بقلم د/ سيد مندور … داعية إسلامى
حينما ننظر إلى قول رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه ( كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش ) لابد لنا أن ننتبه إلى حقائق ومعانى وأسرار الصيام فليس الصيام كما يفهم البعض بأنه عدم الأكل والشراب من الفجر إلى المغرب فقط فقد قال بعض العلماء : كم من صائم مفطر وكم من مفطر صائم .
فما معنى هذه العبارة فالمفطر الصائم هو الذي يحفظ جوارحه عن الآثام ويأكل ويشرب والصائم المفطر هو الذي يجوع ويعطش ويطلق جوارحه .
وقال صلى الله عليه وسلم : “ إنما الصوم جنة فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث ولا يجهل وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم إني صائم ”وقد جاء في الخبر : “ أن امرأتين صامتا على عهد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجهدهما الجوع والعطش من آخر النهار حتى كادتا أن تتلفا فبعثتا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذناه في الإفطار فأرسل إليهما قدحا وقال صلى الله عليه وسلم : ( قل لهما قيئا فيه ما أكلتما ) فقاءت إحداهما نصفه دما عبيطا ولحما غريضا وقاءت الأخرى مثل ذلك حتى ملأتاه فعجب الناس من ذلك فقال صلى الله عليه وسلم : ( هاتان صامتا عما أحل الله لهما وأفطرتا على ما حرم الله تعالى عليهما قعدت إحداهما إلى الأخرى فجعلتا يغتابان الناس فهذا ما أكلتا من لحومهم ” .
فحقيقة الأمر الصيام له أسرار كثيرة نحاول سويا أن نتعرف على بعضها لأن حقيقة الصيام لا يعلمها إلا الله حيث قال كل عمل بن آدم له إلا الصوم فإنه لى وأنا أجزى به .
فمن أسرار الصيام الكبرى تحرير الإنسان من شهواته والانتصار عليها والاستعلاء بأشواق الروح على مطالب الجسد فإن من لا ينتصر على نفسه فلن ينتصر على عدوه فالنفس أعدى عدو للإنسان والصيام هو الذى يؤدب النفس ويجمح شهواتها .
ونجد الإمام البوصيرى فى بردته يقول : النفس كالطفل إن تهمله شب على ** حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
فلن نستطيع أن ندرك سر الصيام إلا إذا عرفنا حقيقة هذا الإنسان وسره فالأنسان عبارة عن جسد وروح فالجسد أرضى والروح سماوية فحقيقة الإنسان هو ذلك اللطيفة الربانية التي أَودَعها الله فيه بها يَعقِل ويُفكِّر وبها يُدَبِّر مُلْك الأرض ويَتطلع إلى مَلكوت السماء وبها أمَر الله الملائكة أن تَسجُدَ لآدم برغم أنه من الطين إلا أن الله أودعه سره فقال سبحانه :
” وإذ قلنا للملائكة إسجدوا لآدم ” فأودعك الله سره وأمرك بالصيام وهى صفة الصمدانية لله عز وجل والصيام عبادة غير كل العبادات حيث أنها ترك .. ترك الطعام والشراب والشهوة لأجل الله عز وجل فقد قال فى هذا المعنى أحد العارفين حيث قال :
في الصوم معنى لو تدبرته * ما حل مخلوق بمعناك
لا مثل للصوم كذا قال لي * شارعه فدبري ذاك
لأنه ترك فأين الذي * عملته أو أين دعواك
قد رجع الأمر إلى أصله * بذاك ربي قد تولاك
والصوم إن فكرت في حكمه * وأصل معناه بمعناك
ثم أتى من عنده مخبر * عن صومك المشروع عراك
فالصوم لله فلا تجهلي * وأنت مجلاه فإياك
فقد روى عن الحسن بن أبي الحسن البصري أنه مر بقوم وهم يضحكون فقال : ( إن الله عز وجل جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه يستبقون فيه لطاعته فسبق قوم ففازوا وتخلف أقوام فخابوا فالعجب كل العجب للضاحك اللاعب في اليوم الذي فاز فيه السابقون وخاب فيه المبطلون أما والله لو كشف الغطاء لاشتغل المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته ) .فالإنسان روحا وجسدا فالروح غذاؤها الذكر وهى علوية ملائكية والجسد والنفس لها الشهوات وهى أرضية فإذاغلبت الروح وسيطرت على الإنسان أصبح صاحبها فى العلو ومع الملائكة وإن تحكمت فيه النفس لأن غذاء النفس والجسد هى الشهوات وأصبح صاحبها شيطانا والعياذ بالله فرحم الله من قال :
يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته أتطلب الربح مما فيه خسران؟
أقبل على النفس واستكمل فضائلها فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان ،فلابد للإنسان أن يعرف حقيقة الصيام وأن يخالف نفسه عن الشهوات ويكون ذاكرا لله رب السماوات .
بقلم د/ سيد مندور … داعية إسلامى