بقلم د. سيد مندور – داعية اسلامى
مانراه من أحوال الناس فى الشهر الفضيل من أفعال وأقوال وتصرفات فى هذه الأيام جال بخاطرى كيف كان أحوال الصحابة والصالحين فى رمضان وكيف كانت أفعالهم فقد كانت تصرفاتهم فى رمضان غير أى وقت آخر فتعالوا سويا نعيش معهم فى رمضان لكى نسير على خطاهم ونهتدى بهداهم .. فها هو الإمام مالك بن أنس إمام المدينة الذي لا تنقطع دروسه في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم يوقفها في رمضان لأنه ينشغل بشهر القرآن بكثرة العبادة فكان الإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى إذا دخل رمضان يفرُّ من الحديث ومن مجالسة أهل العلم ويُقبل على تلاوة القرآن والصلاة والإجتهاد فى هذا الشهر الكريم .
فإذا كان الإمام مالك يترك دروس العلم ليقرأ القرآن فهل نترك نحن السهرات الرمضانية ومشاهدة المسلسلات والجلوس على شبكات الإنترنت وما شابه ذلك لننتبه لقراءة القرآن؟
وكان ابن عمر رضي لله تعالى عنهما يصوم ولا يفطر إلاَّ مع المساكين يأتي إلى المسجد فيصلي ثم يذهب إلى بيته ومعه مجموعة من المساكين .
وكان إذا جاءه سائل وهو على طعامه أخذ نصيبه من الطعام وقام فأعطاه السائل فيرجع وقد أكل أهله ما بقي من الطعام فيصبح صائماً ولم يأكل شيئاً.
وقال أبو العباس هاشم بن القاسم : ( كنت عند المهتدي ) وهو خليفة من خلفاء الدولة العباسية (عشيَّةً) أي بعد العصر (في رمضان) (فقمت لأنصرف فقال : (اجلس) فجلست فصلى بنا ودعا بالطعام فأحضرَ طبقَ خِلافٍ – طبق كبير وفيه أطباق صغيرة – عليه أرغفةٌ وآنية فيها ملحٌ وزيتٌ وخلٌّ فدعاني إلى الأكل فأكلت أكل من ينتظر الطبيخ أى أن هذا من المشهيات والمقبلات .
فقال : (ألم تكن صائماً؟!) قلت : (بلى!) قال : (فكل واستوفِ فليس هنا غير ما ترى!) هذا طعام ولي أمر المؤمنين في زمانه وإفطاره بعد أن جاع طول النهار .
فإذا كان هذا هو طعام حاكم وأمير فكيف بنا ونحن نجهز موائدنا بما لذ وطاب على الإفطار .
هؤلاء هم السلف الصالح فأتوني بمثلهم يا من تدعون السلفية .
ومما يؤكد مكانةَ الشهر في نفوس الصالحين وجعل أفعالهم وأحوالهم ترجمة عملية لنا للتأسي بهم فكيف كانت أقوالهم عن هذا الشهر الكريم .
فيقول سيدناعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم الله وجهه : (من كان همه ما يدخل إلى جوفه كانت قيمته ما يخرج منه ) .
ويقول سيدناعمر بن الخطاب رضي الله عنه مستقبلا الشهر الكريم : (مرحبا بمطهرنا من الذنوب) .
وقيل للأحنف بن قيس رحمه الله ( عندما كبر في السن ) : (إنك شيخ كبير وإن الصيام يضعفك).. فقال : (إني أعده لسفر طويل والصبر على طاعة الله سبحانه أهون من الصبر على عذابه ) .
وعن أبي سليمان الداراني قال : (إذا أردت حاجةً من حوائج الدنيا والآخرة فلا تأكل حتى تقضيَها فإن الأكل يغير العقل) .
وعن عثمان بن زائدة قال : كتب إليَّ سفيان الثوري : (إن أردت أن يصح جسمك ويقلَّ نومك فأقلل من الأكل) .
وعن إبراهيم بن أدهم قال: (من ضبط بطنه ضبط دينه ومن ملك جوعه ملك الأخلاق الصالحة) .
وعن الشافعي قال : (ما شبعت منذ ستة عشر سنة إلا شبعة أطرحها لأن الشبع يثقل البدن ويزيل الفطنة ويجلب النوم ويضعف صاحبه عن العبادة).
وقالت السيدة عائشة رضي الله عنها : (أول بدعة حدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم : الشبع إن القوم لما شبعت بطونهم جمحت بها نفوسهم إلى الدنيا ) .
وقال الحسن البصري : (إذا لم تقدر على قيام الليل ولا صيام النهار فاعلم أنك محروم قد كبَّلتك الخطايا والذنوب ).
وعن الحسن بن أبي الحسن البصري أنه مرَّ بقوم وهم يضحكون فقال : (إن الله عز وجل جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه ) والمضمار هو الميدان الذي يتسابق فيه المتسابقون بالخير وغيره (يستبقون فيه لطاعته فسبق قوم ففازو وتخلف قوم فخابوا، فالعجب كلُّ العجبِ للضاحك اللاعب في اليوم الذي فاز فيه السابقون وخاب فيه المبطلون أما والله لو كشف الغطاء لاشتغل المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته ).
فإذا كان هذا حالهم واقوالهم فكان حالهم رضي الله عنهم في النفقة والجود والكرم في رمضان فحدث ولا حرج مقتدين في ذلك بسيد الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي كان أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في شهر رمضان .
فهذا كان أحوال الصالحين فى رمضان فأين نحن منهم ومن أفعالهم ..