بقلم دكتورة / ريم شطيح
“بالنسبة لجماعة ليش قاعد برا وما بتجي بتكتب من البلد!”
هذه الفكرة غالباً ليست موجودة إلاّ في الثقافة العربية، فمعظم الكُتّاب ومَن دعوا للتغيير عبر التاريخ كانوا يُقيمون في مناطق أخرى ولا علاقة للمكان بما تكتب عنه طالما ما تدعو له وتكتب عنه هو (واقع حال وليس ابتداعا).
الكثير من الكُتّاب المعروفين أقاموا في بلدان غربية لأعوام طويلة ولم ينضب نشاطهم الفكري والثقافي لمجتمعهم الأول وهم بعيدون عنه، بل والبعض منهم كتبوا حتى وهم في السجون والمعتقلات.
(المجتمع يريد من الكاتب أفكاره وليس جسده. عندما نقرأ مقالاً لأحدهم في الصحف أو كتاباً، لا يعنيني أين يقطن الكاتب ولا حياته الشخصية؛ يعنيني ما قدّم لي من أفكار).
من جهة أخرى، الكاتب وحده لا يستطيع أن يغيّر مجتمع بأكمله؛ الكاتب والمثقف التنويري يقدّم أفكاره التي يرى فيها تنويراً للمجتمع كما فعل الكُتّاب والفلاسفة عبر التاريخ كدوستويڤسكي أو جبران خليل جبران وغيرهم. في هذه الحالة، القرار يبقى للمُتلقّي من القُرّاء فيما لو أرادوا الاستفادة من هذه الأفكار المطروحة، بالإضافة إلى نوعية التعليم المتوفّرة لهذا القارئ من مناهج دراسية ودور الأسرة والمحيط القريب والمجتمع. لكن يبقى هناك عامل مهم ورئيسي وهو دور السلطة في هذا التغيير، فكثيرا ما يتصادم الكمّ والمستوى المعرفي مع وضع السلطة السياسية في البلدان العربية المحكومة من أنظمة شمولية، فهذه الأنظمة تتولّى كل القرارات حتى المتعلقة بدرجة التنوير والتعليم في البلاد وممارستهما وليس فقط تلقّيهما، ولهذا فالكاتب والمثقف الحقيقي هو عدو السلطة الأول ويشكّل ضغطا حقيقيا على السلطات السياسية والدينية بشكل عام، وسجون الأنظمة الشمولية تعجّ بالمُعتقَلين من كُتّاب ومثقّفين ما دفع الكثيرين منهم للرحيل والهروب والكتابة من الخارج لاستحالتها أمنياً من الداخل. ولا شك في هذه الحالة تُرِكَت الساحة للمُرتزقة من الكُتّاب وما يُسمَّى مثقّفين السلطة وبعض رجال الدين وقبضة الأمن الحديدية والفقر والجهل أن يتحكّموا بالعقول والسلوك.
مَن يحمل مشروعاً تنويرياً لهذه البلاد فليطرحه أينما كان يقطن، فنحن نريد أفكاره وليس مكان إقامته، فالعلم والمعرفة لا يتوقفان على مكان، وعملية التنوير عملية طويلة وليست عملاً نُنجزه في يوم واحد ونجني ثماره في ذات اليوم، هذا تاريخ أمم يا رفاق. فلنخرج من قوقعة المكان والأفكار المعلَّبة؛ لا حدود جغرافية للكلمة من أي مكان خرجَتْ!
الكاتبة ريم شطيح – أستاذة جامعية لعلم النفس
Sarkis ABOUZEID