقاشات الدائمة عن الفروقات الثقافية بينهما. حتى أني ألوم النخب العالمية أيضاً كيف تركَتْ هذا الشرخ الكبير بين الشرق والغرب لينقسمَ العالم بهذا الشكل! قد تستغربون الفكرة، لكنها أساس وصول الأمور لهذا الحد.
بالنهاية، ما ظهر من حالات في هذا الفيلم القصير ظهر مراراً في أعمال سينمائية أخرى، والأهم أنه موجود في كثير من الفئات المجتمعية وليس خيالاً، وعلى الشعب أن يعلم هذا. والفن بكل بساطة هو مرآة المجتمع سيّما السينما التي تعكس خليطاً بين الواقع والخيال، أحياناً لإيصال رسالة وأحياناً لصنع عمل تجاري ليس أكثر. المهم أنّ الفنون بكل أنواعها هي أعلى مستوى في الإبداع الإنساني وعلى سوية واحدة مع العلوم المتنوعة المُنتِجة للتطور الإنساني والذي بدونها لن يرقى المجتمع للتطور المنشود.
فالعمل على تطوير نظرة المجتمع للفن بأنواعه يتطلّب تطوير المجتمعات نفسها ثقافياً وفكرياً وعلمياً واقتصادياً، وهو دور النخب اليوم والنظام السياسي وما يتربط به من اجتماعي وتعليمي وديني حتى تفهم الشعوب حالة مجتمعاتها.
الكاتبة ريم شطيح
#ريم_شطيح
#أصحاب_ولا_أعز