بقلم الكاتبة الصحفية / سهام فودة
أحيانًا تثقلنا الحياة بما لا نحتمل، فتبدو الأيام كأنها تسير ضدنا، وتتحوّل الخطوات إلى عبءٍ لا يُطاق. يضيق الصدر، وتضيع الملامح في زحام الهموم، فنظن أن الطرق قد أُغلقت، وأن الأمل قد انسحب من قلوبنا دون رجعة. غير أن في أعماق الروح ضوءًا خفيًا لا ينطفئ، يذكّرنا أن الله أرحم بنا من أنفسنا، وأن ما نحمله فوق أكتافنا لم يُقدّر لنا إلا لأنه في وسعنا، وأن وراء كل وجعٍ رسالة، ووراء كل ظلمةٍ صبحٌ ينتظر الإذن بالطلوع.
في لحظات الانكسار، حين نعجز عن البكاء أو حتى عن الشكوى، يرسل الله لنا نسمة طمأنينةٍ غير مرئية، ربما في كلمةٍ عابرة، أو في آيةٍ تُتلى، أو في موقفٍ صغيرٍ يُعيد ترتيب الفوضى بداخلنا. فنتنفس بعمق، وندرك أن ما كان يبدو قسوة هو في جوهره عناية، وأن ما حسبناه خذلانًا كان بابًا خفيًا نحو حكمةٍ أكبر.
الحياة لا تُصفعنا عبثًا، ولا تُسقطنا إلا لتُعلّمنا كيف ننهض على يقينٍ أقوى. فالله لا يترك قلبًا لجأ إليه، ولا يخذل من رفع عينيه إلى السماء طالبًا المدد. هناك دائمًا في أعماق كل محنة بذرة منحة، تنبت متى ما سقيناها بالصبر والثقة. إنما الشأن كل الشأن في أن لا نغفل عن هذا النور الكامن فينا، وأن لا نسمح للعتمة أن تُطفئه.
وحين نتأمل بعد العاصفة، ندرك كم كنا أقوياء رغم ضعفنا، وكم كانت تلك اللحظات التي حسبناها نهايةً، هي في الحقيقة بداية جديدة خُطّت لنا بحكمة إلهية لم ندركها إلا بعد حين. فالله لا يُغلق بابًا إلا ليفتح آخر أجمل، ولا يسلب شيئًا إلا ليهب ما هو خير منه.
تجدد الأمل ليس حدثًا خارجيًا، بل هو انتفاضة الروح حين تتذكر أن الله أقرب إليها من حبل الوريد. وحين يشرق في القلب نور الطمأنينة، نرى العالم من جديد، لا كما هو، بل كما يُريد الله أن نراه: دار ابتلاءٍ لا دار بقاء، وممرٍّ نحو الجمال الأبدي الذي لا يزول.
والرسالة الواضحة التي تبعثها لنا الحياة كل مرة:
مهما اشتدّ الظلام، لا تيأس. تمسّك بإيمانك، واذكر أن الله معك وإن خذلك الكل، وأن ما تعجز عن احتماله اليوم سيصبح غدًا سببًا لقوتك. لا تترك يد الرجاء، فالله لا يُرهق نفسًا إلا ليطهّرها، ولا يبتليك إلا ليُعدّك لما هو أجمل. كن على يقين أن النور سيعود، لأن الله وعد، ووعد الله حق.