كتب د / حسن اللبان
حزم القائد حنا بعل أمره وقرر حسم الصراع مع الإمبراطورية الرومانية التي كانت بمثابة الدولة العظمى الوحيدة في ذلك العصر، وهو كان بذلك ينفذ وصية والده “هاميلكار برقا” بالتصدي لخطر الرومان، علاوة على الثأر لمقتله في وقت سابق على أيديهم في معركة في منطقة بإسبانيا الحالية.
بعد وقت قصير من اندلاع ما يعرف بالحرب البونيقية الثانية، توجه حنا بعل من قرطاج إلى إسبانيا وزحف من هناك بجيشه مع عدد من الأفيال وعبر جبال الألب في مسيرة لا تزال تحير الكثير من الخبراء والمختصين.
لاحقا، اشتبك حنا بعل مع جيوش الرومان وانتصر في معركتي “تريبيا” و”بحيرة تراسيمين”.
بعد الهزيمتين القاسيتين ومقتل قادتها، شكلت روما جيشا جديدا ضخما لوقف زحف هذا القائد القرطاجي الأسطوري حنا بعل برقا، واللقب القرطاجي العريق يعني بالغة الفينيقية “الصاعقة”.
كان هذا القائد القرطاجي الشهير ينوي حرمان الرومان من حلفائهم في المنطقة الإيطالية وكسب ود القبائل والمدن وتقطيع أوصال روما.
كان الجيش الروماني الجديد يقدر بنحو 90 ألفا، بينهم 63 ألفا من المشاة و6 آلاف من الفرنسان، في حين تراوح عدد جيش حنا بعل بين 40 إلى 50 ألف مقاتل، إلى جانب قوة ضاربة من الفرسان النوميديين والليبيين.
لم يتردد حنا بعل في مواجهة جيش يفوق عدد قواته مرتين، وضع خطة محكمة استفاد فيها من قوة الفرسان الضاربة والمتمرسة.
جرت تلك المعركة الشهيرة في 2 أغسطس 216 قبل الميلاد بالقرب من مدينة كاناي في منطقة بوليا المطلة على البحر الأدرياتيكي في جنوب شرق إيطاليا، وتمكن حنا بعل من استدراج الجيش الروماني الضخم، وكان بقيادة قنصلين هما لوسيوس إميل بول وجايوس تيرينتيوس فارو، ووضعه بين فكي كماشة، وحقق انتصارا ساحقا قضى فيه على نحو 70 ألفا، وكانت الطريق مفتوحة أمامه نحو روما.
حنا بعل برقا، أكد في تلك المعركة موهبته العسكرية الفذة وقدرته على القيادة والابتكار وابتداع الخطط، إلا أنه تلكأ في الزحف على روما ففقد جيشه زمام المبادرة ما أعطى فرصة للرومان لاسترداد أنفاسهم وإلحاق هزيمه قاسية بقواته قي وقت لاحق ردته على أعقابه.
لم تتمكن روما من النيل من حنا بعل. القائد العسكري العنيد الذي أذاقها أمر الهزائم في تاريخها، حيث فضل، الموت بالسم في الأناضول في عام 182 ما قبل الميلاد على الوقوع في أيدي الرومان.
بعد تلك التجربة القاسية، ترسخ اسم حنا بعل في الثقافة الرومانية باعتباره خطرا مميتا، وأصبحت عبارة “حنا بعل أمام أسوارنا” شائعة للترهيب وإثارة أقصى درجات الهلع.