بقلم د / إلهام سيف الدولة حمدان
نعلم جميعًا أن حروف اللغة العربية ثمانٍ وعشرون حرفًا؛ ومن هذه الحروف الحريرية ينسج الشعراء والأدباء والصحافيون عشرات القصائد والروايات والمقالات؛ وتخرج إلى المتلقِّي في ثوبٍ قشيب؛ الأمر الذي حّدَا بالمتلقين أن يقولوا : إن كل هؤلاء يبحثون دومًا عن الحرف التاسع والعشرين؛ لدأبهم على البحث والتنقيب في أغوار كهوف اللغة عمَا تُخبئه من معانٍ جميلة تحلَّق بقارئيها في آفاق الخيال والمتعة الحسِّيَّة والشعورية اللامحدودة .
كذلك تأتي “النوتة الموسيقية” وهي مكونات حروف “لغة الموسيقا” التي ندندن بها .. أو “المزِّيكا”وانعكاس التسمية على رجل الشارع في مصر و في جنبات العالم العربي؛ وهي اللغة التي تتجسد في إيقاعات زمنية رتيبة يحددها علماء هذا الفن الأصيل ؛وتتقولب في حركاتها الرشيقة :
( دُو/ ري / مي / فا /صول/ لا /سي .. حتى جواب القرار الأخير ( دُو ) !
ومن خلال هذه الرموز والأحرف الموسيقية التي يحلِّق بها علماء هذه اللغة بنا وبأحاسيسنا وبأوتارها المشدودة في عوالم المتعة والبهجة والجمال .
وكما صاغ الشعراء والأدباء قصائدهم ورواياتهم العصماء الخالدة؛ صاغ علماء الموسيقا والأنغام أجمل المقطوعات التي سكنت أفئدة المشاهدين للأفلام العالمية في العالم الغربي والعربي؛ فقامت الموسيقا التصويرية بترجمة تلاوين من أحاسيس الفرح والحزن والدهشة والقلق والشوق والحب ولوعة الانتظار وفرحة اللقاء وقسوة الغياب والحنين ــ دون الاستعانة بالكلمات المنطوقة أو الترجمة المكتوبة على الشاشة البيضاء ــ وتُعد بمثابة المعادل المسموع للمشهد السينمائي أو المسرحي أو التليفزيوني أو الإذاعي، كما أنها من العناصر الأساسية في صناعة الفيلم السينمائي أو المسرحية؛ وقد سبقت الموسيقا التصويرية على الحوار في الأفلام الصامتة في فجر صناعة السينما العالمية والتي أبرزها أفلام شارلي شابلن، وهي تختلف اختلافًا كليًا عن المؤثرات الصوتية المنقولة من الموقع والمكان .
فلم تقتصر الموسيقا على مصاحبة الغناء فقط، وإنما دخلت في صلب الموضوعات الدرامية لعالم السينما؛ بل أن بعض النقاد يصفون الموسيقا التصويرية في السينما والمسلسلات بأنها تمثل نصف الصورة، فمن منَّا لايتذكر الموسيقا التصويرية في أفلام العالم الغربي : على جسر نهر كواي،المرتزقة، نضال الأبطال،زوربا، دكتور زيفاجو؛ وفي عالم الأفلام العربية يتألق الموسيقار/ عمر خيرت في : خللي بالك من عقلك، ليلة القبض على فاطمة، والموسيقار/راجح داود في فيلم “الكيت كات”، ولا ننسى قمة الإبداع الموسيقي التي صاغها العبقري “أندريا رايدر”؛ الذي يقول النقاد عنه : إنه يوناني المولد مصري القلب، وهو الذي استطاع أن يقوم بصياغة أكثر من ستين فيلمًا منذ خمسينيات القرن الماضي؛ وأشهرهم : دعاء الكروان، اللص والكلاب، غروب وشروق، وقيامه بتوزيع العديد من أغاني موسيقار الأجيال العملاق/محمد عبد الوهاب وأغنيات العندليب /عبد الحليم حافظ وذلك على سبيل المثال .
ولا تقتصر الموسيقا على التصوير فقط أو الاعتماد على بعض المؤثرات الصوتية في الموقع والمكان، وإنما هناك العديد من أنواع الموسيقات”:
* الكلاسيكية: لزيادة ارتفاع وارتقاء المزاج كموسيقا “باخ”.
* الموسيقا الطبيعية : مثل الأصوات المهدئة كالمياه الجارية والمطر وخشخشة أوراق الشجر؛ ومن الأصوات الطبيعية صوت آلات البيانو والمزمار .
* الموسيقا الملحمية : وهي التي تقويك وترفع من معنوياتك ؛ وعنها يقولون: إنه إذا كنت تشعر بالتعب وعدم الإلهام خلال أيام العمل، جرب الاستماع لبعض من تلك “الموسيقا الملحمية” لتمنحك دفعة إضافية من التحفيز؛ ويحسُن اللجوء للموسيقا الملحمية عندما يكون الوقت متأخرًا وتحتاج إلى دفعة طاقة للاستمرار في العمل على مشروع .
وأخيرًا .. يقولون :
اعرف ما يناسبك.من أنواع الموسيقا الهادئة والرقيقة؛ فقد تساعدك على التركيز في العمل؛ بينما المقطوعات عالية الطاقة يمكنها الحفاظ على حماسك وتوهج مشاعرك، وبالتأكيد هناك ــ داخل عالمك ــ تلك الأوقات الرائعة عندما يكون الصمت من ذهب !
ولكن ــ وبشهادة علماء النفس والاجتماع ــ الذين يطرحون سؤالًا جوهريًا ــ : كيف تؤثر الموسيقا التصويرية على الدماغ ؟ فبوصفها لغة عالمية؛ قادرة على استحضارالذكريات وإيقاظ المشاعر ومساعدتنا في كل اللحظات النفسية الصعبة؛ وهذا هو السبب في أنها عنصر من عناصر التأثير الكبير في عالم السينما، ومن منَّا لا يتذكر الموسيقا التصويرية للفيلم المفضل لديه ؟
فالموسيقا التصويرية للأفلام تمتلك القدرة على تحريكنا، أو جعلنا نبتسم ، أو تزعجنا أو تجعلنا نبكي، فالموسيقا تحيط بنا وتثير اهتمامنا وهي قادرة على جعلنا نسافر ونحلق في عوالم النقاء والصفاء الروحي؛ وفي الحقيقة نحن نعيش معها في جميع الأوقات .
ويعرف الملحنون الموسيقيون للأفلام جيدًا كيف تؤثرالموسيقا التصويرية على الدماغ؛ لذلك يستخدمون قوتها كمحفِّز للمشاعر الإنسانية المرهفة؛ وهي تثري تجربة المشاهد في السينما, لأنها تولد العواطف وتوقظ الذكريات المدفونة في أركان العقل الباطن .
والآن .. ونحن على أبواب شهر رمضان المعظم ـ موسم تزايد إنتاج الدراما التليفزيونية للمشاهد المصري والعربي ـ ننتظر الكثير والكثير؛ ويتملكنا الأمل من صنَّاع هذا الفن الجميل؛ أن يتفننوا في اختيار موسيقاها التصويرية التي تعيش داخل الوجدان المصري والعربي؛كما عاشت موسيقا مسلسلات : ليالي الحلمية، الشهد والدموع، لن اعيش في جلبات أبي .. وغيرها من الأعمال الدرامية التي ستعيش إلى الأبد في ذاكرة المجتمع المصري والعربي .. إلى يوم يُبعثون .
وكل عام ومصرنا المحروسة وعالمنا العربي والإسلامي بكل الخير والبركات .
رئيس قسم الإنتاج الإبداعي الأسبق بأكاديمية الفنون وعضو اتحاد كتاب مصر
جريدة #اخبار_النجوم
د. إلهام سيف الدولة حمدان تكتب : الموسيقا التصويرية … والأعمال الدرامية #رمضان2022 #مسلسلات_رمضان