كتب د / حسن اللبان
بعد يوم من القتال العنيف والذي خلف ما يقرب من 180 قتيلا في البلاد التي شهدت قصف المستشفيات بالصواريخ بينما كانت تكافح لإنقاذ الأرواح، ندد قائد الجيش السوداني بما أسماه “محاولة انقلاب”.
قال عبد الفتاح البرهان، المتورط في صراع دموي على السلطة في السودان منذ السبت الماضي، لشبكة CNN إن مجموعة قوات الدعم السريع شبه العسكرية تقود “محاولة انقلاب وتمرد ضد الدولة”.
اندلعت الاشتباكات لأول مرة يوم السبت بين الجيش وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، المعروف أيضًا باسم حميدتي، والذي، قال لشبكة CNN، الأحد، إن الجيش انتهك وقف إطلاق النار المؤقت الذي توسطت فيه الأمم المتحدة.
قال البرهان، الذي أطاح برفقة حميدتي بالرئيس السوداني عمر البشير في عام 2019 والذي لعب دورًا رئيسيًا في الانقلاب العسكري بعد ذلك بعامين، إن حليفه السابق “تمرد” ضد الدولة، وإذا تم القبض عليه، فسيتم محاكمته في المحكمة.
وكان سكان العاصمة الخرطوم قد شهدوا، الاثنين، تواصل القتال وأصوات المدفعية والقصف من قبل الطائرات الحربية فيما قال شهود عيان لشبكة CNN إنهم سمعوا قذائف الهاون في الساعات الأولى. اشتد القتال بعد صلاة الفجر في اتجاه مطار الخرطوم الدولي ومواقع للجيش السوداني.
وفقًا لروايات شهود عيان لشبكة CNN واثنتين من منظمات الأطباء، يتم استهداف المستشفيات في البلاد والتي تعاني من نقص في إمدادات الدم ومعدات الإنقاذ، بضربات عسكرية من قبل كل من الجيش وقوات الدعم السريع، مما يجعل الكوادر الطبية غير قادرة على الوصول إلى الجرحى ودفن الموتى.
قال طبيب بمستشفى في الخرطوم -لن تذكر CNN اسمه لأسباب أمنية- إن المستشفى الذي يعمل فيه مستهدف منذ السبت الماضي: “لقد تعرض جناح الولادة لضربة مباشرة، نستطيع سماع أصوات أسلحة ثقيلة ونستلقي مع مرضانا على الأرض، كان المستشفى نفسه يتعرض للهجوم”.
تواصلت CNN مع الجيش السوداني وقوات الدعم السريع للتعليق.
قال طبيب آخر في نفس مستشفى المعلم لشبكة CNN إن طاقم المستشفى ظل في الموقع تحت قصف قوات الدعم السريع لمدة يومين، قبل أن يتم إخلاءه من قبل الجيش السوداني. وأضاف الطبيب: “كنا نعيش في معركة حقيقية، هل تصدق أننا غادرنا المستشفى وتركنا وراءنا أطفالًا في حاضنات ومرضى في العناية المركزة دون أي طاقم طبي؟ لا أصدق أنني نجوت من الموت في المستشفى، حيث رائحة الموت في كل مكان”.
الخلاف حول وقف إطلاق النار
دوى صوت طلقات نارية في الخلفية بينما كان البرهان يتحدث لشبكة CNN يوم الاثنين، على الرغم من وقف إطلاق النار المتفق عليه في الساعة 4 مساءً بالتوقيت المحلي. وادعى أنه لليوم الثاني، ينتهك قائد قوات الدعم السريع وقف إطلاق النار المتفق عليه.
قال: “بالأمس واليوم تم طرح اقتراح لوقف إطلاق النار لأسباب إنسانية وتم الاتفاق عليه. للأسف، لم يلتزم به، يمكنك الآن سماع محاولات اقتحام مقر الجيش وهجمات الهاون العشوائية، إنه يستغل فترة التوقف لأسباب إنسانية، لمواصلة القتال”.
حين سُئل متحدث باسم قوات الدعم السريع عن هذا الادعاء، قال لشبكة CNN إن قوات الدعم السريع كانت تحاول الالتزام بوقف إطلاق النار، لكن “هم يواصلون إطلاق النار مما لا يترك أي خيار آخر” سوى أن “تدافع قوات الدعم السريع عن نفسها بالرد”.
وقال حميدتي يوم الاثنين إن مجموعته ستلاحق قائد القوات المسلحة السودانية عبد الفتاح البرهان “وتقدمه للعدالة”، فيما دعا الجيش السوداني مقاتلي الفصائل شبه العسكرية للانشقاق والانضمام إلى القوات المسلحة.
تُظهر لقطات فيديو تم التحقق منها طائرات ومروحيات عسكرية تضرب المطار، وتظهر مقاطع أخرى بقايا متفحمة لمبنى القيادة العامة للجيش القريب بعد أن اشتعلت فيه النيران يوم الأحد.
قال السكان في أحياء شرق المطار لشبكة CNN إنهم شاهدوا طائرات حربية تقصف مواقع شرق القيادة. وقال شاهد عيان “رأينا انفجارات ودخانًا يتصاعد من شارع عبيد خاتم، وأطلقت بعد ذلك مباشرة المدفعية المضادة للطائرات نيرانًا كثيفة باتجاه الطائرات”.
شاهدة عيان، تدعى أمل بخيت، تحدثت إلى CNN إلى جانب قريبتها أصيل محمد. كلتا المرأتين مقيمتان في الولايات المتحدة، لكنهما سافرتا مؤخرًا إلى الخرطوم لزيارة العائلة، وهما الآن عالقتان داخل البلاد.
وقالت إن القصف يوم الاثنين كان الأعنف منذ بدء القتال. وأضافت: “إنه مستمر منذ الصباح الباكر اليوم. وتابعت: “كانت أعنف مدفعية سمعناها خلال الأيام الثلاثة الماضية”.
وقالت بخيت إن الناس في السودان معتادون على سماع نيران المدفعية والطلقات النارية منذ 2018 عندما هزت الاضطرابات البلاد، لكن الأيام القليلة الماضية كانت مختلفة.
وتابعت أن “الأمر مختلف هذه المرة لأنه بين قوتين، ويبدو أننا لسنا مستعدين لذلك. إنها حرب. نحن لسنا مستعدين لذلك”.
ارتباك وسط الأزمة
وسط هذه الفوضى، يعمل طرفا القتال على إظهار السيطرة في العاصمة. قالت القوات المسلحة يوم الاثنين، إن قوات الدعم السريع تروج “أكاذيب لتضليل الرأي العام”، مؤكدة أن الجيش “يسيطر بشكل كامل على كل مقاره” في العاصمة الخرطوم.
عادت القناة التلفزيونية الوطنية الرسمية في السودان للبث يوم الاثنين، بعد يوم من التوقف، وبثت رسائل دعما للجيش.
وجاء في شريط إخباري على القناة “أن القوات المسلحة تمكنت من استعادة السيطرة على الإذاعة الوطنية بعد محاولات متكررة من قبل الميليشيات لتدمير بنيتها التحتية”. وعلى الرغم من أنه يبدو بأن القوات المسلحة تسيطر على بث التلفزيون، لا تستطيع CNN التحقق بشكل مستقل من أن الجيش يسيطر فعليًا على مباني تلفزيون السودان.
وذكر شريط إخباري على القناة أن “القوات المسلحة تمكنت من استعادة السيطرة على الإذاعة الوطنية بعد محاولات متكررة من قبل الميليشيات لتدمير بنيتها التحتية”.
وكتب الصحفي السوداني فتحي العرضي، على موقع فيسبوك، أن اشتباكات ومعارك اندلعت في الشوارع في منطقة الكافوري شمال الخرطوم فجر يوم الاثنين، ما دفع السكان للبدء بإجلاء النساء والأطفال من المنطقة. وأفاد السكان في منطقة كلاكلة جنوبي العاصمة بأن جدران منازلهم قد اهتزت من جراء الانفجارات.
كما ظهرت تقارير عن معارك على بعد مئات الأميال في مدينة بورسودان الشرقية ومنطقة دارفور الغربية خلال عطلة نهاية الأسبوع.
وفقًا للجنة التمهيدية لنقابة الأطباء السودانيين قُتل ما لا يقل عن 180 شخصًا حتى يوم الإثنين. لقد قدرت منظمة الصحة العالمية في وقت سابق يوم الأحد إصابة أكثر من 1800 شخص.
حذرت منظمة الصحة العالمية من أن الأطباء والممرضات يكافحون للوصول إلى الأشخاص الذين يحتاجون إلى رعاية عاجلة، ويفتقرون إلى الإمدادات الأساسية.
وقالت يوم الأحد: “لقد استنفدت الآن الإمدادات التي وزعتها منظمة الصحة على المرافق الصحية قبل هذا التصعيد الأخير للنزاع، وأبلغ العديد من المستشفيات التسعة في الخرطوم التي تستقبل مدنيين مصابين عن نقص في الدم، ووسائل نقل الدم، والسوائل الوريدية، والإمدادات الطبية، وغير ذلك من المواد المنقذة للحياة”.
ويؤثر انقطاع المياه والكهرباء على وظائف المرافق الصحية، كما تم الإبلاغ عن نقص الوقود لمولدات المستشفيات”.
في مقابلة مع شبكة CNN، ألقى حميدتي باللوم على الجيش في بدء الصراع وادعى أن قوات الدعم السريع “كان عليها مواصلة القتال للدفاع عن نفسها”.
وتكهن بأن قائد الجيش ومنافسه البرهان فقد السيطرة على الجيش. عندما سُئل عما إذا كانت نهايته هي حكم السودان، قال حميدتي إنه “ليس لديه مثل هذه النوايا”، وأنه يجب أن تكون هناك حكومة مدنية.
تم تحذير المدنيين بالبقاء في منازلهم وسط القتال. غرد أحد السكان المحليين بالقول إنهم “محاصرون داخل منازلنا مع القليل أو بدون حماية على الإطلاق”.
كتبوا: “كل ما نسمعه هو انفجار بعد الآخر، لا نعرف ماذا يحدث بالضبط وأين، ولكن يبدو أنه فوق رؤوسنا مباشرة”.
الوصول إلى المعلومات محدود أيضًا، مع توقف بث القناة التلفزيونية الوطنية المملوكة للحكومة. قال موظفو التلفزيون لشبكة CNN إن الأمر في أيدي قوات الدعم السريع.
توقف الخدمات وبدء عمليات الإجلاء
وضع الصراع الدول والمنظمات الأخرى في حالة تأهب قصوى، حيث أوقف برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة جميع العمليات في السودان مؤقتًا بعد مقتل 3 موظفين في اشتباكات يوم السبت.
وقالت وكالة الإغاثة الدولية إن الأمم المتحدة والمنشآت الإنسانية الأخرى في دارفور قد تعرضت للنهب، بينما تعرضت طائرة يديرها برنامج الأغذية العالمي لأضرار جسيمة من جراء إطلاق النار في الخرطوم، مما أعاق قدرة البرنامج على نقل المساعدات والعاملين داخل البلاد.
أعلنت الخطوط الجوية القطرية الأحد، تعليق الرحلات الجوية من وإلى الخرطوم مؤقتًا بسبب إغلاق مطارها وأجوائها.
قال حميدتي لشبكة CNN يوم الأحد إن قوات الدعم السريع تسيطر على المطار، بالإضافة إلى العديد من المباني الحكومية الأخرى في العاصمة.
قالت سفارة الولايات المتحدة في السودان، الأحد، إنه لا توجد حتى الآن خطط إجلاء للأمريكيين في البلاد بتنسيق حكومي، مستشهدة بإغلاق مطار الخرطوم. ونصحت المواطنين الأمريكيين بالبقاء في منازلهم، مضيفة أنها ستصدر إعلانًا “إذا أصبح إجلاء المواطنين الأمريكيين ضروريًا