بقلم / طارق الشناوي
واجه المهرجان ضغوطًا أدبية، بعد أن أصدرت وزارة الثقافة قرارين متلاحقين، الأول إلغاء مهرجان الموسيقى العربية والثانى إلغاء مهرجان القاهرة السينمائى، بسبب ما يجرى فى غزة، القرار الرسمى لم يكن إلغاء بل تأجيلًا، إلا أننا كنا نعرف جميعًا أنه تأجيل له مذاق الإلغاء.
ربما لم تكن إدارة الجونة على قناعة تامة بالتأجيل، ولكن لاعتبارات أدبية قررت ألا تبدو متناقضة مع التوجه الرسمى للدولة، وهناك سبب آخر (خارج النص) وهو أن «الجونة» يدرك جيدًا أن سهام «السوشيال ميديا» تترصده، وهناك فريق متخصص هدفه الأساسى اغتيال الفن وقتل البهجة، وهكذا تكتشف أنهم يتحدثون عن الفستان وليس الفيلم، ويعتقد الناس أنه مهرجان الفستان وليس الأفلام، وأن التوقيت حرج، لذا قرروا الاستسلام للتأجيل.
قرار الأخوين ساويرس (نجيب وسميح) بإقامة الدورة السادسة كان هو الرد الحاسم، حتى يصل للعالم صوتنا.
جاء الافتتاح بلا مظاهر احتفالية معبرًا عن تعاطف لا يعرف أى حدود مع القضية الفلسطينية وأهلنا فى غزة الجريحة، وهناك تظاهرة للسينما الفلسطينية، بدأ الاحتفال بفيديو كليب عن فلسطين، وقال محمود حميدة كلمة مؤثرة على المسرح، والتزم القسط الأكبر بارتداء الزى الأسود، وهناك من وضع الكوفية الفلسطينية، ولا أعتقد أنها تعليمات مباشرة من إدارة المهرجان بقدر ما هو إحساس تعايش معه عدد كبير من ضيوف المهرجان.
أهمية إقامة المهرجان هذه الدورة أراها تتجاوز حتى أهمية الأفلام المعروضة، إنها درس عملى يوضح كيف نتعامل مع الأزمة.
أبغض الحلال وأسوأ الحلول هو الإلغاء، الأصعب والأكثر تأثيرًا هو أن تحيل الأزمة إلى فرصة للتعبير عن الموقف، وهو ما لم ندركه مع الأسف فى حمى التأجيل التى أصابت العديد من التظاهرات، كما أنك تكتشف أن هناك من يعامل السينما بقدر من الازدراء ويلغى المهرجان السينمائى بينما المسرح لا يطوله الإلغاء، حتى إن أكاديمية الفنون أقامت تظاهرة عن فن الأراجوز وكان الغلاف هو الفنان الكبير محمود شكوكو بالزعبوط والجلباب والعصا، ولم يعترض أحد.
الاستسلام للحزن هو إحدى أهم علامات الهزيمة، تاريخنا ملىء بالمواقف التى تؤكد أننا قاومنا الأحزان ولم نستسلم لها، ولدينا درس لما حدث بعد هزيمة 67، عندما كانت الفرق الاستعراضية الغنائية تقيم الحفلات للجنود على الجبهة مع كبار مشاهير الغناء، هذا هو الموقف الذى مع الأسف، حاولوا التعتيم عليه.
مهرجان (الجونة) يقدم رسالة هامة أيضًا من خلال حضور فنانين من العالم، تؤكد أن مصر هدف جاذب للسياحة العالمية، برغم ما يجرى فى غزة.
جاء تكريم المخرج مروان حامد كرسالة لهذا الجيل، جائزة الإنجاز حظى بها عدد من الكبار أمثال داود عبدالسيد ومنحها لمروان يؤكد أن الإنجاز لا يعرف عمرًا افتراضيًّا.
مروان كعادته ذكر كل الذين تعلم منهم، ومنح شريف عرفة خصوصية، قطعًا يستحقها، كما أنه أهدى الجائزة إلى روح والده كاتبنا الكبير وحيد حامد وإلى والدته السيدة الإعلامية الكبيرة زينب سويدان.
سوف تتواصل أيام وفعاليات المهرجان ملتزمة بكل العروض العالمية التى أشارت إليها فى الجداول، وفى نفس الوقت ستظل للسينما الفلسطينية فى هذه الدورة خصوصيتها، ويبقى أهم ما فى تلك الحكاية هو ما نجح الأخوان ساويرس (نجيب وسميح) فى إعلانه، ليؤكد أن المهرجانات لا تؤجل بل هى أهم أسلحتنا الناعمة لكى نعلن للعالم أجمع مواقفنا الوطنية والقومية!.