بقلم الكاتبة الروائية
غادة أنور درويش
يتحدث الكثير عن الجائحة العالمية التي نحياها جميعاً بسبب فايروس كورونا.. فمنهم من يرى أنه إختبار من الله ومنهم من يرى أنه عقاب من الله.. ومنهم من يحزن لغلق المساجد والحرمين.. ومنهم من يرى أنها حرب بيولوجية.. ومنهم من يرى أنها نهاية العالم.. والجميع ينتظر على أمل أن ينتهي المرض في طرفة عين أو يصل العلماء إلي لقاح يخلص البشرية منه.
ولكن قبل أن نفكر في الخلاص من ذلك المرض اللعين.. هل تلقَّينا الدرس كما يجب؟ هل وقفنا وقفة مع أنفسنا أمام الله؟ هل راجعنا ماضينا وحاسبنا أنفسنا على ما اقترفناه؟ لا أعتقد.
فمازال هناك من يحيا بلا ضمير ولم يتعظ.. مازال من يتفنن في إيذاء من حوله ولم يتعظ.. مازال هناك من يستحل مال غيره ولم يتعظ.. مازال هناك من يقتل من حوله بدم بارد ولم يتعظ.. مازال هناك من يتستر خلف ستار الدين ويفعل خلفه ما يشاء من موبقات ولا يتعظ.. هناك من يغتاب ويسب ويبطش بالآخرين ولا يتعظ.
فإذا توجهت بسؤال بسيط إلى كل من ينتظر الانفراج.. هل أصلحت من نفسك؟ هل راجعت أفعالك؟ هل حاسبت نفسك؟ هل أعدت الحقوق إلى مستحقيها؟ سوف تكون الإجابة لا
عفواً أيتها الكورونا.. فالإنسان مازال يتجبر ويعيث في الأرض فساداً.. فالإنسان مازال يقتل أخيه الإنسان.. فالنفس الإنسانية
عنيدة لدرجة من الدونية تجعلها تتجبر أمام خالقها وأمام الآخرين.
فالخداع أصبح سمة رئيسية في العلاقات بين البشر.. والإنسان يتفنن في الخداع بكل ما أتاه الله من قوة لكي يأكل لحم أخيه حياً.. أصبح يتلون بكل لون ويتخفى خلف كل الأقنعة لكي يظفر بكل ما طالته أيديه معتقداً أنه الفائز.. ولكنه لا يعلم أنه الخاسر الأكبر كلما امتلأت خزائنه بما لا يستحق.. لا يعلم أن الهاوية تنتظره في نهاية الطريق.. فالابن يعق أبيه ويستحل ماله حتى لو كان الثمن حياته.. والزوج يستحل حق زوجته وأبنائه حتى لو كان الثمن هو هدم الأسرة.. والأخ يستحل مال أخيه حتى لو على حساب صلة الرحم والجميع غارق في بحر من الظلمات ولا يتعظ بالأخسرين أعمالاً من قبله.. يظلم ويظلم ويظلم ويظل مستمراً في ظلمه إلى أن يؤخذ أخذ عزيز مقتدر.
لقد أصبح طيب القلب مذموماً مدحوراً بين البشر وأصبح حقه مستباح وقلبه مستباح وعقله أيضاً مستباح.. فإذا اعترض اصبح هو الخاطئ بلا مبرر.
عفواً أيتها الكورونا فالأمر لا يحتمل.. لقد ابتلانا الله بما لم نستطع عليه صبرا.. السواد الأعظم من الناس يحيط بهم الموت من كل جانب وهم في غفلة مُعرِضون.. فإن لم يفيق الإنسان من غفلته فإننا في طريقنا إلى الهلاك لا محالة.. أفيقوا أثابكم الله لعلها تكون المنهجية ولعل باب الرحمة يظل مفتوحاً أمامنا. أفيقوا لعل الفرصة لازالت سانحة للتراجع عنا اقترفته أيدينا وطلب الرحمة من الخالق.. لعل الرحمة تأتينا من حيث لا تحتسب.