بقلم / راندا بدر
وطنية بلا شعارات !!!
أيها السادة … أيها السادة … انظروا إلى الرفوف العالية التي وضعت عليها قامات مصر ، ثم انظروا إلى الأرض التي نسير عليها الآن … الفرق بين السماء و الأرض !!!
في زمن ليس ببعيد ، كان الخالق يمنح مصر رجالاً … نعم رجالاً بكلمة واحدة … لم يكونوا بشراً عاديين ، كانوا عمالقة بأخلاقهم ، و عقولهم ، و إخلاصهم … عبدالحميد بدوي باشا لم يكن مجرد اسم في كتاب قديم ، كان ظاهرة قانونية تجلت فيها عبقرية مصر الأصيلة ،
هذا الرجل … وضع ميثاق الأمم المتحدة … نعم ميثاق العالم كله … وقف يحاضر كبار قانوني العالم في لاهاي و كانوا يصغون إليه كما يصغي التلاميذ إلى المعلم القدير … و السنهوري نفسه ، عملاق القانون العربي ، يقول عنه إنه ” أكبر عبقرية قانونية في العصر الحديث ” … السنهوري الذي حير العالم بذكائه يقول هذا الكلام !!!


، و السؤال الذي يصرخ في وجهي الآن … أين بدوي اليوم ؟ أين السنهوري ؟ أين طه حسين و العقاد و نجيب محفوظ و زويل ؟!
لقد استبدلنا القامات بالأقزام … استبدلنا العباقرة بالـ” ميديوكرات ” … نعم ” الميديوكرات” … أولئك الذين يتصدرون المشهد و هم فارغون كالقشور، يتمايلون كالببغاوات ، يرددون ما يسمعون دون عقل أو فهم ،
أصبحنا نعيش في زمن ” الفهلوة ” … زمن الادعاء و الكلام الفارغ … زمن الأضواء الخادعة ، و الضحك على الذقون … رحل العمالقة و جاء من يحملون ألقاباً لا يستحقونها ، و مناصب أكبر من عقولهم ، و مكاتب فاخرة لا تتناسب مع إنجازاتهم الوهمية ،
لماذا لم نعد نرى نماذج مثل بدوي ؟؟؟
لأننا أصبحنا نعبد الشكل على حساب المضمون … لأننا نكافئ الرداءة ، و نكافئ من يصعدون على أكتاف غيرهم … لأننا نستمع إلى صوت المزمار و لا ننصت إلى عمق الفكرة ،


لقد خنا تراث الآباء … خانّا الأمانة … تركنا إرثهم العظيم ينهار كما تتهالك مباني القاهرة العتيقة ، و نحن نتفرج كأن الأمر لا يعنينا !!!
يا سادة … النهضة التي نتباهى بها لم تكن من صنع فرد واحد ، بل كانت من صنع جيل كامل من العمالقة … جيل آمن بمصر و عاش لها و مات من أجلها … جيل لم يسأل :-
ماذا سأستفيد ؟
بل سأل :-
ماذا سأقدم ؟
أما اليوم … فقد أصبح السؤال : –
كيف أتصدر المشهد ؟
كيف أظهر في التلفزيون ؟
كيف أحصل على منصب ؟
كيف أملأ جيوبي ؟!
العار كل العار … أن نرتدي عباءة الآباء و نحن أقزام … أن ننام على أمجاد الماضي دون أن نضيف لها حرفاً واحداً … أن ندعي الثقافة ، و نحن لا نقرأ … أن ندعي القيادة و نحن لا نخدم إلا أنفسنا ،


كفى فهلوة … كفى ادعاء … كفى ترديداً لكلمات لا نفهمها … إن مصر تستحق أكثر من هذا … تستحق رجالاً من طينة بدوي ، و السنهوري … رجالاً يعرفون معنى العطاء بلا حدود … و الوطنية بلا شعارات ،
و إلا … فسنصبح مجرد ذكرى في كتب التاريخ … شعب عاش في الماضي و لم يستحق الحاضر و لم يعد له مستقبل .
#راندا_بدر























































