بقلم دكتورة / أمل مطر
يقول أفلاطون:
انه لا يعرف معنى العدالة، ولكنه يعرف معنى غياب العدالة، ويبدو ان هذا كان مدخلاً فلسفياً مناسباً للحديث عن الظلم، المظلوم عادة ما يفكر في أشياء كثيرة عندما يتعرض للظلم ليس من بينها الفلسفة.
قليل مِن البشر من يعترف بأنه ظلم ذات يوم نفساً بشرية، أو طيراً، أو حيواناً، أو حجرا. ومع هذا فقلما وجدنا من لم يباشر هذا الفعل بشكل من الأشكال، إلى درجة أن الإنسان قد يظلم نفسه أحياناً على حساب مراعاة مشاعر الآخرين، وتقديم مصلحتهم على مصلحته، إما لإحساسه بالمسؤولية عنهم، أو لتقمصه دور المخلص الذي عليه أن يضحي من أجل الآخرين، مقدماً نفسه قرباناً على مذبح الفضيلة.
الإحساس بالظلم ينشأ عند الإنسان منذ الطفولة بداية من شعوره بأن والديه يظلمانه عندما يحرمانه من اللعب طوال اليوم، انتهاءا بشعوره بالظلم من رؤساء العمل، فيكون صاحب العمل، هو الظالم الأكبر في هذه الحياة، ويصبح هو المظلوم والضحية المسفوك دمها، المهدرة حقوقها. هكذا تستمر منظومة الظلم عبر مراحل العمر المختلفة، وتنتقل مع الإنسان من مرحلة إلى أخرى، حيث تبدأ مثل دائرة صغيرة على وجه بحيرة راكدة، ثم تكبر شيئاً فشيئاً، مكونة حولها دوائر كثيرة، حتى تغطي سطح البحيرة كلها.
كلنا يتعرض للظلم و نسمع من حين لآخر للشكوى من قسوة الظروف وجبروت الآخرين، ومع ذلك فالأمر يبدو نسبي، فما يشتكي ويسخط منه البعض يعد من تمام الرفاهية والنعيم لدى غيرهم. كل هذه التفاعلات طبيعية وهي تزيد أو تنقص تبعا لعوامل مختلفة.
والفشل في إدارة الشعور “الطبيعي” بالظلم مدمر للحياة، وهو ينعكس في نهاية الأمر على بقية شؤون الحياة الشخصية وينعتها بالسوداوية وقلة الحيلة.
فالمرء يكون أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب عندما يحمل قيما اجتماعية رافضة لتعرض الآخرين -أو تعرضه هو شخصيا- للظلم
كذلك نجد ان “المظلوم” يبرر سلبياته بسلوكيات الآخرين ويظن أن نجاحاتهم كانت على حسابه، فيجد لنفسه مع الإحساس بالظلم خدعة صغيرة لتستمر بها حياته
لذا ينبغى أن نعلم إننا إن تركنا هذه المشاعر تسيطر علينا كلفنا ذلك أعظم ما نملك، الا وهو قدرتنا على السعادة وصحة أجسادنا. فالشعور بالظلم يضعف من قدرتنا على تقبل الآخرين ومعايشة الظروف المتغيرة من حولنا وهو بلا شك من أقوى عوائق النجاح.
إن مقاومتنا للأمراض تتأثر بقدرتنا على التحكم في المشاعر السلبية التي تنمو كلما ركزنا عليها.
وللتغلب على الإصابة بالأمراض “الاكتئاب” والتغلب على أمراض الذات أو النفس علينا أن نمنح الجزء الصادق من المشاعر الصعبة فرصة للحياة لا للموت السريع، ونبتعد عما يدفعنا نحو الانفجار أوالهرب أوالعصيان، يلى ذلك التعايش مع الغضب والظلم والقسوة بشكل طبيعى، ويعتمد ذلك على مهاراتنا في التحكم في مشاعرنا والسيطرة عليها تجاه الأشخاص والأحداث
فمن يجيد التعامل مع الظلم يحسن القيام بثلاثة أمور:
* لا يبالغ في التفكير المطول فيما لا يفيد
** يعرف الفرق بين ما يسيطر عليه وما لا يسيطر عليه.
*** يفكر جيدا قبل التصرف في الاتجاه المعاكس
ربما كان الأفضل بالنسبة للمرء الإيمان بأن “العالم كومة قش وعلى المرء أن يأخذ منها ما يستطيع” دون النظر إلى كلمات وعبارات مثل “الظلم” و”غياب العدالة” و”عدم الإنصاف” عليه أن يستمتع بالمتبقى من حياته…………