بقلم السفيرة الدكتورة / ماجدة الدسوقي
تشكل الثقافة مفهومًا واصطلاحًا ، بمعناها الواسع جميع السمات
المميزة للأمة ، من مادية وروحية وفكرية وفنية ووجدانية ، كما أنها تشمل
مجموعة من المعارف والقيم والأخلاق وطرائق التفكير ، والإبداع الجمالي والفني والمعرفي والتقني وسبل السلوك والتعبير ، ونمط الحياة ، كما أنها تشمل تطلعات الإنسان للمثل العليا ، ومحاولاته إعادة النظر في منجزاته ،
والبحث الدائم عن مدلولات جديدة لحياته وقيمه ومستقبله ، وإبداع كل ما يتفوق به على ذاته . إن الثقافة تشمل كل ما أنتجه الفكر البشري من أشياء مادية أو فكرية ( معنوية) : إن العناصر المادية تعني ما أنتجه الإنسان ويمكن معرفته بالحواس .أما العنصر المعنويه: تشمل أنماط السلوك والمعايير الإجتماعية والقيم والأعراف والتقاليد.ومن خصائص العناصر الثقافية أنها مكتسبة إنتقالية ، تراكمية ، وتكاملية ،وتتصف بالعمومية والثبات والاستمرار. فالثقافة على العموم ، تشكل فكرنا وتحكم سلوكنا . لكل مجتمع ثقافته المحلية أو الوطنية أو القومية ، التي تشكل المعبّر الأصيل عن خصوصيته أو هويته ، وتعد نتاجًا طبيعيًا لخليط مميز اسهمت في تكوينه عوامل جغرافية وتاريخية ،واجتماعية ،،وسياسية ، واقتصادية ، ودينية عايشها ذلك المجتمع على مر الزمن ، كما أن الثقافة الشعبية تشكل جانبًا مهمًا من تلك الخصوصية ، لأنها أشد إتصالًا بحياة الناس وأوفى تمثيلًا لحال الامة .
والملفت للنظر أن العولمة قد تجاوزت مجال الإقتصاد والتجارة ، وأصبحت تحتل مركز التفكير الإنساني ، وهي تسعى جاهدة إلى فرض ثقافة واحدة تسود كافة أنحاء العالم ، وتؤدي إلى إزالة تلك الثقافات الوطنية ، وتطمس تنوعها الحضاري ، وتلغي خصوصيتها المجتمعية والمحلية أو القومية . نلاحظ من الأفكار المتداولة في هذا السياق أن الإنتشار المتواصل والمبرمج ، وعلى نطاق عالمي ، لأنماط معينةمن التفكير والسلوك ومن أشكال الإستهلاك والترفيه والتسلية بواسطة الإعلام
والاتصال العابرة للحدود والأزمنة ، سوف يقود إلى تدعيم مرتكزات “حضارة عالمية واحدة”أو ” قرية كونية متشابهة ” تحمل طابع” العولمة الثقافية ” وتخضع “لمخطط كوني مشترك للحداثة”وتتمحور أنظمة العيش في أرجائها حول محاكاة النموذج السياسي ،والاقتصادي ،والاجتماعي ،
والمسلكي للغرب ، تتبع قيمه ومعاييره وتوجهاته الحياتية بإعتباره يمثل “ثقافة فائقة “، أي الثقافة الأكثر تقدمًا وتميزًا ، وبالتالي الثقافة الأصلح والتي تناسب كل البشر .لذلك يتجه العديد من المفكرين إلى وصف العولمة ” بحضارة التنميط ، وبالعنصرية الثقافية المتغطرسة” بالمقابل فإن العولمة الثقافية في نظر المفكرين ما هي إلا قشرة رقيقة تخفي التنوع الكبير في الثقافات التي تشكلت وترسخت على مر التاريخ وجميعها يوجد تحت هذه القشرة على نحو ما .
وعلى الرغم من الضغوط القوية للحضارة الغربية ،إلا أنها لديها مشكلة مع العولمة، وتتخذ إزاء مؤثراتها موقف تتسم بالحذر والتمرد والممانعة والشك ، ولاترى في مظاهرها سوى شكلًا من أشكال السيطرة الأمريكية على سائر الثقافات وعدوانًا رمزيًا على حضارات الشعوب وتراثها وتقاليدها وثقافتها الشعبية ، فهي لا تمثل النموذج المثالي لأن الأسس البنائية لمعالمه لا تتماشى والأسس البنائية لبعض الحضارات ، وخاصة حضارة الشرق القائمة على أسس وثوابت تاريخية متينة ،لذلك فإن العولمة الثقافية ستكون عاجزة عن تحقيق أغراضها أو إزالة السمات الجوهرية في البنية الثقافية الأصيلة. العريقة للأمم ، لما لتلك السمات من عمق في كينونتها يصعب الوصول إلى أغوارها وتغييرها ،خصوصًا وأن الجماعات البشرية بدافع حب البقاء والاستمرار وإثبات الذات ترفض استلاب أي جزء من موروثاتها . تسعى بشتى الوسائل للمحافظة على تميزها .