بقلم / يامنة بن راضي
حين تموت الطيور تدفنها الملائكة في السماء هو ما يقوله الأطفال غالبا أو يتصورونه، لأنهم يأخذون الأمور على مقاس براءتهم الجميلة، التي بدأ وهجها يخبو على ما يبدو كما خبا وهج الكثير من الأشياء والعادات المحببة في زماننا المعقد بالآلات.
وبعد أن راح عالم الشاشة والتكنولوجيا يختزل يومياتهم الطفولية في الفرجة على الصور والفيديوهات التي لا آخر لها،تحول مرحهم وشقاوتهم اللذيذة إلى مجرد لعب إلكترونية جامدة لا روح فيها، لتكون الطامة الكبرى لأنه أفنى وبلا تردد شغفهم وغريزة حب الاستطلاع التي تسيطر على كل طفل .
ولأن الطفولة صفحة بيضاء تكتب سطورها البيئة والمحيط الإجتماعي ويرسم حروف أبجديتها الأولى الوالدان ..فكيف يرسم الوالدان اليوم أبجديات أطفالهم والجو الأسري يسوده البرود والنفور في أحيان كثيرة وفي ظل اكتساح تكنولوجي مقيت ومستفز ؟ انه لا ريب أمر جلل كيف لا وأطفالنا هم مستقبل أمتنا، لذلك فإن التنشئة السليمة لهذه البراعم الآن سيتوج لاحقا بنتائج باهرة تسعد بها المجتمعات والأوطان والعكس صحيح لأن إهدار قيمة هذه الشريحة المهمة قد يأتي بما لا يحمد عقباه وقد ينقل الأمة من حضيض إلى حضيض آخر .
قبل سنوات خلت قال صاحب ” البؤساء” فيكور هوجو، “يأتي الطفل فتأتي البهجة ويهل النور” ، لكن في وقتنا الراهن نكاد نجزم أن هموم تنشئته وتربيته تسبق قدوم هذا الوافد الملائكي الجديد سيما أننا نعيش في عالم صاخب مميع قاعدته الأساسية هي تسليع كل شيء حتى القيم التي كونت أجيالا من العظماء من الأسلاف والأجداد .
يقول المختصين في علم النفس أن لا شيء يؤثر على مستقبل الإنسان قدر أحداث طفولته، لذلك كان المفكر الإسلامي السوي ” عبد الكريم بكار” يدعو الأسر العربية إلى ضرورة جعل الكتاب رفيقا دائما للطفل قائلا : ” نريد أن ننشأ الطفل وهو يشعر ان القراءة مثل النوم والطعام والشراب واللعب شيء يتكرر كل يوم”، فما أحوجنا اليوم إلى تطبيق هذه العادة الثمينة خاصة وأن أطفالنا يلجون دوامة التكنولوجيا من الباب الواسع وبكل عيوبها فيفقدون براءتهم وشغفهم الذي حوصر بين أجهزة الهاتف الذكي الذي سبب لهم الغباء و البلادة والكسل بدل الرغبة في البحث والاكتشاف وحيوية التفكير ، بل جعلهم يعيشون في غربة عن طفولتهم الحقيقية التي تاهت بهم في دروب متشعبة .وليس بعيدا عن هذا الصدد فقد كشفت دراسة قبل فترة ان تسلية الأطفال اليوم تكلف أضعاف ما كان الآباء يدفعونه بالأمس من أجل تعليم أبناءهم، من المؤكد ان هذه الدراسة أزاحت اللثام عن خطورة ما يجري داخل البيوت العربية لأن هذه التصرفات اللامسؤولة ستكون وبالا على الأمة برمتها ولن يقتصر أذاها على الابن والعائلة فحسب .
يقول مثل دانماركي: ” اللحم بلا ملح والطفل الذي لا تقومه يفسدان” كما قيل أيضا ” ان زرع بذور القوة في أطفالنا أسهل من أن نداوي رجال محطمين” فيا ترى هل نحن واعون لما يحصل ؟ ومتى
نأخذ هذه المسألة المصيرية على محمل الجد ؟ فالوقت لا ينتظر .