بقلم الأستاذة الدكتورة / إلهام سيف الدولة حمدان
لم تكن سعاد حسني سندريللا الجمال والفن بلا منازع في تجسيدها لدور “شفيقة” في فيلم “شفيقة ومتولي” المأخوذ ـ بتصرف ـ عن حواديت السيرة الشعبية؛ إلا إسقاطًا على الواقع المرير الذي كان يسود في فترة السبعينيات من القرن الماضي، حين أبدعت في تصوير كلمات الشاعر/صلاح جاهين بأغنيته : “بانوا .. على أصلكم .. بانوا” !؛ ونجحت بها في انتزاع الأقنعة الزائفة من فوق وجوه أباطرة العصر ـ وكل عصر ـ ؛ وكان هذا الدور بمثابة بداية واقعية مخططة لسيناريو المأساة التي انتهت بها حياتها المثيرة للجدل منذ لحظة ميلادها. وربما تلامس هذا الدور الخطير مع الحياة الشخصية لهذه الفنانة ـ ولكن مايعنينا هو الفن وتأثيره لاغير ـ التي مرت على حياتنا كالشهاب المارق في سماء الفن المصري؛ منذ لحظة ميلادها في حي “بولاق” بـ “قاهرة المحروسة”؛ إلى لحظة انتحارها أو قتلها أو سقوطها ـ قضاء وقدرًا العلم عند الله سبحانه ـ من شرفة بناية بـ “لندن عاصمة بلاد الضباب”؛ وهو الضباب الذي أحاط بلغز وفاتها حتى اليوم !
وكانت للعين الخبيرة لمكتشف النجوم الشاعروالأديب الكبير/عبد الرحمن الخميسي ؛الفضل الأول في اكتشاف موهبتها الفنية المبكرة، لتلعب دور “أوفيليا” في مسرحيته “هاملت” لشكسبير، وهو الدور الذي جعل المخرج السينمائي “هنري بركات” يسارع في انضمامها لطاقم فيلمه “حسن ونعيمة” أمام المطرب “محرم فؤاد” بل يمنحها دور البطولة المطلقة في دور” نعيمة”، ومن ثم تنطلق إلى آفاق النجومية؛ ولتحصد البطولة في أكثر من تسعين فيلمًا سينمائيًا ؛ تُعد من علامات السينما المصرية الفارقة وأشهرها : صغيرة على الحب ،غروب وشروق،الزوجة الثانية، أين عقلي، شفيقة ومتولي، الكرنك، أميرة حبي أنا، خللي بالك من زوزو، ومن تداعيات نجاح هذا الفيلم الباهرأن الجمهور أصبح يطلق عليها اسم “زوزو” تكريمًا لتجسيدها دورًا رائعًا ذهب بها إلى ذروة الشهرة بين الفنانات المصريات، ولم ينافسها في تلك الشهرة ؛ سوى سيدة الشاشة العربية “فاتن حمامة” في حقبة من زمن الفن الجميل والأصيل . ولم تبخل بفنها عن شاشة التليفزيون؛ فقد قامت ببطولة مسلسل تلفزيوني وحيد مع الفنان أحمد زكي “هو وهي” وفي الإذاعة ثماني مسلسلات إذاعية، وكانت آخر أعمالها عمل إذاعي شعري صوتي باسم “عجبي” من رباعيات صلاح جاهين سجلته لصالح إذاعة بي بي سي العربية في لندن، بالإضافة إلى تقديمها قصيدة “المكنجي” لصلاح جاهين كذلك، إبّان إنتفاضة الأقصى دعمًا للشعب الفلسطيني .
وأود أن أقف وقفة قصيرة للإضاءة ـ من وجهة نظري الافتراضية ـ عن الظروف التي أحاطت بوفاة هذه الفنانة التي تعملقت خلال عمرها الفني، وهي رؤيتي بأن تكون الفنانة “سعاد حسني” قد تأثرت بشخصية “أوفيليا” حبيبة “هاملت”؛ وهي التي حظيت في عالم الأدب المسرحي بمكانة خاصة في قلوب الشعراء والأدباء؛ فقد حاولت بكل الخيالات الرومانسية في روحها الشفافة ـ والتي من أجلها عشقها هاملت ـ أن تثنيه عن شهوة الانتقام من قاتل أبيه، ولكنها فشلت فشلاً ذريعًا في محاولة جذبه إلى شاطيء الخير من نهر الحياة، وهذا الفشل في إقناع حبيبها أدى إلى تخليه عنها أيضًا للتفرغ لفكرة الانتقام التي سيطرت على كل حواسه، وعدم الانصياع للتفرغ لمنحها قلبه وعشقه ؛ فكان قرارها ـ بكامل إرادتها ـ بالغرق في بحيرة الماء؛ بعد أن أصيبت بهاجس الجنون !
ترى .. هل مافعلته “اوفيليا العصر الحديث/السندريللا”، مع اختلاف أن السقوط لم يكن بالغرق في بحيرة ماء؛ ولكن كان السقوط من شاهق في “بناية لندن” هو الحل للهروب من مشاكل حياتها المتراكمة؛ والإخفاق في الحياة الزوجية التي تعددت !
هي محض مقارنة ـ من وجهة نظري ورؤيتي النقدية الافتراضية ـ بين أسلوب حياة السندريللا سعاد حسني تلك الفنانة المبهرة؛ التي مرَّت كالبرق وسط عاصفة من الفن الرائع حصدت جوائز كللت بها مشوارها ورصعته بالتقدير، وبين ظروف الوفاة التراجيدية لمن ملأت الأسماع والأبصار في لحظات مؤثرة من تاريخ الفن المصري الحديث؛ وحان وقت الحديث عنها في ذكرى وفاتها في مثل هذه الأيام من يونيو 2001، وكان مشهد وداعها إلى مثواها الأخير بمقابر الأسرة على طريق الفيوم؛ مشهدًا دراميًا مهيبًا مشحونًا بالعواطف الجياشة بقلوب الجماهير الغفيرة التي كانت في وداعها؛ دلالة مؤكدة على عشق الجماهير المصرية والعربية لفنها الصادق الرفيع ؛ ومازالت القلوب المحبة لفنها ـ حتى يومنا هذا وبرغم مرور سبعة عشر عامًا على رحيلها ـ تحتشد أمام الشاشات التي تعرض أفلامها بين الحين والحين، لتشاهد ولتتأكد أن الفن الأصيل يفرض نفسه، حتى إن غاب مبدعوه ورحلوا بعيدًا عن دنيانا وغيروا عناوينهم فمكانهم في القلوب محفور.